الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة 91-93

سوق السلاح الفردي يزدهر في الكيان الصهيوني

الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (91)

الإسرائيليون لا يريدون الانتفاضة ولا يحبونها، ويحلمون في اليوم الذي فيه تنتهي وتتوقف فعالياتها، ويتبدد الكابوس الذي باغتهم وجثم على صدورهم، وأخافهم وأقلقهم، وهدد مصالحهم وعرض حياتهم للخطر، وأن يعود الفلسطينيون إلى بيوتهم وبلداتهم، وينسوا شهداءهم وجرحاهم، ويكفوا عن أعمال الطعن والدهس والقنص، وأن يعودوا إلى حياتهم العادية، التي كانوا عليها قبل الانتفاضة التي كوتهم بنارها، وألهبت ظهورهم بأسواطها، وأجبرتهم على تغيير طباعهم وتبديل عاداتهم، والتفكير في السلامة قبل كل شئ، وعدم المغامرة بالخروج أياً كانت الأسباب.

لكن على قاعدة مصائب قومٍ عن قومٍ فوائدُ، فإن جماعاتٍ إسرائيلية أخرى استفادت من الأوضاع، وانتفعت من الظروف، وهي تريد من الانتفاضة أن تستمر، ولهذه الأجواء الأمنية المحتقنة أن تتواصل، ولحالة الرعب أن تبقى، وربما لا يحزنها القتلى الإسرائيليون، ولا الذين يصابون بجراحٍ جراء عمليات الطعن، ويحبون أن تشيع أجواء الخوف والرعب، أولئك هم تجار السلاح الفردي في الأسواق الإسرائيلية، أصحاب المحلات الصغيرة والموزعون الكبار، فهم فرحون بالانتفاضة سعداء بها، ويتمنون أن تستمر، وأن تطول فترتها وتشمل فعالياتها كل المدن والبلدات، فلا تخلو منها مدينة، ولا يأمن منها مستوطن.

ليس في هذا مبالغة، ولا محاولة لتصوير مشهدٍ على غير حقيقته، أو تشويه صورة المجتمع الإسرائيلي المشوه أصلاً، بل هذه هي حال تجار الأسلحة الإسرائيلية، المهمومين بأرباحهم، والمشغولين في حساباتهم، والراقصين على جراح بعضهم، حيث تشهد متاجر الأسلحة الفردية نشاطاً ملحوظاً في مختلف المدن الإسرائيلية، فقد ذكرت تقارير صحفية إسرائيلية أن طوابير طويلة من المستوطنين تقف يومياً أمامها، كما تتلقى المتاجر طلباتٍ يومية بأسلحة ذات مواصفاتٍ معينةٍ، بالإضافة إلى طلبات الشركات الأمنية الخاصة ووكلائهم، الذين لا يتوقفون عن الترويج لأسلحتهم والإعلان عنها لبيع أكثر وتحقيق المزيد من الأرباح.

 وذكرت التقارير أن لوازم الدفاع عن النفس المختلفة، هي الأكثر مبيعاً في أسواق الأسلحة الفردية المشروعة والمرخصة في الكيان الصهيوني، لكن المسدسات على أنواعها وتعدد الشركات المنتجة لها، هي أكثر ما يطلبه المستوطنون الإسرائيليون، حيث يقبل على شرائه الرجال والنساء على السواء، رغم أن غالبية المشترين هم من المستوطنين الرجال والشبان، وأكثرهم من طلبة المدارس الدينية، علماً أن محال بيع الأسلحة لا تطلب من المشترين إبراز تراخيص السلاح كشرطٍ مسبقٍ لبيعهم.

وكان مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي المصغر "الكابينت" قد أصدر تعليماته إلى الجهات المختصة بتسهيل إجراءات ترخيص الأسلحة الفردية، وتسهيل حصول المواطنين على الرخص الشرعية وفق القوانين الجديدة، التي تيسر الإجراءات على من يرغب في حمل السلاح بغية الدفاع عن نفسه، وكان ذلك منذ الأيام الأولى للانتفاضة، وقد ارتفع منسوبهم بعد ذلك، ولكن هذا لا يعني أن الإسرائيليين كانوا لا يحملون أسلحةً فردية قبل اندلاع الانتفاضة، بل كانوا يملكون الكثير منها، ويقومون باستخدامها دون أي عقباتٍ تذكر يفرضها عليهم القانون الإسرائيلي، ولم يرد أن الشرطة الإسرائيلية قد حاسبت مستوطناً من الذين استخدموا مسدساتهم غير المرخصة في إطلاق النار على مواطنين فلسطينيين وتسببوا في قتلهم، بل إنها على العكس من ذلك فهي تحرضهم على استخدام أسلحتهم للدفاع عن أنفسهم.

