بلاد الروحا في فلسطين- تاريخ وجذور...

د. محمد عقل

[email protected]

بلاد الروحا- الموقع:

من ناحية طبوغرافية بلاد الروحا هي الهضاب الواقعة بين وادي الملح شمالاً، وشارع وادي عاره جنوباً، واللجون شرقاً، والشونة(بنيامينا) غرباً، أما الأهالي في منطقة وادي عاره، فإنهم أطلقوا اسم "أرض الروحا" على الأراضي الواقعة شمال قريتي عاره وكفر قرع، أي أن هاتين القريتين لم تكونا ضمن بلاد الروحا، كما أن القرى الواقعة عند أطراف مرج بني عامرلم يعدها أهلها من تلك البلاد. يجب أن ننوه بأن مصطفى مراد الدباغ(1955) كان أول من أطلق على الروحا اسم "بلاد"، بينما أُطلق عليها في العهد المملوكي، كما سنرى، اسم "ولاية الروحا".  

بلاد الروحا – أصل التسمية:

 سميت بلاد الروحاء (بفتح الراء وسكون الواو والمد وبالهمزة أو بدونها) بهذا الاسم نسبة إلى كروم العنب زكية الرائحة التي كانت تزرع فيها منذ أقدم العصور، ومما يدعم هذا الرأي وجود قرية اسمها دالية الروحا، ووجود قرية اسمها الريحانية، ووجود معاصر عنب من العهد البيزنطي في خربة الشيخ منصور العَقَّب إلى الجنوب من زمارين التي اشتهرت هي الأخرى بزراعة الكروم، ونحن لا نزال نسمي عنب زمارين عنب أبو ريحة. كما وجدت معاصر عنب منحوتة في الصخر في قرية عاره وفي خربة الرصيصة الواقعة بجوار قرية بريكة، والبَريكة هي الخبيص المصنوع من العنب أو رُبّ الخروب، والبُريكة تصغير بركة وهي الحوض الصغير لنقع الزبيب وتحضير الدبس. اشتهرت قرية المراح(جبعات عاده) بطيب عنبها، وربما سميت بهذا الاسم نسبة إلى مكان صنع الراح(الخمرة). من الجدير بالذكر أنه لما جاء الإسلام انحسر استعمال "الراح والراحة" فقلّت كروم العنب، واستعيض عنها بشجر الزيتون. يبدو لنا أن الروحاء كانت تدعى قديماً ريحاء، وأنها ليست تلك البقعة الطيبة ذات راحة أي المريحة.

بلاد الروحاء في عهد صلاح الدين:

في سنة  583ﻫ/1187م حرر السلطان صلاح الدين الأيوبي فلسطين بأسرها. كان هذا الفتح مدوياً وألهب المشاعر في أوروبا ما دفع بملك الإنكليز إلى القيام بحملة صليبية جديدة تمكن خلالها من احتلال عكا وحيفا وراح يهاجم مدن الساحل. في الثاني من شعبان سنة 587ﻫ/25 آب 1191م وصل صلاح الدين من اللجون إلى منطقة الروحاء وعن ذلك يقول قاضيه المؤرخ ابن شداد: "ولما كان صباح ثاني شعبان رَحَّلَ السلطانُ الثقلَ وأقام هو يترصد أخبار العدو فلم يصل منهم شيء إلى أن علا النهار، فسار في أثر الثقل حتى أتى قرية يقال لها الصباغين فجلس ساعة يترقب أخبار العدو...ثم سار حتى أتى الثقل في منزلة يقال لها عيون الأساود، ولما بلغنا المنزلة رأينا خياماً فسأل عنها فقيل إنها خيام الملك العادل فعدل لينزل عنده...ثم أقام السلطان حتى عبر وقت الظهر وركب وسار إلى موضع يسمى الملاحة يكون منزلاً للعدو إذا رحلوا من حيفا، وكان قد سبق ليتفقد المكان هل يصلح للمصاف أم لا ويتفقد أراضي قيسارية بأسرها إلى الشعرا وعاد إلى المنزل بعد دخول وقت العشاء الآخرة وقد أخذ منه التعب..".

