أقلام تكتب الضاد!!

كم  تبدو من الروعة والإنصاف  والتآمل ثقافتنا  العربية الأصيلة  لكونها مؤثرة في السمع  والوجدان والعقل معا  وقادرة علي بلورة  حلم  ومنطق عندما نري بعين لا تحكمها الأهواء  وعلل وحماقات  من يكتفي بالنقد غير المنهجي  أو من لم  يحاول أن يجهد عقله بالبحث عن سمات نداءات ثقافتنا العربية  الخالدة التي فتحت كل الأبواب المغلقة في عالم ممتد من فلسفات وقصائد وروايات  وحوارات وصالونات  ومكتبات والحان وسينما ومسرح وجامعة وصحف ومجلات عريقة  بل عالم ممتد ومستوحي من قلب التاريخ والحضارة  العربية التي كتبت كثيرا من نداءات إبداعية  بأقلام الضاد  وبرسالة بلا حدود  ؟

ومع نداءات العربية تذكرت الروائي العربي والعالمي الكبير نجيب محفوظ  ناسكا في صومعته  الكبري ( المحروسة ) وهو يرسم بالرواية قصص عالم ممتد من تاريخ فيه الفتوة وأبن البلد والمثقف  والسياسي والمبدع معا يأكلون من نفس (الطبق )العائلي العربي الملهم لرحلة كل منهما وفق رؤيته وثقافته وطبيعة دوره الاجتماعي العربي  إذ كان كبيرا أو صغيرا !

فكان مقهي الفيشاوي الذي يقع خلف ساحة مسجد  الحسين بخان الخليلي حاضنا  لتلك الشخصيات التي رسمها نجيب محفوظ  الروائي الكبير بمهارة ومعلمة  صنايعي فاق الوصف في العديد من رواياته  المؤمنة بوطن ومنها (الثلاثية ) التي حركت الضمير العربي في نداءات عربية وهي تغوص في اعماق الشخصية الباحثة عن سر من اسرار التاريخ مع صوت آذان  جامع ( جامعة ) الأزهر الشريف  الله أكبر الله أكبر الذي ينساب في وحدة متناغمة من خلال شفافية  طلابه الذي منحهم الحي الحسيني ومقهي الفيشاوي العريق القدرة علي بلورة حلم عربي كبير وكان من بين رفاق مقهي الفيشاوي وعالم نجيب محفوظ  الأزهري وصوت الجزائر الشاب ورئيسها العروبي فيما بعد  (هواري بومدين ) أثناء دراسته الأزهرية بالقاهرة والذي  جذبه عالم الرواية  عالم الحرافيش عالم نجيب محفوظ  بكل شخوصه ورصده لواقع  اجتماعي بكل متناقضاته اللحظية والذي هو لا مراء صوت شجي من نداءات عربية ملهمة ومؤثرة في الوجدان والعقل فبدت روايات نجيب محفوظ  محركا لكثيرا من الرؤي القادرة علي بلورة حلم عربي بمنطق جديد وحالم أمام سدود وحواجز صنعها مستعمر شرس ؟

كما كانت اطلاله نجيب محفوظ علي الحي الحسيني العريق هي أطلاله من يكتب كل يوم بحرص ودأب علي مولد تلك الإبداعات العربية مع نداءات  مسجد الحسين العريق وزواره من كل البقاع والمدن المصرية  الذين يجذبهم الحنين دوما إلي وحدة الرمز العربي  والعطارة العربية واللكنات العربية من المحيط إلي الخليج  بمكنون فلسفي إبداعي استوقفنا  كثيرا في رحلة غير تلك الرحلات المعتادة في مذكرات أبن بطوطة ؟

كانت رحلة نجيب محفوظ  رحلة سفر داخل وطن كبير عندما جذبه الحي الحسيني ومقهي الفيشاوي ليكتب بين احضانه الدافئة كل يوم كثيرا من تلك المشاهد الروائية  اليومية  لحياة بشر فجاءت من رحم اجتماعي حقيقي بمنتهي الصدق في  رواياته الخالدة ( الثلاثية )  ( خان الخليلي ) (القاهرة الجديدة ) ( زقاق المدق ) ( ميرامار )وغيرهما من تلك الروايات التي التحمت فيها كل نداءاتنا العربية كل احلام أمة الضاد في وحدة ثقافية عربية تجدها أيضا محفورة وشاهدة علي وطن عبر ذاكرة السينما العربية وفي رسائل الماجستير والدكتوراهات العديدة التي منحت  عن أدب نجيب محفوظ  في عالمنا العربي  لباحثين عرب من المحيط إلي الخليج ( نداءات عربية ) وكما كان نجيب محفوظ روائيا عربيا  عالميا كان علي الطرف الآخر عميد الأدب العربي د طه حسين تواقا إلي عروبته وهو يدرس في أروقة الجامع الأزهري صباحا  وجامعة القاهرة التي كانت أهلية  حينئذ مساءا والحي الحسيني ومقهي الفيشاوي والدروب الأزهرية العتيقة  تشهد مولد كثيرا من إبداعاته التي سطرها من وحي تلك النداءات العربية فشهدت مولد رائعة ثقافتنا العربية ورائعته ( الأيام ) ليست كعمل روائي أو قصصي أو سيرة ذاتية بالمعني الحرفي بل كانت أيام طه حسين هي (أيامنا العربية ) بكل معاناتها وطقوسها ودنياها الواسعة التي أكدت روح وجوهر تلك النداءات العربية حتي عندما غادرالمحروسة إلي فرنسا لنيل درجة الدكتوراة في التاريخ  في بدايات القرن العشريني كان همه العربي هو الشاغل الإبداعي الأول  له  لم ينفصل عنه ثانية واحدة ؟