وكان نائب وزير حرب العدو الإسرائيلي الحاخام بن دهان قد دعا كل من يملك سلاحاً من المستوطنين الإسرائيليين إلى وجوب حمل سلاحهم الشخصي عند خروجهم من منازلهم، وألا يتوانوا أو يترددوا في استخدامها حال تعرضهم إلى أي خطر، كما دعا من لا يملكون سلاحاً فردياً إلى أن يعجلوا في اقتنائه، لكنه دعا جميع المواطنين الذين يملكون أسلحة أو ينوون امتلاكها إلى ضرورة ترخيصها بموجب القوانين الإسرائيلية، التي يسرت كثيراً من شروطها في ظل الأحداث التي تشهدها المناطق.

وإثر تصريحات نائب وزير الحرب الإسرائيلي التي نقلتها إذاعة العدو، قام العديد من قادة شرطة المدن والبلدات الإسرائيلية، بدعوة مواطنيهم ممن يحملون تصاريح سلاح فردي إلى حمل أسلحتهم عند خروجهم من بيوتهم مخافة تعرضهم إلى حوادث أمنية، وذلك في ظل التردي العام في الحالة الأمنية، وعجز الجيش والمخابرات عن حماية المستوطنين، الذين رفعوا أصواتهم ضد حكومتهم قائلين، لسناً أبقاراً في مزرعة يدخلها الفلسطينيون بسكاكينهم فيذبحون بها من شاؤوا منا، ثم يعودون ويذبحون آخرين، ولا يخافون من فعلتهم، كما لا يترددون في تنفيذها، ولا يردعهم عن تكرارها أحد.

وفي خطوةٍ رمزيةٍ قصد بها تشجيع المستوطنين على حمل السلاح الفردي معهم خلال تجوالهم، فقد قام رئيس بلدية القدس المتطرف نير بركات بالتجول في شوارع القدس وهو يحمل سلاحاً رشاشاً، ويتعمد إبرازه وتصويره ليراه المستوطنون ويقتدون به، علماً أنه وغيره كثير من رؤساء البلديات الإسرائيلية، خاصة تلك التي نشهد اشتباكاتٍ مع الفلسطينيين، أو سكان المستوطنات القريبة من قطاع غزة، والمستوطنون في مدينة الخليل، فإنهم اعتادوا جميعاً على التجوال بأسلحتهم، وتسجل عدسات وسائل الإعلام المختلفة صورهم وهم يحملون الأسلحة، ويتبجحون بها.

يعتقد الإسرائيليون أنهم بهذه الطريقة يخيفون الفلسطينيين ويرعبونهم، ويجبرونهم على التفكير طويلاً قبل الإقدام على أي عمل، أو أن هؤلاء المستوطنين وغيرهم من حملة السلاح يستطيعون أن يطفئوا لهيب الانتفاضة وأن يضعوا حداً لها، وأنهم سيتمكنون من جلب الأمن لأنفسهم، وصد الاعتداءات عنهم، ونسوا أن دولةً عجز جيشها ومؤسساته الأمنية وكل قدراته العسكرية عن ضمان الأمن لهم، وحمايتهم من عمليات المقاومة، فلن تتمكن شرذمةٌ قليلةٌ وإن حملت سلاحاً، أن تحقق ما عجز عنه الجيش، وأن تصد الفلسطينيين وتمنعهم، أو تهزمهم وتقهرهم.