نحن نرى أن قرية الصباغين هي قرية صبارين الواقعة إلى الغرب من خبيزة، وعيون الأساود هي عيون الأساور الواقعة إلى الغرب من كفر قرع عند المدخل الغربي لمنطقة وادي عاره، والملاحة هي خربة المالحة(مجدل ملحاء) الواقعة إلى الجنوب من قرية عتليت، والشعرا هي منطقة قريبة من قيسارية وسميت بهذا الاسم لأنها كانت مليئة بالأشجار الكثيفة(غابة). في الخارطة الصليبية تظهر أسماء قرى وقلاع صغيرة  للصليبيين في صبارين(صباغين)، برواكيه(بريكة) وكفرونا(الكفرين)، ودفيس(خربة دفايس بجوار السنديانة)، إراريس(خربة الشيخ منصور العَقَّب بجوار زمارين) وكانتي (القصوبية الواقعة جنوب خبيزة)  وسانت آن (خربة الصندحاوي غربي كفر قرع).

في 21 شعبان سنة 588ﻫ/ 1 أيلول 1292م جرى صلح الرملة الذي بموجبه حصل الصليبيون على عكا وحيفا وعتليت وقيسارية ومنطقة الروحاء ومنطقة وادي عاره وقرى المثلث حتى راس العين.

بلاد الروحاء في العهد المملوكي:

في سنة 663ﻫ/1265م حرر السلطان الظاهر بيبرس بلاد الروحاء والساحل حتى عتليت من براثن الصليبيين وإلى الأبد. دأب بيبرس على زيارة الروحاء بنفسه حيث كانت له فيها منزلة(محطة مأهولة)، فقد ذكر النويري في كتابة "نهاية الأرب في فنون الأدب" أن السلطان خرج إلى الشام في ثالث شعبان من سنة 670ﻫ/24 شباط 1272م، ونزل بمرج قيسارية، وحصلت الهدنة مع الفرنج، ونزل السلطان بمنزلة الروحاء وعَيَّدَ بها عيد الفطر، ورحل منها في ثاني شوال.."، بينما ذكر بدر الدين العيني في كتابه"عقد الجمان في تاريخ  أهل الزمان" أن السلطان بيبرس "نزل في شهر شوال سنة 670ﻫ/نيسان 1272م على الروحاء مقابل عكا لأنه مكان كثير المياه والأعشاب..".

 في عهد السلطان المنصور سيف الدين قلاوون كانت الروحاء مكاناً لتجمع القوات الإسلامية ومركزاً ثابتاً للحكم. يقول ابن تغري بردي في كتابه "النجوم الزاهرة في تاريخ مصر والقاهرة" تحت حوادث سنة 680ﻫ/1281م: "وسار الملك المنصور قلاوون حتى وصل إلى الروحاء من عمل الساحل، ونزل عليها في يوم الثلاثاء سابع عشر من ذي الحجة، وأقام قبالة عكا، فراسلته الفرنج من عكا في تجديد الهدنة فإنها كانت انقضت مدتها، وأقام بهذه المنزلة حتى استهلت سنة ثمانين وستمائة. رحل عنها يوم الخميس عاشر المحرم، ونزل اللجون، وحضر رسل الفرنج.. فحصل الاتفاق على الهدنة."، أما بدر الدين العيني في كتابه "عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان" فيقول:" بلغ السلطان، وهو على منزلة الروحاء، أن جماعة من الأمراء أزمعوا الغدر به والوثوب عليه فأحضرهم إليه وعنفهم،.. ورحل من الروحاء ونزل منزلة اللجون".يشير اليونيني في كتابه"ذيل مرآة الزمان" إلى أن منزلة الروحاء من عمل الساحل، وقد نزل السلطان بها مع عساكره؛ وفي مكان آخر يقول إن الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا ملك العرب وصل من البلاد الشمالية وبرية العراق، داخلاً في الطاعة، ووصل إلى خدمة الملك المنصور بمنزلة الروحاء، فركب السلطان في موكبه وتلقاه على بعد وبالغ في إكرامه واحترامه..".

يبدو أن منزلة الروحاء هي قرية دالية الروحا الواقعة إلى الشمال من قرية خبيزة، وأن عرب عيسى بن مهنا من قبيلة ربيعة من طيء كانوا أول من توطن في بلاد الروحاء بعد العهد الصليبي.

