الصمت الحرام

والإعلان الصهيوني عن تحالف دول جوار السُنة معها

 دعونا نحلم للحظة واحدة كيف ستكون هذه الأرض المضطربة (فلسطين) وكيف ستبدو بعد الاتفاق مع هذين الشعبين .. اسمحوا لي أن أحلم أيضا.

 تخيل لو يكون بمقدوري أن أسافر على متن طائرة من الرياض، وأطير مباشرة إلى القدس، وأستقل حافلة أو سيارة أجرة، وأذهب إلى قبة الصخرة أو المسجد الأقصى، وأؤدي صلاة الجمعة، ثم أقوم بزيارة حائط المبكى وكنيسة القيامة، وإذا ما سنحت لي الفرصة في اليوم التالي، فبإمكاني أن أزور قبر إبراهيم في الخليل، وقبور الأنبياء الآخرين عليهم السلام جميعا، ثم أتابع طريقي وأزور بيت لحم مسقط رأس السيد المسيح، وأن يكون بمقدوري أن أواصل طريقي لزيارة متحف (يادفاشيم) كما زرت متحف المحرقة في واشنطن

 ويا له من سرور أن أتمكن من توجيه الدعوة، ليس للفلسطينيين فقط، بل للإسرائيليين الذين قد التقي بهم أيضا للمجيئ وزيارتي في الرياض، حيث بمقدورهم زيارة موطن أجدادي في الدرعية الذي عانى على يدي إبراهيم باشا ذات المصير الذي عانت منه القدس على يد نبوخذ نصر والرومان.

 هذه فقرة من مقال نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بعنوان (مبادرة السلام لا تزال توفر إطارا للسلام) في 7/7/2014م للأمير تركي الفيصل يحث فيها الحكومة الإسرائيلية على قبول مبادرة السلام التي قدّمها العاهل السعودي عام 2002م وأقرتها الجامعة العربية وذهب وفد عربي إلى إسرائيل لنقل المبادرة مباشرة إلى شعبها وكما جاء في المقال وتجاهلتها إسرائيل رغم أنها كانت في صميم الرؤية التي وضعتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة في قرار التقسيم عام 1947م والتي فشل المجتمع الدولي في تنفيذه .. والنتيجة على حد وصفه (هي مأساة إنسانية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي الظالم، وأيضا للإسرائيليين المحاصرين في وضع سيزيد مع مرور الوقت من عزلتهم الدولية).

 عندما يكتب شخصا بحجم الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية الأسبق والسفير بعدها في أهم عاصمتين عالميتين هما لندن وواشنطن، فلابد أن يتوقف المراقب أمام كل كلمة يقولها أو يكتبها وأمام كل تعبير أو وصف يأتي في سياق كلماته، فقد جاءت فترة من الزمان في أوج فترات الأمة والعالم وهي نهايات الصراع بين الغرب والاتحاد السوفييتي وكان الرجل وقتها من أهم الشخصيات الفاعلة والعاملة والعالمة ببواطن الأمور ليس في بلده فقط ولا في المنطقة العربية أيضا بل على مستوى القمة في هذا الصراع، والرجل أيضا كان من معارضي العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2006م وما زال من معارضي (الدعم التلقائي من الحكومة الأمريكية وبعض الحكومات الأوروبية لنتن ياهو ليضيف المزيد من القسوة وخدمة المصالح الشخصية) وهو يقصد مصالح نتن ياهو كما جاء في مقال له آخر يدين فيه حرب هذا العام 2014م رغم قوله عن حماس (أنها كررت أخطاء الماضي – فإن الصواريخ التي ترسلها على إسرائيل – حتى إذا وصل أحدها إلى تل أبيب لا تشكل خطرا على إسرائيل ولكنها تعرقل القضية الفلسطينية).

 استدعاء التاريخ في مقال الأمير تركي الفيصل وربط ما حدث في القدس عام 586 قبل الميلاد في حرب الدولة البابلية ضد الآشوريين أي قبل 2600 عام ومسارات ما حدث في مدينة الدرعية عام 1819 بعد الميلاد بأمر الخليفة العثماني (كولي أمر للمسلمين وقتها) لوأد تمرد في دولته قبل 195 عاما أمرا يفتح مجالات لأسئلة لا إجابة مريحة لأحدها، غير أنه من الواضح أنها تريد إعطاء حقا تاريخيا للتيار السياسي الصهيوني في ما يفعله الآن في مدينة القدس التي يقوم الكيان كله (نتن ياهو ومعارضيه) بالعمل على هدم المسجد لإقامة هيكلهم المزعوم مكانه.