احذروا زوهر هدروم

الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (92)

زوهر هدروم هو الاسم العبري الذي أطلقه جيش العدو ومخابراته على عملية مكافحة أنفاق المقاومة في قطاع غزة، وهو بالعربية يعني "توهج الجنوب"، حيث يقصد به حماية مستوطنات جنوب فلسطين، التي تسمى عادةً بمستوطنات الغلاف، وهي المستوطنات التي علا صوتها، وزادت شكواها، وشهد كثيرٌ من سكانها أنهم يسمعون دبيباً تحت أقدامهم، وحركةً تحت بيوتهم، تشبه أصوات آليات الحفر ومعدات البناء، وقد حذروا حكومتهم من أنهم يسمعون هذه الأصوات يقيناً وليس خيالاً، وهي واقعٌ وليست وهماً،ووصلت بهم حالة الوهم والقلق إلى متابعة مكان بلاطة منزوعة من مكانها من أحد أرصفة المستوطنات، وقد سيج الأمن مكانها، ووفد إلى مكانها ضباطٌ كبارٌ ومسؤولون أمنيون وخبراء هندسيون كبار لمعاينة المكان ومعرفة سبب عدم وجود البلاطة في مكانها، وما إذا كانت قد انتزعت من فوق الأرض أم من تحتها.

العدو الإسرائيلي أحسن استغلال "زوبعة" الأنفاق التي أثار مستوطنوه مخاوفهم منها، وأشعروا حكومتهم بالتقصير فيها تجاههم، وأنهم يهملون شكواهم، ويستخفون بالخطر المحدق بهم، ولا يهتمون بمحاربة الأنفاق بما يكفي، وأنهم سكتوا طويلاً عنها حتى وصلت إلى بيوتهم، وتكاد تخترق أرض غرف نومهم، الأمر الذي يجعل من قدرة رجال المقاومة على الوصول إليهم كبيرة وسريعة.

استغلت مجموعاتٌ صهيونية عديدة التهديدات التي أطلقتها المقاومة، والتصريحات التي أدلى بها بعض مسؤوليها، والتي أكدوا فيها عن أن أنفاق المقاومة قد نجحت في الوصول إلى عمق الأرض المحتلة، وأنها قادرة على الوصول إلى المستوطنات الإسرائيلية، وأنهم سيفاجئون في أي حربٍ قادمةٍ بما يصدمهم، وغير ذلك من التصريحات التي استفزت الإسرائيليين ودعتهم إلى التعامل مع موضوع الأنفاق بجديةٍ ومسؤولية، وعدم الاستخفاف بها والانتظار دونما فعلٍ جادٍ ريثما تقع الحرب وتستخدمها المقاومة، ويزداد عددها، ويتحسن إعدادها ويتفاقم خطرها، وما انهيار بعضها إلا حافزاً على إعادة ترميمها وتحصينها بأقوى مما كانت عليه.

كان من نتيجة هذه الشكاوى أن قررت حكومة العدو تخصيص مبالغ كبيرة لحماية مستوطنات الغلاف، وتكليف وحداتٍ فنية مدربة من سلاح الهندسة في جيش العدو للبحث عن الأنفاق وتدميرها، في الوقت الذي قامت فيه الإدارة الأمريكية بتخصيص مبلغ مائتي مليون دولار لإجراء أبحاثٍ علميةٍ ودراسات ميدانيةٍ لمكافحة ظاهرة الأنفاق، والعمل على تدميرها، ووضع آلية علمية سرية للتنبؤ بها واستكشافها مبكراً.

بلغت الميزانية التقديرية التي أعدتها قيادة أركان جيش العدو لمحاربة الأنفاق ثلاثة مليارات دولار، وهي ميزانية مقررة من قبل الحكومة الإسرائيلية، وقد تعهدت جهاتٌ عدة بتغطيتها منها الإدارة الأمريكية ودولٌ أوروبية عدة أبدت استعدادها لتقديم خدماتٍ لوجستية إلى جانب المساهمات المالية، خاصةً أن هذا المشروع يلزمه أبحاثٌ ودراساتٌ ونظريات وتجارب ومعدات وآليات، وهو ما قد يكون متوفراً لدى الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن أنه متاحٌ في الجيوش وفي القطاعات الهندسية العسكرية والمدنية، التي تستطيع أن تقدم من خلال علوم الجيولوجيا والطبوغرافيا والتصوير الفضائي الكثير من الخدمات.

