شيء عن واقع الحال..

شيء عن واقع الحال..

عقاب يحيى

وانخفض منسوب الكتابات والتعليقات على الفيسبوك، ومعها ـ بالقطع ـ الأحاديث على السكايب، حيث كنا، قبل عام، مثلاً، نمضي الساعات نقاشات وندوات، وحوارات، وحكياً ثم تراجع كل ذلك..وحتى المؤتمرات الغزيرة باتت قليلة، وتعاني الفقر، والتلاشي، والترداد الممل لبيانات ومواقف لا جديد فيها، سوى بعض البهارات النقدية، وفي نوايا لا تجد التجسيد..

ـ هل السبب أننا استهلكنا قديمنا وحاضرنا، واختنق القادم بالإرباك والغموض ؟..

ـ هل نضحنا ما لدينا ولم يعد هناك جديد ؟؟

ـ أم أن أوضاع الثورة وما تمرّ به من ظروف صعبة تكمن في جوهر الأسباب ؟؟..

                                                  ****

الأكيد أن  تعقّد الأوضاع التي تحيط بالثورة، من مختلف الجهات، هي الحاضن الأكبر للحالة الموصوفة، وهي التي تسبب البلبلة، والإحباط، وهذا التراشق المتقطع من الاتهامات وتحميل المسؤولية، ومن النقد الطائر في هواء مفتوح ..

ـ لقد ابتعد التوقع بالانتصار القريب، الحاسم، واختلطت الرؤى بوجود طبقات كثيفة من المثقلات، والتعقيدات، وبات التفاؤل بعيدا، والكل شبه مجمع أنه لا أفق قريب، وأن الأمور تحتاج وقتاً قد يطول، وقد يعبر الكثير من الوهاد والتضاريس..

ـ المسؤولية كثيفة، ويتحملها كثير، لكن لا يمكن تعليقها ـ كما اعتدنا ـ على عوامل خارجية ثم التسلي بالتنعم، والصمت، أو بإدمان الرهان على الأوهام. إنها ذاتية بالأساس ترتبط بنتاج الثورة. بالمعارضات القديمة والجديدة، والمستجدة التي ركبت، أو انضوت، أو تصدّرت . بالأساليب، والمراهنات والحسابات الخاسرة، والخاطئة. بالذاتية النرجس التي تأكل أخضر العقل الجماعي وتنفخ في قرب عتيقة مشبعة بالأنا، والحزبوية، والعصبوية،ورفض القيام بعمليات مراجعة ضرورية، وفي ولدة فئات مافيوزية أكثر شراهة وسوءاً حتى من مافيات الطغمة مستفيدة ـ جداً جداً ـ من هذا الوضع واستمراره، وليس لها مصلحة ـ أبداً ـ بإنهائه انتصارا، أو بإسقاط النظام، أو بالتوصل إلى حلول تحقق الحد الأدنى من مطالب الشعب .

ـ إن التحولات التي أحدثها العمل المسلح، النابعة من مفروضات السلاح وحيثياته، وموجباته، ومن اصابع وألغام التدخل متعدد الأشكال أثفل الوضع بالمزيد لدرجة تبدو معها كل المعارضات السياسية، كل الفعاليات المدنية. كل الحراك الثوري هامشياً ولا يوازي "كلاشنكوفا" يريد أن يكون صاحب القرار، والنفوذ.. وفق تلك المعادلة المفلوشة من التنابذ والصراع والتنافس..

ـ ولا شكّ أن الهيئات، والمؤسسات التي نهضت تحت عنوان تمثيل الثورة، وأخصّ بها الإئتلاف ـ كآخر طبعة موجودة ـ ولدت قاصرة وقيصرية، وعاجزة، ومشوّهة، وركبت عليها كل العوامل الذاتية والخارجية كي تنوخ بحملها، ثم تتمرّجح في يوميات، وسلوكيات يترحّم فيها عديد الناس على نهج الطغمة، وممارساتها.. لأنها أكثر سوءاً، وانفلاشاً، وبعثرة..وقلة أخلاق، و....كثير...

ـ الآن.. وبعض الوطنيين الذين يقرعهم ضمير ما وصلنا إليه.. يحاولون إصلاح ما بقي من الإئتلاف في دورته القادمة.. علّ وعسى.. في حين أن العوامل الفاعلة لا تشجّع كثيرا على التفاؤل، وصولاً إلى"إصلاح" شامل تمكن الإئتلاف من النهوض ـ كما هو مفروض ـ بالواجب، خاصة وأنه الجهة الوحيدة المعنية..

ـ لقد طالبنا مراراً بأهمية وقفة مراجعة شاملة لأوضاع الثورة وما قاد إلى ما نحن فيه : مقدمة للتغيير من جهة، ومدخلاً لعقد مؤتمر وطني جامع من جهة أخرى.. توضع أمامه الوقائع كي يتحمل مسؤوليته بما يراه من مخارج ورؤى ومهام وسبل..

ـ وما زالت فكرة المؤتمر الوطني الجامع المهمة الحيوية التي يجب العمل لترجمتها. وما زال الإئتلاف مطالباً، باعتباره أكثر الجهات القادرة ـ على الدعوة إلى ذلك المؤتمر ليس كوصي، أو مسؤول، بل كطرف مهم من أطراف المعارضة والثورة.. بأمل أن تلتقي كافة فعاليات وقوى الثورة والمعارضة، والحراك المدني والثوري، والخروج وثائق التوافق العام، وببرنامج عمل للمرحلة والقادم، بما في ذلك تحسين شروط ومفاعلات المعادلة الخاصة بالثورة ـ في جميع المجالات ـ كي تكون بموقع القادر على الفرض، وإحراز النصر.