المهاجرون السوريون زمن العجز العالمي

الفرار من الموت إلى الموت

تتوالى قصص الموت المرعبة لمهاجرين سوريين، أرادوا الهرب من جحيم الموت في بلادهم، ليلاقوا الموت بطرق أخرى، غرقاً وخنقاً ومرضاً، وكأن ذلك ما كان ينقص السوريين، فباتوا يفرون من الموت إلى الموت، ويفرون من ظلم إلى ظلم أشد، وطغيان أعظم، بيد دعاة الحرية، ومدعّي الديمقراطية الزائفة، وحقوق الإنسان المضللة...

مئات المدنيين، يقضون يومياً على مراكب وشاحنات الموت، وهم يجتازون البراري والبحار بحثاً عن الأمن والأمان، وبحثاً عن لقمة العيش، التي باتت صعبة جداً، وباتت تُعجز دول العالم، فلا يتمكن هذا العالم المتحضر من سد أبسط حاجيات الإنسان في بلاد الغربة القسرية...

من يتحمل المسؤولية؟

في ظل ظاهرة المهاجرين التي تتوسع يومياً رغم المخاطر التي يعيها المهاجر مسبقاً لا بد من وضع اليد على الجرح، وتحديد المسؤول عن هذه الظاهرة، وتحميله المسؤولية الأخلاقية والإنسانية عن الكوارث التي تقع بصورة دورية، وتودي بحياة المئات، وتشرد الآلاف..

الكثير من النشطاء والمتابعين للأمر، يحملون المهاجر كامل المسؤولية عما يلاقيه من عذابات، فهو من ترك دياره، وهو أيضاً من فضّل تلك البلاد على دول الجوار السوري، وهو أيضاً يساعد على تفريغ سورية من مكونها السني المستهدف بصورة واضحة، وهو المسؤول عن التغير الديمغرافي للبلاد كلها، وفي هذا مبالغة كبيرة بحق هؤلاء المستضعفين...

بكل تأكيد لا بد من المحافظة على التركيبة السكانية لسورية، ولا بد أيضاً من تشجيع المواطنين على البقاء في ديارهم، أو في أبعد الاحتمالات اللجوء إلى دول الجوار إلى حين أن تخف البراميل الساقطة من السماء والصواريخ الصادرة من الأرض تحت مرأى ومسمع العالم، فيعود الأفراد إلى بلادهم مهما طال أمد الأزمة، لكنّ هذا غير كافي، ولا يمكن الاكتفاء بتوجيه العتاب واللوم للطرف الأضعف من المعادلة، وإجباره على العيش بظروف قاسية، حيث لا عمل ولا مال ولا قدرة على تأمين أبسط متطلبات الحياة...

إنّ ما يقع من ظلم على المهاجرين السوريين، لا يتحمل مسؤوليته المهاجر وحده، ولا يمكن تحميل مسؤوليته للنظام السوري، الذي يقوم بمهام واضحة وبخطوات عنيدة لتفريغ سورية من سكانها لإعادة ترتيبها ديمغرافياً كما يتوافق مع أهوائهم الطائفية، ومع متطلبات إيران الفارسية، الذي يتحمل المسؤولية كاملة هو المجتمع الدولي، الذي يقف موقف العاجز بل المتآمر أمام حل هذه الإشكالية، ويحاول عبثاً البحث عن حل لأعراض المشكلة دون النظر إلى أسبابها وجذروها...

عورات المجتمع الدولي المتكشفة

في كل يوم تكشف الثورة السورية عورة جديدة من عورات المجتمع الدولي عموماً، والدول "الكبار" خصوصاً، فمعاناة الشعوب باتت مادة خصبة للعبة المصالح القذرة، فيعالجون مظاهر تلك المعاناة بما يتوافق مع مصالحهم الضيقة دون النظر إلى أسباب تلك المعاناة، رغم أنهم يملكون مفاتيح الحل، ويملكون القدرة على إنهاء القضية السورية برمتها، لو ملكوا الإرادة في ذلك، ولو توافق ذلك مع مصالحهم...

فأطراف القضية السورية واضحة، والمجرم قابع في قصره بدمشق، والداعمون له ما عادوا يختبئون وراء أي ستار، فإيران اليوم تقاتل بكل وقاحة، بل وهي من تمسك زمام الأمر اليوم في البلاد، فحتى المفاوضات مع الثوار باتت هي من تقوم به، ليأتي الغرب ليكافئ دولة الإجرام هذه برفع العقوبات عنها وتسهيل تدفق الأموال إليهم، ليعطوهم مزيداً من أدوات القتل والإجرام...

كيف تحل قضية المهاجرين

يتداعى وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي للاجتماع خلال الأسبوعين القادمين لبحث مشكلة الهجرة غير الشرعية وإيجاد الحلول لها، وهنا لا بد من التأكيد أن أي حلول سطحية للمشكلة لن تزيدها إلا تعقيداً، فوضع الأسوار في مواجهة المهاجرين، وإغلاق الحدود وتسييجها، كلها حلول ساذجة، وستقوم فقط بتعقيد المهمة وزيادة المخاطرة على المهاجر..

فما يدفع جزءاً كبيراً من المهاجرين لخوض البحار وركوب الأخطار هو عدم امتلاكهم لجواز السفر الرسمي، وهو أبسط حقوق الإنسان، يحرمه منه النظام السوري، ويسكت عنه النظام العالمي، بل ويحاسب من يلجأ إلى تزوير وثائقه طلباً لحرية التنقل بعز وكرامة، ورغم أن حل مثل هذه القضية لا يتطلب كثير تفكير أو كثير إجراءات، إلا أنّ التجاهل سيد الموقف، ليظهر الأمر بصورة المتعمد لإذلال وتطويع السوريين..

إنّ أزمة المهاجرين السوريين لن تنتهي بحلول ترقيعية ساذجة، ولا بد من حل أساس المشكلة بإسقاط النظام، واستبدال نظام مدني حديث به، وهو على ما يبدو ليس من أولويات العالم العاجز، وليس من ضمن مصالحه في المنطقة، وهو ما يعني مزيداً من المعاناة ومزيداً من الموت على شواطئ دعاة حقوق الإنسان...

المسؤولية الخاصة للأفراد

وإذا كنّا وضعنا اللوم كله على العالم العاجز، فهذا لا يعني أنه ليس هناك مسؤولية خاصة على عاتق كل سوري دفعته ظروف الثورة لترك بيته وأرضه، فمخططات التهجير خبيثة، ومخططات التغيير الديمغرافي في البلاد مخيفة، وهذا يحتم على السوري الذي وصل إلى تلك البلاد الغربية أن لا يقبل بالتنازل عن حقوقه، وأن لا تلهيه الحضارة الغربية ومغرياتها عن وطنه، وعليه أن يبقى لصيقاً بهذا الوطن، ولو بمظاهرة منددة أو بدولارات يرسلها لمن يقاتل دفاعاً عن تاريخه وإرثه، ويجب عليه يستعد لأي لحظة يفتح فيها باب العودة للبلاد، فمستقبلنا في سورية وليس في أوربا وكندا وأمريكا، وليس في البلاد التي هي أساس بلائنا ومصائبنا..

31-08-2015

وسوم: العدد 631