كما أعلنت منظمات صهيونية عالمية المباشرة في جمع التبرعات والمساعدات للمباشرة في تنفيذ هذا المشروع، الذي يرون أنه ينقذ شعبهم من خطرٍ حقيقي داهمٌ، ويرون أن التهديد الذي تشكله الأنفاقُ تهديدٌ حقيقي لأمنهم وسلامة مستوطنيهم، وقد أعلنت قيادة أركان جيش العدو أن الميزانية المقترحة ليست نهائية، بل هي قابلة للزيادة، نظراً لأن عالم الأنفاق مجهولٌ بالنسبة لهم، وقد تجد معطياتٌ تفرض عليهم التعامل معها، خاصةً أن قوى المقاومة الفلسطينية قد أسست الأنفاق لتكون ذراعها الاستراتيجية الطولى في مواجهة القدرات العسكرية الضخمة للجيش الإسرائيلي.

لا يتطلع العدو الإسرائيلي من خلال هذا المشروع إلى هدم الأنفاق أو تفجيرها، أو الاكتفاء بمعرفتها ومراقبتها، أو إغلاقها ومنع استخدامها فقط، فهذه هي الخطة الظاهرة من مشروعه الكبير، ولكن مخططاته في هذا المشروع أكبر من مكافحة الأنفاق فقط، بل إن الخطة تنص على تحصين ملاجئ المستوطنين وتوسيعها، وربطها بطرقٍ جديدة تحت الأرض، تستطيع أن تقلهم بسرعة كبيرةٍ  وبسريةٍ تامةٍ عن مناطق الخطر، وتوصلهم إلى مناطق آمنة نسبياً، فضلاً عن تحصين المستوطنات نفسها، بزيادة أعداد الحامية العسكرية لها، ومرافقة الحافلات وسيارات المدارس والجامعات، وتزويدهم بمهابط طائرات، وغير ذلك من وسائل الحماية والتحصين والنقل الآمن السريع، وهو ما يفسر ارتفاع الميزانية المخصصة لهذا المشروع.

كما أن المشروع في الجانب الاستخباري يقوم على جمع المعلومات والبيانات، ومعرفة عدد الأنفاق واتجاهاتها ومساراتها ومهامها، وعدد العاملين فيها أو المقيمين داخلها، وما تتميز به من تحصينات وتتمتع به من مزايا ومواصفات، وغيرها من المعلومات الهامة، الذي تكلف بها جهاز المخابرات الإسرائيلي، الذي يحاول استعادة نشاطه في قطاع غزة، بعد الحملات الأمنية الناجحة التي نفذها أمن المقاومة ضد العملاء الفلسطينيين والمتعاونين مع العدو الإسرائيلي بعلمٍ أو بجهالةٍ وقلة وعي، حيث أن العدو يسلك طرقاً عديدة للحصول على المعلومات التي يريدها، وليس بالضرورة أن يعتمد كلياً على العملاء والمتعاونين، بل يقوم إلى جانب جهودهم التي لا يستغني عنها، باستراق السمع والتنصت، والتصوير والمراقبة، وتحليل التصريحات ومتابعة الأخبار، وتفقد الغائبين وتحديد فترات غيابهم واتجاهات عملهم.

في المقابل وهو ما نحذر منه ونخشى، فإنه يوجد أصواتٌ هامسةٌ وفي الخفاء، بعيداً عن الإعلام وضجيجه، تطمئن المستوطنين، وتؤكد لهم أن الأنفاق تحت السيطرة، وأنه لا يوجد منها خطرٌ حقيقي، فهي في أغلبها باتت معروفة للجيش ومخابرات العدو، كما أن عيون بعضها معروفة ومرصودة، ولكن ليس من الحكمة الإعلان عن اكتشافها حالياً، أو تدميرها فور اكتشافها، فهذه الطريقة لن تمنع الفلسطينيين من المحاولة من جديد، والحفر في مناطق أخرى بعيداً عن مناطق الاشتباه، والأجدى من ذلك إفشالها وإحباط أي هجومٍ عبرها خلال أي مواجهاتٍ عسكرية، واستخدامها نفسها في مواجهة المقاومة الفلسطينية، واستغلال استخدامهم لها وعدم حذرهم منها في تفخيخها أو تسريب الغازات السامة إليها، أو تفجيرها وهم فيها، وعليه ينبغي الحذر والحيطة فهذا عدوٌ ماكرٌ محتال، وعلينا أن نتوقع منه كل شئ.


