لِمّ الزبالة يا مرسي !

 هذا مانشيت صحيفة عبد الحليم قنديل وعنوان أحد أعداها في عهد الرئيس محمد مرسي العالم الجليل الذي يؤمن بحرية التعبير إلى حد لم تعرفه مصر من قبل !

ومعنى العنوان باللغة العربية الفصحى : اجمع الزبالة يا مرسي . أي إن عبد الحليم قنديل وضع رأس الدولة في منزلة الزبال . وهذه المنزلة بمفهوم السوقة وأبناء الشوارع تحقير لصاحبها وامتهان لكرامته ، حتى لو كانت هذه المهنة ضرورة لحياة المجتمع لا يستطيع أن يعيش بدونها

أبى الخلق الرفيع (!) للصحفي عبد الحليم قنديل إلا أن ينال من مقام رئيس المصريين المحترم المنتخب ويسبه في عنوان كبير مخالفا بذلك أولى أبجديات مهنة الصحافة ألتي تهتم بتقديم الخبر قبل تقديم الرأي وبالأخلاق قبل الردح!

لم يغضب محمد مرسي ولم يدفعه السب السافل والقذف الرخيص إلى تقديم عبد الحليم للمحاكمة بوصفه مواطنا تعرض للإهانة من صحفي محدود القيمة ، كان في الأصل طبيبا متواضعا قبل امتهانه مهنة الصحافة .

في عهد الرئيس مرسي نشر المذكور صورة مركبة ملونة لا أنساها بحجم الصفحة الأولى في جريدته يظهر فيها الرئيس نائما على ظهره وفوق بطنه حذاء بيادة ضخم ! لا أذكر التعليق البذيء المرتبط بالصورة تماما ، ولكنه كان يعني امتهانا غير مسبوق لم يحدث له مثيل مع رئيس الدولة في أي بلد من بلاد العالم  !

كتبت في حينه أكثر من مرة أستحث الرئيس على الغضب لكرامة الشعب ، لأن كرامته من كرامة الشعب ، ولكن الرئيس الذي رباه الإسلام لم يغضب، وتسامح مع من آذوه ، فقد كان يرى أن البلاد تمر بمرحلة انتقالية ، وستعود الأمور إلى طبيعتها ، وسيعود التوازن إلى البلاد بعد حين .

هل كان عبد الحليم قنديل يملك شجاعة ذاتية تجعله يهين الرئيس بمثل هذه السفالة والوقاحة ؟ وهل كان يملك قدرة خاصة على مواجهة الرؤساء بمثل هذه البذاءة والقحة ؟

كلا .. فقوة عبد الحليم قنديل وأمثاله من الناصريين تنبع من قوة مستخدميهم في أجهزة الأمن التي تسعى لإنهاء الثورة المصرية التي قام بها الشعب المصري في يناير 2011 . وهذه الأجهزة حركت عملاءها وأتباعها والمجروحين الذين تسيطر عليهم بالتسجيلات وغيرها ليكونوا طليعة الثورة المضادة التي قهرت الشعب المصري وانقلبت على إراداته في 3/7/2013 ، وقتلت – وما زالت – ما يقرب من ثمانية آلاف شهيد ، وأصابت أكثر من ثلاثين ألفا بعضهم تحولت إصابته إلى عاهة مستديمة ، فضلا عن اعتقال الشرفاء والنبلاء الذين تجاوز عددهم اليوم أكثر من خمسين ألفا ، وصدر ضد ألفين منهم أحكام ظالمة بالإعدام ، وضد آلاف أخرى مؤبدات وسجن مشدد في قضايا يعلم العالم كله أنها ملفقة .

عبد الحليم قنديل تعرض لموقفين من مستخدميه أو من يؤيدهم في الانقلاب العسكري الدموي الفاشي ، فقد منعوه من السفر إلى عمان ليشارك في مؤتمر للناصريين عن البكباشي الأرعن المهزوم دائما والفاشل باستمرار حتى يوم رحيله . واكتفى عبده بوصف المنع بالفضيحة والمسخرة !