فلم يكتب بالفرنسية رغم أجادته لها في فترة وجيزة وزواجه من فرنسية  شريكة حياته السيدة سوزان طه حسين  بل ظلت (الضاد )هي الحاضن الإبداعي  للأديب الكبير طه حسين  عميد الأدب العربي فظهرت روائعة ( أديب ) ( شجرة البؤس )  (دعاء الكروان ) ومعهما كثيرا من تلك النداءات العربية التي ترمز إلي الأصل العربي حتي وهو يلتقي مع شعراء العربية  في كتابه الذي أثار ضجة واسعة في الأوساط الثقافية العربية (حديث الأربعاء ) أبن الرومي   وأبي تمام  وفراس الحمداني  والمتنبي  الجاحظ  ولبيد وأبو نواس وشاعره المفضل أبو العلاء المعري  وغيرهما من شعراء (الضاد ) والحكمة والخروج عن المألوف  فكانت الضاد وعروبته خير النداء الخالد الذي عزف من خلاله إبداعات والحان سردية غاية في العذوبة والرقة التي كانت ومازالت المحرك لكل  عشاق الضاد من المحيط إلي الخليج بل إنعكست إيجابيا علي بعض من أدباء العالم رغم عدم معرفتهم باللغة العربية مثل أدباء الوجودية سيمون دي بفوار وسارتر ؟!

كانت نداءاتنا العربية تطل عليهم منذ فجر التاريخ فهل يوجد إذا أديب عربي أو عالمي لم يقرأ ( ليلة وألف ليلة )  وهل يوجد من يجهل  بناء الاهرامات (الثلاثة ) ومن بني الكعبة المكرمة  ومن هزم الهكسوس ومن فتح بيت المقدس  ومن حطم خط بارليف  ومن المحيط إلي الخليج دوما ( الضاد ) تبعث فينا صحوة الإبداع المعرفي اليومي بلا حدود ؟!

فمع نداءات العربية كان صالون عباس محمود العقاد  في القرن العشريني المنصرف هو الآخر صوتا عربيا من المحيط إلي الخليج فيشهد كل يوم جمعه صباحا العديد من الروائع والحكاوي التي الهمت العقل العربي صورا  وملاحم مازالت تؤكد روح وجوهر الضاد فخرجت (العبقريات العقادية) الضمير الإسلامي والثقافي الباهر من رحم تلك الحوارات لضيوفه وعشاق ندوته العربية التي كانت من ملامح الصالون العقادي لعقود طويلة ؟

ما بين شك ويقين حتي كان اليقين العربي هو الغالب علي عقل يقدر قيمة من حفروا لوطن وأمة عريقة عظيم الأدوار الفكرية والعقائدية والسياسية والإبداعية دون إنتظار مقابل مادي ؟

كما كانت رسائل  العقاد الصالونية تفجر طاقات هائلة في المعرفة والتمرد فجاءت روايته الوحيدة (سارة)  ردا علي الشعور المتناقض بالحب أو الرغبة  الطبيعية في الحب تحت  سماء الحان الثقافة العربية ونداءاتها العميقة والتي تؤكدها الرغبة  المتواصلة في الحلم العربي الكبير وهو ثراءها مهما كانت أوجاع النداءات العربية أيضا في كثيرا من الروائع الأدبية والتي هي ملمحا من ملامح وطن عربي ؟

مع كتاب ومبدعي الضاد عبر نداءات عصر وعصور تبرز حقيقة الفكر العربي الذي لم يعرف جمودا حتي في أزمنة التردي الاقتصادي  والسياسي كان الفكر العربي قريبا من العقل كما جاءت مذاكرات عبدالرحمن الجبرتي المؤرخ المصري العربي الكبيروالشاهد علي حملة نابليون بونابرت علي مصر  وهو يقرأ كل مشاهد يوم مصري عربي ضد الفرنسيس ويسجلها بفن وحرفية وإبداعية  فكانت رؤيته للحملة الفرنسية علي مصر رؤية تأريخية عزف فيها كثيرا من نداءات العربية وكيفية بث روح الثورة في عقل عربي ضد المغتصب !!