 ثم ماذا يربط حائط المبكى بقبور الأنبياء ومسقط رأس المسيح عليه وعليهم جميعا سلام الله وصلواته ومتحف (يادفاشيم) وأيضا متحف المحرقة في واشنطن، ولماذا تجاهل رجل بحجم (مؤسسة أو دولة) كالأمير السعودي الإشارة ولو من باب المساواة على الأقل إلى تمني زيارة معالم قرية دير ياسين التي تقع في أكناف المسجد الأقصى وتم ذبح أهلها جميعا رجالا ونساءً وأطفالا في 9/4/1948م على يد العصابتين الصهيونيتين آرخون وشتيرن غدرا بعد توقيع معاهدة سلام طلبها رؤساء المستوطنات اليهودية المجاورة ووافق عليها أهل القرية استجابة لنداء سلام وهم لم يكونوا بأي حال من الأحوال من نسل البابليين الذين انسحبوا من منطقة الشام كلها بعد هزيمتهم على يد الفراعنة المصريين في معركة على الأرض الموعودة (غزة!!) فيما يُعْرف بالحرب المصرية البابلية عام 601 قبل الميلاد أي بعد خمسة عشرة سنة مما حدث للقدس وهو التاريخ الذي سجلته الألواح الأثرية التي تم العثور عليها، وفارق كبير بين تحقيق الروايات والأسباب بين القديم من الأحداث وبين ما تم تسجيله موثقا عام 1948 بعد الميلاد وما زال بعض شهوده أحياء وما كان عام 586 قبل الميلاد وعلى ألواح يقول الأثريون أنها لم تكتمل.

 قائمة المحارق والمجازر الأخرى التي لحقت بمذبحة دير ياسين على أيدي الصهاينة كثيرة كصبرا وشاتيلا في لبنان وأحياء الشجاعية ورفح وخزاعة في غزة هذا الأسبوع والتي لم يأتي لها ذكر في مقال الأمير تركي الفيصل المنشور في هآرتس ولا في المقال الأخير الذي نشرته جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 25 يوليو 2014م أثناء المعارك في غزة بعنوان (نحلم بقيادات فلسطينية أشد حذرا) مخطئاً حركة حماس لعدم قبولها المبادرة المصرية لوقف القتال والتي تضمنت نزع سلاحها ويقول فيها (إن معرفة أن أهل غزة سيتعرضون لسفك الدماء الوحشي والمعاناة، كان يجب أن يحد من غطرسة حماس لكنه لم يفعل، وكذلك استعداد حماس للتسبب بقدر كبير من المعاناة قبل العودة الحتمية إلى الهدنة أو وقف إطلاق النار، يظهر بجلاء هوة اللامبالاة التي سقطت فيها حماس)، ثم يأتي الأخطر في نفس المقال عندما تتطابق رؤية المسؤول السعودي السابق مع السياسة السعودية الآن تجاه بعض معارضيها على مستوى السياسة الخارجية بقوله (كما أن تماهي حماس مع الموقفين التركي والقطري هو أيضا سوء تقدير آخر، فقيادات هذين البلدين تبدي اهتماما أكبر بالكيفية التي يمكن أن تُحْرم بها مصر من دورها القيادي الشرعي، بدلا من منع نتن ياهو من إنزال الموت والدمار على أهل غزة).

 لن نجادل الأمير تركي ابن الملك فيصل في رؤاه حول قضية فلسطين التي تختلف حسب ما يكتبه مع رؤية الوالد الراحل والذي كانت قضية فلسطين وحقوق شعبها الكاملة هي قضيته وقضية دولته وقضية العرب والمسلمين وبإجماع غير منقوص، ولا حول الدور القيادي الشرعي المزعوم لمصر السيسي الآن، وحتى مخالفة الأمير لنتن ياهو كشخص لا يُعَّول عليها أحد وتبقى صدمة أحداث العدوان على غزة الأخيرة وتعاون السعودية مع دول سُنية رئيسة في المنطقة مع حكومن نتن ياهو وهي مصر والأردن والإمارات كما جاء في جريدة (جيروزاليم بوست) 4/8/2014م قائمة .. هذه الصدمة التي توجه الاتهام مباشرة لهذه الدول وقادتها يفاقمها موقف آخر أشد نكالا عندما تعطي هذه الدول الوكالة الحصرية للتصرف في القضية نكاية في حركة حماس لقائد الانقلاب العسكري في مصر السفاح عبد الفتاح السيسي، مع اتهام الحركة بالأسلوب المباشر وغير المباشر بأنها ترفض السلام مع تأكيد السيد إسماعيل هنية رئيس الوزراء السابق وباستحضاره لخيانات الصهاينة وغدرهم بداية من دير ياسين إلى باقي مصائبهم بأن نوع السلام الذي يرفضونه هو الذي يريد الكيان الصهيوني الحصول عليه عن طريق ضغط دول الجوار ومحاصرتهم لقطاع غزة بعد أن فشلت الآلة العسكرية في فرضه، وتأتي قمة الخذلان عندما يكون الجنرال السيسي هو الوكيل ولا يتراجع القوم عندما يأتي تعريفه على لسان (رافيف دروكر) المعلق السياسي في القناة العاشرة الإسرائيلية على مسارات العدوان الأخير بالقول (بأن إسرائيل توقعت موقفا مؤيدا من السيسي الذي ارتبط بتحالف شجاع مع نتن ياهو، لكنها لم تتوقع أن يصبح صهيونيا!!).

 قد يكون السكوت أحيانا من ذهب كما تقول حكمة إنسانية، أما أمام مشهد الحرب الأخيرة على غزة والشعب الفلسطيني ومستقبله ومستقبل المنطقة كلها والمقدسات الإسلامية والمسيحية التي تتعرض للامتهان، ثم تنهال الترحيبات الصهيونية بحلفائهم ويتم سوقها بأدلة يراها العدو والصديق ويعيشها الشعب في فلسطين، فإن الصمت عليها ممن توجهت إليهم سهام البينة بحجة أن العدو المشترك بينهم هي حركة حماس، فإنه باليقين .. الصمت الحرام.