مسخُ المصطلحات

د. حامد بن أحمد الرفاعي

في سياق تأمل رسالة الإسلام العظيم وقيمها الإنسانية السامية لسنين عديدة..هُديتُ بفضل الله قبل سنوات إلى ابتكار مصطلح(الأنسنة)..وكتبت بشأن هذا المصطلح عدد من المقالات..وتحدثت عنه في أكثر من محفل وطني وإقليمي ودولي..وتحاورت مع الفاتيكان بشأنه..وخصصت له رسالتين من سلسلة رسائلي اليومية..واستحسنه مفكرون وكتاب وإعلاميون..ومن يومين قرأت بإحدى الصحف المحلية لكاتب يتحدث عن الأنسة ولكن بطريقة تبتعد عن مقاصد هذا المصطلح التي ابتكرته من أجلها..والشيء العجيب أن زميلاً له أُعجبَ بما كتب يعلق على مقالته فيقول:إن مصطلح الأنسنة لم يكن معروفاً قبل اليوم ؟!ثم أخذ يتحدث عن أنسنة الوطنية ؟؟؟!!! بعبارات وتوجهات مسخ بها معنى الأنسنة وما جاءت من أجله..الأنسنة يا سادة:جاءت بها رسالة الإسلام للتحول بمفردات الخطاب البشري..من أطره الضيقة الفردية والجماعية والوطنية والقومية..إلى سعة ورحابة آفاقه الإنسانية والعالمية..ليكون على مستوى النقلة الربانية الشاملة لمقاصد الرسالة الخاتمة لقوله تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا"ولقول رسولنا وحبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم "كان النبيُّ يُبعثُ إلى قومِه خاصة وبُعثتُ إلى الناسِ عامة"فالرسالة المحمدية أطلت على العالم بأنسنة القيم والمبادئ والمصالح والمعايير..أنسنة العدل..أنسنة قدسية حياة الإنسان وكرامته..أنسنة حرية الإنسان ومصالحه..أنسنة الأخوة..أنسنة الرحمة..أنسنة الحب..أنسنة الأمن والسلام..أنسنة البيئة..أنسنة المنافع والمصالح لقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:"خيرُ النَّاسِ مْن نفعَ النَّاسَ"وأنسنة المواطنة لقوله تعالى:"وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ"وأنسنة التعاون والتنافس في عمارة الأرض لقوله تعالى:"وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى"ولقوله جلَّ شأنه:"هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا"ولقوله تعالى:"فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ"أجل جاء الإسلام ليحرر القيم والمبادئ السالفة الذكر من قيود الخصوصة الدينية والقومية والعرقية والجنسية إلى آفاق أنسنتها..أنسنة التعايش والتنافع والسلام البشري..وبعدُ..أعرفتَ أخي الفاضل ما هو المقصود بالأنسنة..؟فليس منها اختطافُ الأفكارِ وادعاؤها وتبنيها واحتكارُها..بعدَ تشويهها وانتهاكِ المقاصدِ الجليلةِ التي نُحتت منْ أجلِها.

وسوم: العدد 631