مهرجان كران تعبير عن كساد أصاب سوق الشهرة

من الطباع الغريزية في بني الإنسان غريزة حب الشهرة . ويختلف الناس في اختيار أنواع الشهرة التي يرغبون فيها .والشهرة لغة من فعل شهر يشهر ـ بفتح الهاء ـ شهرا بكذا إذا ذكره وعرفه، ومنه شهر السيف وأشهره إذا سله ورفعه ، ومنه شهر ـ بتضعيف الهاء ـ وأشهر الأمر إذا أظهره وعرف به وصيره شهيرا ، ومنه اشتهر الأمر إذا ظهر . ويسمى القمر حين يكون هلالا شهرا لظهوره .  وكما تكون الشهرة محمودة تكون أيضا مذمومة إذا ظهر شيء أو أمر في شنعة والشنعة هي القبح .ويبدو أن المهرجانات هي وسيلة لطلب الشهرة . والمهرجان كلمة فارسية مركبة من مهر ـ بكسر الميم ـ وتعني المحبة ، وجان ـ وتنطق بجيم مصرية ـ وتعني الروح ، وهو عيد من أعياد الفرس في فصل الخريف يحتفل به من 16 إلى 21 من شهر مهر الفارسي، ويأتي في المرتبة الثانية بعد عيد النيروز . ولقد أصبحت كلمة مهرجان تطلق على كل اجتماع أو تجمع يجتمعه الناس مهما كان سبب ذلك. ولا شك أن مهرجان كران أو بعبارة أدق  " مهركران " أي محبة كران هو تجمع جمع محبي أكل الحمص ـ بكسر الحاء وتضعيف الميم فتحا وكسرا ـ وهو من فصيلة القطانيات أو القطاني . ويتحول اسم الحمص إلى كران حين يطحن ويصير دقيقا ويخلط بالماء والزيت والبيض ويطهى أو يحمس .  وكلمة كران قد تكون تحريفا لكلمة " كالينتي " الإسبانية التي تعني الساخن حيث يبدل حرف اللام راء خصوصا وأن هذه الأكلة معروفة في شمال المغرب وتحديدا في مدينة طنجة كما هي معروفة في شرق المغرب  وتحديدا في مدينة وجدة وفي غرب الجزائر أيضا. وتعرف هذه الأكلة في طنجة باسم كلينتي بينما تعرف في وجدة باسم كران وفي الجزائر باسم كرانتيتا . ويوجد تقارب كبير بين التسميات الثلاث . ويعتقد  البعض أن يهود الأندلس هم من أدخلوا أكلة كران إلى مدينة طنجة ومدينة وجدة . ويشتهر اليهود بأكل الحمص وهم الذين سألوا موسى عليه السلام أن يدعو لهم ربه ليخرج لهم مما تنبث الأرض من القطاني  بما في ذلك الحمص ،  وقد استبدلوا أكل المن والسلوى وهو خير بأكل القطاني وهو الأدنى ، وحازوا بذلك ذلة ومسكنة وباءوا بغضب من الله . ولا شك أن طعام الحمص هو طعام المساكين حتى حين يضاف إليه شيء من البيض والزيت كما هو الشأن بالنسبة لكران أو كالينتي أو كرانتيتا ، ولهذا صار أكلة شعبية بثمن بخس . ولقد كان كران طعام المسكين ثم استهوى الصغار والشباب عند بوابات المؤسسات التربوية في ساعات الاستراحة من الدراسة ثم صار يستهوي  الجميع بعد ذلك حتى أصحاب اليسار . ولا زالت شريحة من المجتمع تأنف من أكله خصوصا في الشوارع وقد تقبل عليه بنهم في البيوت   . والأكل في الشوارع والأماكن العامة عادة شعوب قديمة، وقد اشتهرت روما القديمة بذلك .

ولنعد إلى أصحاب فكرة "مهرجنة" أكلة كران الذين أغراهم هبوط مؤشر سوق الشهرة، ففكروا في صنعها عن طريق طبق  من كران طوله ثمانية أمتار وعرضه متر واحد ، وما أرخص الشهرة حين تنال بطبق من هذا الحجم ، وما أبسط ولوج سلم جينس للأرقام القياسية . وتعرف ساكنة وجدة فرنا في حي لازاري يحطم يوميا الرقم القياسي الذي اختاره منظمو مهرجان كران دون أن يلتفت إلى ذلك جينس . ولو ضمت عربات كران المتنقلة والقارة في مدينة وجدة إلى بعضها لبلغ طول صحون كران فيها ما يزيد عن الكيلومتر أو أكثر  دون أن يحدث ذلك الضجة التي أحدثها أصحاب مهرجان كران . وهذا المهرجان بهذا الشكل وهو محض تقليد أعمي لأمم تتنافس في عرض أكبر كمية من الطعام أفضى إلى شهرة معها شنعة لا تقل ذلتها عن ذلة بني إسرائيل حين استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير من الطعام . ولا شك أن كثرة المهرجانات التافهةوالعابثة  أغرت أصحاب مهرجان كران بشهرة بدت لهم بخسة وغير مكلفة قوامها كيلوغرامات من دقيق الحمص والماء وحبات بيض،  علما بأن الطبق من أكلة كران الذي عرض في ساحة سيدي عبد الوهاب لا يتعلق في تكلفته بغبار تكلفة وجبة واحدة لأحد من أعيان المدينة في مطعم من مطاعمها دون أن يكون لذلك ضجة كضجة أصحاب مهرجان كران . ومن الطرائف أن مهرجان كران صادف الاحتفال بيوم القرآن، وهو يوم يحتفل فيه بانتهاء الدورة الصيفية لتحفيظ القرآن الكريم للناشئة ،وهو تقليد بلغ الدورة الخامسة عشرة هذا العام، فغاب المسؤولون في المدينة عن حفل القرآن وربما كان ذلك بسبب حضور مهرجان كران في زمن صار كران أشهر من القرآن، وصارت محبة كران أعظم من محبة القرآن . وأخيرا ما أحوج حاضرة زيري بن عطية إلى مهرجانات حقيقية  بعيدة عن عبث المهرجانات العابثة لأن في رصيد مدينة الألفية التاريخي والثقافي ما يستحق الشهرة  والإشهار. وحتى لا يغضب منا عشاق أكلة كران نقول لهم إن مادة الحمص غنية بالمعادن وبالفيتامنات ففيها البوتاسيوم والفسفور والمنغنيزيوم والكالسيوم والحديد والزنك  فيتامانت أ وب 1 و2 و3 و6....إلخ والحمص مادة تشجع على النوم العميق ، فعليكم بكران بالصحة والعافية وطول العمر وطاب نومكم وناموا فما فاز إلا النوم .وهنيئا لكم بالمهرجان الأول لكران وولوج جينس للأرقام القياسية ، وعقبى لألف عام كعمر حاضرة زيري بن عطية.

وسوم: العدد 630