رسالة إلى رجل

كان يبدو عليك وأنت تخطب في الناس، أنك تحب الخير لهؤلاء الناس، بل للناس جميعا. وصدّق الناس ما كنت تعدهم به من بحبوحة العيش، ورفاهية الحياة، وانضموا إليك فيما كنت تعلنه من الأفكار، وتبديه من الأسرار، وترجوه من كسب الأنصار في المعمعان، وأنت تصول وتجول في المهرجان، فلما فزت بما فاز به غيرك من السابقين، وربحت الدرجة العليا في مشوار السالكين، وذقت من لذيذ النعم ما لم تكن به تحلم فيما سلف من النقم، انقلبت على عقبيك، وخلوت إلى مصلحتك، فأنت عليها قائم تحفظها وترعاها. وقد وجدَت فيما عندك من السعة ماءها ومرعاها، وتركت ما كنت عليه مقيما من الوعود، وتلبّست بما زُين لك من النكران والجحود، فلم تتبع القول الرديد،ما أعلنت عنه من الفعل الحميد، وخضت في التسويف وانتكست، والتمست لنفسك العذر وارتكست، فكان العذر، وقد أدبرت، أقبح من الزلة، وكان الأمر، وقد أخلفت، أن تتوسل بالعلة تلو العلة، بحثا عما يخرجك من السقطة التي أنت فيها، ويُمكِّن لك في الصولة معانيها ومغانيها، وها أنت فيما أنت فيه من الفشل، تمعن فيما يصدر عنك من الزلل، فلا تعرف في غبش من النظر، سبيلا إلى ركوب الحذر، ولا تدري أنك خسرت السباق، وأنت تحاول التوفيق والوفاق، فهيهات هيهات البقاء في القمة، وهل يكون البقاء من غير علو في الهمة؟. تلك إذن هي وجهتك في القيل والقال، وقبلتك فيما اخترته من الحال والمآل، ولا اختيار لك بعد هذا الذي أقبلت عليه من الإدبار، ورضيته، فيما ظننته حقا، من الإصرار. وها أنت، وقد ركنت إلى رأيك الذي تهواه، تحصد ما كنت ترجو في الخسران عسراه. ولا مطمع لك بعد الآن في حب الحصيد، وقدأحرقت بالغلواء ما كان عندك من رصيد. فانتظر ما أنت منتظر من القهقرى، واسلك في الورى طريقك إلى الورا، وهل تأمل أن تكون لك الجنات الباسقات، ولمّا تعرف كيف تدك الجبال الراسخات، بل هل ترجو مما أسلفت في الأيام الخالية، ظللا من النعم الدانية؟. لقد أسرفت بالذي فعلت على نفسك، وأوغلت فيما يسوءك وينوءك،  برأسك، ولم تجد لنجاتك في اللأواء سبيلا، بل لن تجد من غلتك الزرقاء سلسبيلا، وتلك عاقبة من انفرد برأيه ولم يتفرد، وتعدد بتهافته وارتداده ولم يتجدد. وليس لمن كان التسويف وكده، أن يبلغ من الجهد قصده. وليس القصد في هذه الحال، إلا ما انعقدت عليه الخناصر من حسن الفعال. ونسأل الله تعالى حسن الخاتمة،وأن يرزقنا من النعم الدائمة، ما به نرقى أعلى الدرجات، ونبلغ أقصى الغايات. ولله الأمر من قبل ومن بعد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وسوم: العدد 646