الموقف الآخر هو مصادرة جريدته في عددها الذي كان يقترض أن يظهر للناس يوم الجمعة 14/8/2015 لأنه حمل مجموعة عناوين بارزة لا نعلم بالضبط أيها سبب المصادرة وجمع الأعداد من الباعة وفرمها ، وإن كان من الممكن تخمين العنوان المعني بالموضوع ، وها هي بعض العناوين كما ظهرت في صدر الجريدة وصورتها بعض الصحف اليومية والمواقع الإلكترونية قبل الجمع والفرم :

" عصابة مبارك : طز في مصر - أحزان الرئيس - تحويل أراضي الدولة إلى كباريهات بالمهندسين - سقوط إمبراطورية منى عبودة شريكة الزند - أشرف العربي يهدد عرش محلب ... " .

كان تعليق عبده على الحدث هادئا وديعا ناعما ، يختلف تماما عما قاله للرئيس المنتخب العالم الجليل محمد مرسي وهو في سدة الحكم الشرعي . قال «قنديل»: إن الجريدة أعدّت نسخًا بديلة بعد رفع الخبر المختلف عليه(؟)، وعاودت طبع الصحيفة وطرحها في الأسواق من جديد. وأشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الأمر مع الجريدة، وأن الأمر تكرّر عن طريق تأخير الطباعة أكثر من مرة، وعقّب بقوله : «أعتقد أنه يحدث مع آخرين».!

هذه تجليات الشجاعة لدى عبد الحليم في عهد الانقلاب السعيد ، ترى لو جرى هذا الأمر في عهد البكباشي الأرعن – ماذا كان سيقول سي عبده المؤدب للغاية ؟

مشكلة عبد الحليم لا تخصه وحده ، ولكنها تخص الفريق الأغلب من الناصريين الذين لا يقبلون أي انتقاد لزعيمهم المهزوم دائما ، الذي حرم الناس من الحرية والكرامة والعدل ، وأسس لحكم عسكري بشع ، حاولت أغلبية الشعب المصري إسقاطه في يناير 2015 ، فعاد مدججا بالدبابات والأباتشي والفانتوم ، ليحطم إرادة المصريين ويعيدهم إلى بيت الطاعة العسكري .

ومع ذلك لا يفتأ الناصريون الذين خانوا ثورة يناير يرددون أن إلههم العاجز المهزوم دائما هو الذي علم الناس ولولاه ما دخلوا مدارس ولا جامعات ، ولصاروا عمال تراحيل وبوابين ، وهو الذي وزع عليهم الأراضي ووظفهم ، وأمم القناة وهتف : ارفع رأسك يا أخي ...  ومشكلة الناصريين أنهم لا يعيشون إلا في ظل حكم عسكري يستخدمهم ويأمرهم ويلقي إليهم بالفتات ، ولذا خانوا ثورة يناير وعملوا ضدها بكل خسة ، ثم إن مقولاتهم عن انجازات البكباشي الأرعن ليست صحيحة في أغلبها ، فقد استطاع والده عبد الناصر حسين ، وهو رجل مكافح كان عاملا في الجمرك ، ثم موزع بريد في الإسكندرية أن يدخل ابنه جمال الكلية الحربية الملكية في عهد الملك فاروق الأول بعد حصوله على التوجيهية بمجموع 39% ، وأن يتخرج ليكون قائدا في القوات المسلحة ويحكم مصر .. من الذي يستطيع أن يدخل الحربية الآن أو الطيران أو الشرطة ؟

البكباشي الأرعن صاحب المجموع المتدني في التوجيهية – أي الثانوية العامة - حكم مصر وغنت له أم كلثوم والجنرال عبد الحليم حافظ ومحمد أفندي عبد الوهاب ، مع أنه أذل المصريين وتركهم حتى اليوم نهبا للاحتلال النازي اليهودي ، حيث لا تستطيع مصر أن تعمر سيناء أو تدخل فيها فرقا عسكرية إلا بإذن السادة الصهاينة! يبقى الخلق الرفيع لعبد الحليم قنديل ،وهو يخاطب واحدا من أشرف ابناء مصر ، وأفضل علمائها وهو محمد مرسي ، دليلا حيا على الشجاعة الذاتية التي يملكها الناصريون ، وأعضاء التنظيم الطليعي والتنظيمات الأخرى السرية التي تمثل الاحتياطي المهم للدولة العميقة في هدم مصر وتمزيقها وتخلفها .

الله مولانا . اللهم فرج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !

وسوم: العدد 629