مواعظ الحاخامات وتوصيات قيادة الأركان

الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (39)

كأنه لا يكفي الشعب الفلسطيني ما يواجهه في ظل انتفاضته المباركة، من جيش الاحتلال الإسرائيلي وقادته وجنوده، ومخابراته وسجونه ومعتقلاته، وقطعان المستوطنين والمتطرفين، الذين لا يتوانون لحظةً عن قتل الفلسطينيين، ولا يتأخرون عن الاعتداء عليهم وتعمد قتلهم، فهم يتسابقون في القتل، ويتبارون في أشكال الاعتداء ووسائل القهر والإساءة، ويدعون أنهم يدافعون عن أنفسهم، ويردون الخطر عن مواطنيهم، ويصدون الشبان الذين يخططون لطعنهم أو دهسهم، ويبادرونهم بإطلاق النار عليهم ليحبطوا مخططاتهم، ويفشلوا محاولاتهم، وإلا فإن حوادث القتل ستكثر، وستتضاعف أعداد ضحاياهم.

التحق بعصابة القتلة وتنظيم الإرهاب المنظم جماعات اليهود المتدينين، وحاخاماتهم المتشددين، ورجال دينهم العنصريين، الذين انظموا جميعاً إلى عمليات القتل والإبادة، والإعدام والتصفية، وبدأوا في التحريض العلني والتشجيع السافر على قتل الفلسطينيين، لوأد انتفاضتهم، وقتل شبابهم، وكسر شوكتهم، وإضعاف إرادتهم، وردهم عن غايتهم التي انطلقوا من أجلها واستعدوا لها، وأبدوا إصراراً شديداً على المضي في سبيلها، ولو كلفهم ذلك حياتهم وأرواحهم، وحريتهم وبيوتهم وممتلكاتهم، وقد تسلح رجال دينهم بنصوصٍ وتعليماتٍ، وتوجيهاتٍ وإرشاداتٍ، مدعين أنها توصيات الرب وتعاليم التوراة.

وقد التحق بالحاخامات اليهود الذين يعيشون في فلسطين ويغتصبون أرضها، رجالُ دينٍ يهودٍ آخرون، يعيشون في الولايات المتحدة، ولكنهم لا يقلون عن رجال الدين المغتصبين تطرفاً وعنصرية، بل إنهم يزودون رجال الدين الإسرائيليين بنصوصٍ واجتهاداتٍ كثيرة، توراتية وتلمودية وأخرى من نسج خيالهم ووحي جنونهم، تحذر من خطورة ترك الفلسطينيين يخططون وينفذون، وتنبههم إلى ضرورة مواجهتهم قبل أن يتفاقم خطرهم، ويزداد عددهم، ويصبحوا هم الأكثرية في أرضٍ قد كتبها الله لليهود، وجعلها لهم أرضاً مقدسة، ولبنيهم من بعدهم أرضاً موعودة، فلا ينبغي أن يشاركهم فيها أحد، سكناً أو حكماً، وعبادةً أو ملكاً.

وقد أيدهم في دعواتهم العنصرية الرامية إلى قتل الفلسطينيين واستخدام العنف المفرط ضدهم، بعض التيارات المسيحية اليمينية، التي توالي اليهود، وتؤمن بروايتهم، وتنتظر معركتهم، وتقاتل من أجلهم، وتحشد اليهود وأبناء دينهم ليكونوا ضمن جنود معركة هرمجدون ، التي يعتقدون أنها لصالحهم، وأنها المعركة التي بشروا بها قديماً، ووعدوا في آخر الزمان بالنصر فيها، ويرون أن دولة اليهود يجب أن تسود، وهذا لا يكون بغير القوة والشدة، والإمعان في القتل والإثخان في العدو.

جيش الاحتلال الإسرائيلي يدرك قوة هذه التعاليم، ويلمس نتائجها العميقة ومفاعيلها الكبيرة، ويدرك أثر نصائح وتوجيهات رجال الدين، الذين يتدخلون بحماسٍ، ويدافعون بغيرةٍ وغضبٍ، ويؤصلون الصراع بعقيدةٍ وتاريخ، كما يعرف تأثير الحاخامات على الجنود والعاملين لأجل مستقبل وأمن وسلامة الكيان، لهذا فهو يصغي إليهم ويستمع إلى نصحهم، ويبرر بفتواهم جرائمه، ويعترف بأن النتائج المرجوة من تدخلهم كبيرة ومرضية، وتؤدي إلى وحدة الشعب والتفافه حول جيشه وحكومة كيانه، فضلاً عن أنهم يبعثون الحمية في صفوف الجنود، ويضفون على تضحياتهم قداسة، وعلى خدمتهم صفة العبادة.