كما حملت مذكرات عبدالرحمن الكواكبي (طبائع الاستبداد  ومصارع الاستعباد ) روح وجوهر تلك النداءات العربية وهو ينقل للقارئ  العربي  والعالم حقيقة الثقافة العربية وقدرتها علي التصدي لكل محاولات التغريب الاستعمارية والتي تمارس علي الشرق المسلم وتجد من يطفئ نارها من رحم تلك النداءات العربية الملهمة والمؤمنة بدورتنويري وحضاري لا ينتهي ؟!

ومن بين الهامات ونداءات  وطن  تذكرت تلك الكلمات للشاعر العربي الكبير نزار قباني ..

كلَّما غنَّيت باسمِ امرأةٍ

أسقَطوا قوميَّتي مني وقالوا:

"كيف لا يكتُبُ شِعراً للوَطْن؟"

فهل المرأة شيءٌ آخرُ غير الوطَنْ

آهِ- لو يُدركُ من يقرؤُني

أنَّ ما أكتُبُه في الحبِّ...

مكتوبٌ لتحريرِ الوطَنْ..

ومن بين تلك النداءات العربية العميقة مجلة ( العربي الكويتية )  والتي رأست تحريرها الأخت الفاضلة والعزيزة  د ليلي السبعان  لفترة قليلة فكانت ثرية في المحتوي ومكنونها الفكري والإبداعي  فهي لا ريب  مجلة كل بيت ومثقف عربي من المحيط إلي الخليج والتي تحمل روح وجوهر تلك النداءات  المؤمنة والعميقة والدالة علي بناء وطن مع مقالاتها المتنوعة  مقالات كل كتابها من عالمنا العربي  لتجسد كرنفالا إبداعيا  شهريا بأقلام مبدعة من مصر العراق الكويت فلسطين لبنان المغرب السعودية الامارات سوريا  الجزائر الاردن تونس اليمن ليبيا  قطر  السودان  سلطنة عمان  الخ الذين هم دوما  معبرين بنقدهم البناء للعقل والمجتمع العربي  عن قضايا وطن في عزف مفتوح من شفافية ورحم وطن عربي كبيروتاريخي ؟

وأيضا حواراتها واستطلاعاتها الصحفية  في الداخل العربي والخارج وهي تسلط الضوء علي  مؤسسات كل عواصمنا العربية ومساجدنا العربية  وكنائسنا وتراثنا المعماري الرائع  والرصد الفلكلوري لطبيعة الشعوب ومدي الحاجة للفن والموسيقي وحضارة الأجداد  الأندلسية والمقدسية  وقصص وروايات واقع يحمل كثيرا من التساؤلات التي هي دوما مفتوحة في كل عواصمنا العربية والأوربية  والأسيوية بميزان إبداعي يرسم ملامح وطن عربي فيه الضاد تعانق كل دروب عالم بلاحدود ؟

ولم تكتف مجلة العربي عبر نداءاتها العربية بالسفر الدائم خارج الخطوط الاستوائية وغير الاستوائية من منطلق الرغبة فقط لجذب قارئ عربي بل كانت الرغبة الكبري ( وحدة وطن  من المحيط إلي الخليج ) تجد فيه كل إبداعات الضاد تجسد حلما لا يفارق العقل العربي وهذا ثراءها  وتفردها كمجلة منافسة لكل مجلات الضاد في المشرق والمغرب العربي والتي تعد مصدرا مستنيرا من مصادر التنوير العربي في تاريخنا المعاصر بكينونتها الفكرية والاجتماعية والثقافية والإبداعية المعبرة عن ضمير وطن وكما اعتقد ويعتقد قراء مجلة العربي إنها العاصمة الثقافية الكبري ( عاصمة ثقافية )  بموضوعيتها ومهنيتها الباعثة علي مولد الجديد والمثير من الإبداعات والنداءات العربية في مطلع كل شهر ميلادي يعقب اصدارها ما بين رغبة وحلم يتجدد مع اصدار تلو الاصدار ( مجلة العربي )  لتجسد كثيرا وكثيرا من تلك الإبداعات  المتفردة والتي يتعطش لها دوما ودائما كل مثقف وقارئ للضاد في العالم ؟

فكم كانت مجلة  العربي  سباقة وهي تنقل عالم (الإنترنت ) إلي القارئ العربي الشاب وغير الشاب  عبر صفحاتها تأكيدا علي قيمة العقل العربي  ومدي الحاجة الملحة والدائمة إلي اكتشاف ثورة عالم رقمي ؟

لتصبح نداءات وطن دائمة وعميقة في قلبه  وضميره  وعقله وبصيرته ( مجلة العربي ) وكل النداءات العربية اليوم وغدا ومستقبلا هي ترجمة من ترجمات لا تنتهي ولن تنتهي لأن لغة الضاد لغة القرآن الكريم ولغة الجمال والشعر والالحان المبدعة .

وسوم: العدد 656