في عهد السلطان المنصور سيف الدين قلاوون أصبحت الروحا(بدون همزة) ولاية كاملة لها أمير مستقل، فقد ذكر المقريزي أنه في 12 محرم سنة 683ﻫ/1 نيسان 1284م "استقر الأمير شمس الدين ابراهيم بن خليل الطوري في ولاية الروحا والطرق السالكة إلى الفرنج وإلى عثليت وحيفا وعكا، عوضاً عن الأمير نور الدين، وأُقطع إمرة عشرة". أي أن الوالي الجديد أصبح قائداً على عشرة قواد، أما الأمير نور الدين فهو علي بن عمر الطوري أحد الأبطال الفرسان، لم يبرح هو وعشيرته مرابطين بالساحل، وكان له صيت عظيم عند الفرنج، وتوفي سنة 679ﻫ.

قرى الروحا في عهد أحمد باشا الجزار:

بعد موت الجزار عام 1804م تم تسجيل رسمي لممتلكاته وللقرى التي كانت ضرائبها له خاصة. وردت في هذا التسجيل معلومات عن بعض قرى بلاد الروحاء نذكر منها قرية بريكة التي دفعت ضريبة سنوية مقدارها: حنطة 3 غرارة، شعير 3 غرارة، ميري 700 غرش أسدي؛ وقرية زمارين التي دفعت: حنطة 6 غرارة، شعير 6 غرارة؛ وقرية أم الشوف التي كانت معطلة لسبب غير معروف. يبدو أن القرى الأخرى دفعت ضرائبها لجباة السلطان. من الجدير بالذكر أن الغرارة كانت تساوي 12 كيلاً.

 نحن نعتقد أن سكان قرية أم الشوف الأوائل عملوا في الصباغة كأهل صبارين، أو في الطبابة إذ ورد في المعاجم: شاف الجملَ بالقطران: طلاه به، ونحن لا نزال نقول شَوَّفْنا الدار أي دهناها بالشيد، والشوفان نبات من الفصيلة النجيلية بذوره متوسطة بين الحنطة والشعير، ويعرف لدى العامة بالزيوان، وله فوائد طبية كثيرة. من الجدير بالذكر أنه يوجد بجوار قرية صبارين واد يُسمَّى الزيوانية وفيه عيون نبع، كما أن أهل المغرب يستعملون كلمة الشوفان للدلالة على عيادة طب الأعشاب. أما الكفر فهو القرية التي يعمل أهلها بالزراعة، والكفرين مثنى والمقصود القرية وخربتها، وقد ورد ذكر قرية الكفرين في دفتر مفصل لواء اللجون عام 1005ﻫ/1596م، كما ورد في نفس الدفتر ذكر مزرعة معاوية وطائفة معاوية ومزرعة زمارين وقرية بريكي ومزرعة مصيمص، وورد في دفتر ناحية مرج بني عامر لسنة 945ﻫ/1538م ذكر قرية بريكة ومزرعة المعاوية ومزرعة مشيرفة.

هوامش:

1.ابن شداد، النوادر السلطانية في المحاسن اليوسفية.

2. ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة في تاريخ مصر والقاهرة.

3.بدر الدين العيني، عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان.

4. دفتر مفصل ناحية مرج بني عامر وتوابعها ولواحقها(سنة 945ﻫ/1538م)، تحقيق محمد عدنان البخيت ونوفان رجا المحمود، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، 1989 .(دفتر ضريبة عثماني).

5. دفتر مفصل لواء اللجون لسنة 1005ﻫ/1596م، تحقيق محمد عدنان البخيت ونوفان رجا المحمود، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، 1989. (دفتر ضريبة عثماني)

6.الصفدي، الوافي بالوفيات.

7. النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب.

8.المقريزي، كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك.

9.اليونيني، ذيل مرآة الزمان.

10. خريطة للمواقع والقلاع الصليبية في فلسطين، انظر د.محمد عقل، المفصل في تاريخ وادي عاره-الجذور والعائلات والمواقع، مطبعة الأمل، القدس، 1425ﻫ/2004م.

11. אמנון כהן, מגמות והתפתחויות ב "חוף עתלית" במאה הי"ח,