مدفع رمضان...

د. محمد عقل

[email protected]

تمكن أحد رجال السلطان المملوكي خشقدم من إعداد مدفع كبير وقَدّمَه هدية إليه، وسر السلطان بهذا المدفع وأمر بحمله على عربة تجرها عشرة خيول يحف بها موكب كبير حتى استقر في ميدان القلعة بالقاهرة، وأجريت تجربة إطلاقه في أول يوم من أيام رمضان عام 869ﻫ/1465م مع أذان المغرب.

ظن الناس أن السلطان تعمد إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين إلى أن موعد الإفطار قد حان، فخرجت جموع الأهالي إلى مقر الحكم تشكر السلطان على هذه البدعة الحسنة، وعندما رأى السلطان سرورهم أمر بتكرار التجربة في اليوم الثاني، فكان لصوت المدفع أثره في نفوس سكان العاصمة ما جعل السلطان يأمر بإطلاقه عند الغروب طوال أيام شهر رمضان ليكون إيذانًا بانتهاء النهار، ثم أضاف بعد ذلك مدفعي السحور والإمساك.

في العصر الحديث كان الخديوي اسماعيل أول من استخدم مدفع رمضان.

مدفع رمضان كان تقليدًا قديمًا من تقاليد رمضان بالقدس، وقد استخدم بعد انتقال الناس للسكن في ضواحي المدينة، وأصبح أذان المغرب عاجزًا عن شق طريقه إلى آذان الصائمين في هذه المناطق منذ عام 1893م.

في سنة 1403ﻫ/1982م كان يعمل على هذا المدفع الحاج أمين صندوقة، الذي تسلم عهدة ضرب المدفع في رمضان عن والده الذي كان يعمل عليه في عهد الأتراك العثمانيين. أما اليوم فالعهدة في يد السيد رجائي حفيد المذكور أعلاه. يقع المدفع في مقبرة باب الساهرة بالقدس. يبلغ طوله نحو ثلاثة أمتار، وهو مثبت على قاعدتين وعجلتين. منذ سنة 2001 حظرت السلطات الإسرائيلية استعمال البارود في تشغيل المدفع، والاكتفاء بقنابل صوتية. في تموز سنة 2013 حاولت منع استعماله لأنه على حد زعمها يزعج الجمهور.  هذا التضييق على استعمال المدفع يهدف إلى طمس تراث ومعلم من المعالم العربية للمدينة المقدسة.

تشير الروايات أن مدفع رمضان كان في مدينة العريش المصرية، وقد شاهدت مدفعًا صغيرًا في الحديقة المحاذية لكلية صفد(المستشفى الإنكليزي سابقًا) وربما كان ذلك مدفع رمضان.