التنافر الإدراكي أو المعرفي

محمد حايك

لقد أثبتت التجارب أنه ليس من السهل على الإنسان أن يتنازل عن معتقد ما حتى ولو تبين له خطأه، كما حدث للحكاية الخرافية المشهورة عن الثعلب والعنب.  والحكاية تقول إن ثعلبا كان يمشي يوما بين البساتين فلمح عنقوداً ناضجاً من العنب يتدلى من غصن أحد الأشجار.  اشتهى الثعلب أن يأكل ذلك العنقود من العنب، فقفز للمرة الأولى والثانية ومرات عديدة عسى أن يلتقط العنقود دون جدوى.  فعوضاً عن أن يعترف الثعلب بالحقيقة، بأنه لم يستطع الحصول على العنب، لأن الاعتراف به قد يحطم نفسيته وقدراته، فقال لا بد وأن هذا العنب حامض ولو أكلته لأزعج أمعائي، فتركة وانصرف وهو مرتاح نفسياً لا يأبه على مرارة تجربته الفاشلة بسبب قصوره في الحصول على ما كان يبتغيه.

الذي حصل للثعلب داخل نفسه بسبب تجربته المريرة، يسمى في علم النفس بالتنافر الإدراكيCognitive Dissonance، وهو التناقض بين ما يدركه الإنسان من خلال نظرته الشخصية عن نفسه وإمكانياته واعتقاداته، وبين الحقيقة التي لم يدركها عن نفسه بعد.  نظرية علم النفس "التنافر الإدراكي أو المعرفي"، تنظر إلى التناقض بين الاعتقاد والسلوك والحقائق في نفس الإنسان.  لقد أطلق هذا الاسم على هذه الحالة النفسية، أحد علماء النفس اسمه "ليون فسينجر" في عام 1955، وكتب كتابا عن ذلك سماه "حينما تفشل النبوءة".[i] 

حتى يتحقق فسينجر من صحة نظريته عن طريق التجربة، انضم هو ومساعده تحت اسم مستعار إلى إحدى الجماعات الدينية المسيحية المتعصبة، والتي تؤمن إيمانا جازما أن نهاية العالم سوف تحدث في نهاية العام.  كانت الغاية من تلك التجربة، هي مراقبة سلوك الجماعة وردة فعلها عن قرب، عندما يقترب اليوم الذي حددته الجماعة لنهاية العالم.  طبعاً نهاية العالم لم تحدث في الموعد الذي حددته الجماعة، ولكن عوضاً عن أن تعترف الجماعة بخطئها وأن اعتقادها كان باطلاً، فأوجدت تفسيراً يثبت صحة اعتقادهم، وهو أن الرب غفور رحيم بعباده، فلقد أجل الرب الموعد لنهاية العالم إلى تاريخ أخر سيعلنون عنه عندما يأتيهم الإلهام.  فأقنعوا أنفسهم بأن اعتقادهم صحيح، بالرغم أن نهاية العالم لم تحدث، وهذا هو مغزى القصة الخرافية عن الثعلب.

وفي العصر الحديث تنبأ رئيس الكنيسة الأصولية في أمريكا وارن جيفس Warren Jeffs بنهاية العالم في 23 كانون الأول لعام 2012، وعندما أتى الموعد المحدد ولم يحدث شيء، اتهم أتباعه بعدم اليقين، وحدد يوما آخر في 31 من كانون الأول من نفس العام.  ومر الموعد المحدد وماتزال المخلوقات مستمرة في حياتها.[ii]

لقدد حدد أحد علماء المسلمين واسمه سفر الحوالي من المملكة العربية، أن نهاية إسرائيل ستكون عام 2012 ولم يجزم به.[iii]  ومر العام، وإسرائيل أقوى مما كانت عليه، والعرب في ضعف وشقاق بعيد.  وكتب بسام جرار من غزة بفلسطين كتاباً تنبأ فيه إن نهاية إسرائيل ستكون عام 2022 حسب أبحاثه الرقمية في القرآن.[iv]  أقول إنني من المنتظرين، فإسرائيل لن تنتهي إلا بقيام الساعة، أي وقت وقوع الوعد الحق، عندما ينقرض جنس الإنسان من على الأرض وتنتهي به حقبته، وإني أراه قريب.

يصعب على الإنسان أن يرى نفسه في قفص الاتهام بالنقص والخطأ في اعتقاداته التي شب عليها، فمن شب على شيء شاب عليه، وخصوصاً إذا كان ذلك الاعتقاد له صفة سماوية.  الإنسان الذي تبنى اعتقاداً ما لسنين طويلة من عمره أو منذ طفولته، فإنه يصبح شيئاً من كينونته تختلط فيه مشاعره وعواطفه وشخصيته، ومن الصعب عليه أن يتقبل بديل عنه، أو أن يعترف بخطأ ذلك الاعتقاد.  ولذلك نجد أنه من الصعوبة على بعض الناس أن تتخلى عن اعتقاداتها الخرافية التي تشرح عقيدة ما مرتبطة بالدين، رغم اكتسابهم المعرفة والعلم من الجامعات.  هذا ما واجهته من بعض المتعلمين عندما كنت أناقش معهم الطرح الأسطوري الخرافي المتوارث لبعض نصوص القرآن، وأعقبه بالتساؤلات والانتقادات، فالعاقل منهم كان يقول الله أعلم.  فبعض الاعتقادات الدينية المتوارثة الخاطئة، رغم أن نشأتها قد تكون من تفكير بشري وتحتمل الخطأ والصواب، فلا مساومة فيها عند الأكثرية، وهذا هو الجهل بعينه.

               

[i] - Leon Festinger, Henry Riecken, and Stanley Schachter, When Prophecy Fails.

[ii] - Wikipedia, List of dates predicted for apocalyptic events.

[iii] - سفر بن عبد الرحمن الحوالي، يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب: قراءة تفسيرية لنبوءات التوراة عن نهاية دولة إسرائيل.

[iv] - بسام جرار، زوال إسـرائيل عام 2022، نبوءة أم صُدَف رقميـة.