لهذا ألزمت قيادة أركان جيش العدوان الإسرائيلي الجنود جميعاً بحضور مواعظ الحاخامات ورجال الدين اليهود، الذين ينتدبون لوعظ الجنود وتعليمهم أمور دينهم في ظل حالة العسكرتاريا التي يعيشونها، سواء في ظل الانتفاضة الفلسطينية التي حولت الأرض الفلسطينية كلها إلى ميدان حرب وساحة قتال، أو في معسكرات التدريب وثكنات الجيش المنتشرة في كل مكان، وأكدت قيادة أركان جيش العدو على وجوب حضور الضباط مع جنودهم، وعدم تغيب أيٍ منهم عن البرامج الدينية ومحاضرات الحاخامات المنتدبين.

يدعو رجال الدين اليهود الجنود في جيش كيانهم إلى قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وعدم التورع عن قتل المرضى والمصابين والمسنين، وألا يصدقوا أنهم مدنيين عزل، أو مواطنين أبرياء، فجميعهم في دينهم يستحقون القتل، وهم الأغيار وفق موروثاتهم الدينية، ولهذا فإنهم يحرضونهم على عدم رحمة أحدٍ، إذ لا أحد منهم يستحق الرحمة أو الرأفة، بل إن منهم من يعتقد بجرم من يعفو عن الفلسطينيين، كما يجيزون العقاب الجماعي للشعب، والقتل الشامل للجمهور، بحجة أنهم جميعاً أعداء، ومع الأعداء لا مكان للعدالة إلا في المساواة في  القتل، وفي تعميم العقاب وشموله، وبشرى لأمٍ يهودية جاءها ولدها ودم مسلمٍ على سيفه، وهنيئاً لشابٍ عاد إلى بيته مزهواً بمن قتل، وعارٌ على جنديٍ أغمد سيفه رحمةً، ولم يجرده في وجه عدوه ضعفاً، ولم يروِ نصله ضعفاً بدماءٍ يعيش عليها عمره، ويتوق شعبه للمزيد منها.

وردت هذه التوجيهات الدينية وغيرها في المذكرات الإرشادية التي توزعها حاخمية جيش الاحتلال على جنودهم، بالإضافة إلى المحاضرات التي تشتمل على تعاليم دينية ونصائح مختلفة، تقوم كلها على قتل الفلسطينيين، وعدم الإحساس بالشبع من القتل، ولو بلغ عدد قتلى العدو مليوناً، ولعل القادة والضباط ومسؤولو الفرق والألوية والكتائب، هم أكثر من الجنود إيماناً والتزاماً بهذه التعليمات، ولهذا فإنهم يحرصون على الاستماع إلى توجيهات الحاخامات، بالقدر الذي يحرصون فيه على تنفيذ تعليماتهم، وإصدار الأوامر إلى من يلونهم من الجنود لاتباعهم وتنفيذ أوامرهم بالقتل.

مخطئٌ من يظن أن اليهود يحفظون عهداً، أو يحملون وداً، أو يحبون خيراً، أو أنهم يسعون لصالح الإنسانية ويراعون حقوق البشر، وأنهم يدعون إلى الأمن والسلام، فهم يعادون الخير ويتحالفون مع الشر، ولو كانوا رجال دينٍ يدعون أنهم يحملون رسالةً سماويةً، جاءت بتعاليم لرفعة الإنسان، والحفاظ على حياته وممتلكاته، وصون وجوده ورعاية حقوقه، بل هم قتلةٌ بطباعهم، ومجرمون في تاريخهم، وعنصريون في تعاملهم، قتلوا الأنبياء، وذبحوا الأطفال، وادعوا أن البشر خلقوا ليكونوا لهم عبيداً يخدمونهم، أو حميراً يركبونهم.

وسوم: العدد 655