لرمضان في العراق نكهة خاصة ...لا في " داعش"

لرمضان في العراق نكهة خاصة ...

لا في " داعش"

رضا سالم الصامت

شهر رمضان شهر الخير والعطاء، شهر الصبر و التآزر، رمضان الشهر المميز الذي ينتظره المسلمون بشوق ومحبة في جميع البلاد العربية والأجنبية، لما له من أهمية خاصة تميزه عن بقية أشهر السنة الأخرى. ولشهر رمضان في العراق نكهة خاصة حيث تبدأ التحضيرات لهذا الشهر الكريم قبل بدايته ، فيقوم الناس بشراء المواد الغذائية التي يحتاجونها في تحضير وجبات الإفطار والسحور، وهي تكون متنوعة تشمل المواد الغذائية الأساسية والحلويات والعصائر التي تجهز في أكثر الأحيان في البيت.

 والشيء المميز في العراق أن غالبية الناس يلتزمون بشعائر شهر رمضان من صيام وصلاة وقراءة للقرآن فالذين لا يصلون أصلا يلتزمون فيه بالصلاة ويقرؤن القرآن ، بل يرتلونه ترتيلا ، وحتى النساء غير المحجبات يرتدين الحجاب خلال شهر رمضان، فنجد فيه الالتزام الواضح بين الكل حتى بين صغار السن ممن هم دون سن الرشد ، إذ يحرص أولياؤهم عادة على أمرهم بالصيام وغيره من العبادات تدريبًا لهم على العبادات منذ الصغر.

أما المساجد فتمتلئ بالمصلين من مختلف الفئات العمرية الذين يؤدون صلاة التراويح، ويؤشر ذلك بسبب زيادة الوعي الديني والابتهال والتقرب إلى الله  ليذهب عن العراق كل مظاهر العنف الطائفي و القتل و المقتول  الذي عاث بأرضه فساداً، الأرض التي شرفها الله سبحانه وتعالى بنزول غالبية الأنبياء والمرسلين، وكثرة مراقد الأئمة والصحابة الأطهار فيها. ولهذا الشهر في العراق عادات وتقاليد منذ القدم تتمثل بكثرة الزيارات بين الأقارب والجيران تتبادل فيها الدعوات على وجبة الإفطار، والتي من شانها زيادة الألفة والمحبة بين العوائل العراقية، ولكن في الوقت الحاضر بدأ العراقيون يقللون من هذه الزيارات بسبب الوضع الأمني المتدهور في بغداد  و المدن الأخر و ما يتعرض إليه المواطنون الأبرياء من هجمات مسلحو تنظيم  الدولة الإسلامية في العراق و الشام " داعش" و العمليات الانتحارية و هو ما سبب أوضاعا متردية بعض الشيء .

و بالرغم من كل هذا ، فمع حلول الشهر الفضيل  تنتشر لعبة " المحيبس" التراثية في الشارع العراقي الشعبي بشكل لافت للنظر وتستهوي هذه اللعبة آلاف العراقيين من لاعبين ومشجعين، وتمارس في الأحياء والمقاهي الشعبية منذ مئات السنين، وقد اشتهرت في أقدم المحلات البغدادية القديمة كالكاظمية والاعظمية والجعيفر والرحمانية فتقام مباريات بين أبناء المنطقة الواحدة، وبين المناطق المتجاورة مثل المباريات التي تقام كل عام بين منطقة الكاظمية ومنطقة الاعظمية.

تتكون اللعبة من فريقين كل فريق يتكون من عديد الأشخاص قد يتجاوز العشرين و يجلس الفريقان بصورة متقابلة وبشكل صفوف ويقوم أحد أشخاص الفريق الأول بوضع خاتم (محبس) بيد أحد أشخاص فريقة و يتم اختيار أحد الأشخاص من الفريق الثاني ليعرف (يحزر) مكان الخاتم، و يتم تسجيل النقاط لكلا الفريقين حسب عدد المرات التي تمكن خلالها من معرفة مكان الخاتم، والفريق الذي يحقق الحد الأعلى من النقاط (21 نقطة) هو الفائز.

ومن طقوس هذه اللعبة أن يتناول الفريقان والجمهور بعد انتهائها بعض الحلويـات العراقيـة المعروفـة (بالزلابية والبقلاوة) التي يتحمل ثمنها الفريق الخاسر، و الكل فرحا مسرورا و مبتهجا ...

تهدف لعبة " المحيبس"  إلى تقوية أواصر المحبة والصداقة بين أبناء الحي الواحد، والتعارف وتوطيد المحبة والألفة بين أبناء المناطق المختلفة.

اما في الثلث الأخير من شهر رمضان ويبدأ الناس بالاستعداد لاستقبال عيد الفطر المبارك من خلال تزيين البيوت لاستقبال المهنئين من الجيران، الأقارب، والأصدقاء، وتقوم ربات البيوت بصنع الحلويات والمعجنات خاصة (الكليجة) لتقديمها مع العصائر للضيوف الذين يأتون في العيد. كما يتم تجهيز ألعاب الأطفال (المراجيح، الزحليقات، دولاب الهواء) في الساحات والمناطق الشعبية.

هذا و تختار أم البيت لكل يوم من أيام رمضان هذه الاكلات شوربة ، تشريب ،هريسة ، كبة والغالب تكون كبة حلب، كبة برغل، كبة حامض، مخلمة، باجه، عروكَ كباب مشوي أو مقلي، تكة ،دولمة ومحلبي، زردة حليب، حلاوة تمر، مع الحلويات مثل البقلاوة والزلابية، برمة، قطايف، شعر بنات .... الخ

و بالنسبة لبائع  حلويات رمضان في بلاد الرافدين له  نداء خاص ومنغم وطريف أيضا،  يعلن فيه عن سلعته..   " زلابية وبقلاوة وشعر بنات ،وين اولي وين أبات أبات بالدربونة أخاف من البزونة أبات بالمحطة تجي عليه البطة"  

رمضان فاتن بلياليه ، فبعد صلاة العشاء يذهب البغداديون إلى المقاهي للتسلية بلعب لعبة "المحيبس" أو لعبة الصينية أما النساء فإنهن ينشغلن بتهيئة ملابس العيد وخياطتها وعمل الكليجة، أما الأولاد والصبيان فيلعبون مع أقرانهم من أولاد المحلة مختلف الألعاب الشعبية السائدة  لوداع رمضان.

 في اليوم الأخير من شهر رمضان يقف المسلمون فوق السطح وعلى أحواض المنائر لمراقبة هلال شوال وعند رؤيته يودعون شهر رمضان قائلين: الوداع الوداع يا شهر رمضان الوداع يا شهر الطاعة والغفران.

 فكم هي حلوة  أيام رمضان و لياليه و ما أجملها ،  فهذه أجواء رمضان في العراق لا في داعش .!!! و ستظل أجواء منعشة حب من حب و كره من كره ، لأن شعب العراق شعب عظيم لا يموت .... شعب يحب الحياة مؤمن بمستقبل وطنه و لملمة جراحه .....