المرأة السورية، في يوم المرأة العالمي

أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى

clip_image002_28052.jpg

يحتفل الإخوة و الأخوات،الرجال و النساء، بيوم المرأة العالمي، في الثامن من آذار/مارس من كل سنة. حيث يستحضر الجميع أفراح المرأة و أتراحها،على مدار السنين، و يقفون معها و من أجلها، وقفة إجلال و إكبار،

 ووجه تكريمها يأتي من صفات ثلاث:

الأولى من كونها أمّاً، و قد كانت و لاتزال المحضن الدافئ للبراعم الناشئة من أبنائها، ممن سيحملون أقدارهم على أكفهم، و يضطلعون بمسؤولياتهم، من أجل حرية الإنسان و كرامته المفقودة.

و الثانية من كونها زوجة، فهي شريكة حياة لزوج مجاهد، و هي ربة بيت لعائلة، لايلتمّ شملها إلا بها، و قد منحتها من حدبها و حنانها، ماجعل الحياة تطفح أمامها بالبشر و السرور بالرغم مما فيها من صعاب، و هي الشق الآخر لذلك الإنسان الذي تعد بالنسبة له بعض نبضات قلبه ووجدانه، و التي تصعب الحياة بدونها.

والثالثة من كونها ابنة صغيرة أو كبيرة ترعرعها الأيام من أجل غدٍ أفضل و تنشئها على القيم التي لاتغنى الحياة إلا بها. فتشكل المستقبل الواعد لذلك الغد الذي يعد من مكنون الغيب، و الذي يُتَطَلَّع إليه بشغف و نهم شديدين.

 و المرأة السورية، أما و زوجة و بنتاً لاتخرج عن هذا التعريف، و هي جزء من المرأة في العالم على وفق المفهوم العام، و على ماهي عليه من أفراح أو أتراح.

 و قبل سنين؛ و بالتحديد قبل أن يولد المشروع الطائفي في سورية، كانت المرأة السورية تعيش حياة هادئة ، ولم يدر بخلدها، أنها ستركب البحار باحثة عن الملجأ الآمن بعد أن هدمت البراميل المتفجرة بيتها، و حرمتها سكنها و حولتها إلى مشردة، كما لم يدر بخلدها أن الزوج الذي زفّت إليه عروساَ و شَرُفَ بها زوجة سيختفي فجأة من حياتها، و سيصبح في عداد المفقودين وفي ذمة نظام كل همّه أن يشرد ويقتل، و لايهمه مات من مات أو شرد من شرّد، مادام المخطط قائما، و مادام يغفو على حلم شرير ، و قد وقر في ذهنه أن (مقولة أنا أو الطوفان) هي المسار الصحيح للمواجهة القائمة، بينه و بين الشعب المبتلى به، وبرئيسه القائد.

 و لعمق هذه المواجهة، أصبحت المرأة السورية منذ خمس سنوات و إلى اليوم موزّعة بين خصوصيات ثلاث فهي إمّا أرملة ترعى أيتاما صغارا ، و إما ثكلى تفقد أبناءها الذين ربتهم بدموع عيونها، فهي تبكيهم -ليل نهار- لاتدري أين هم، وقد وزّعوا بين أحياء و أموات على مصائر مجهولة بعد أن انتزعتهم اليد الآثمة من حضنها و أخفتهم بطريقتها المتوحشة، في الأقبية المظلمة و إما بنتاً صغيرة لعائلة هدّمت البراميل المتفجرة البيت الذي نشأت فيه، و حرمتها من حنان الام، و عطف الأب، فهي ضائعة لاتعرف لها وجهة تهتدي إليها، بعد المصاب الجلل الذي أصابها، و الذي لاتجد ، إلى الخلاص منه سبيلا سيما من تلك المحنة التي أصابتها و التي حالت بينها وبين أن تعيش حياة وادعة و آمنة.

 ويعد موقف المرأة في يوم عيدها العالمي إلى جانب المرأة السورية، و مشاركتها إياها في يوم محنتها، و مشاطرتها همومها و أحزانها أحد المسائل التي تعد أكثر من لافتة للنظر بالنسبة للسوريين كافة.

 فالمرأة في بلدان العالم، و على اتساع القارات الخمس تستحضر في وجدانها المأساة الواسعة التي تعيشها المرأة السورية، و ماحلّ بها من نكبات و مصائب، و تقف إلى جانبها تواسي جراحها، و تشد على أيديها، و تشعرها بالطمأنينة و الأمن، و تشاطرها همومها و أحزانها.

 وتعد المرأة التركية من أكثر النساء مواساة للمرأة السورية و ممن كان لهن شرف السبق في الوقوف إلى جانبها و تهيئة و سائل العيش الكريم من أجلها، و عدم تركها وحيدة في مواجهة ماهي فيه من مأساة. و ما الفعاليات التي أقيمت في المدن التركية، و منها فعاليات مدينة كليس التي تستضيف من السوريين مايزيد على عدد سكانها إلا دليل على المشاعر المشتركة التي تعيشها المرأة التركية و المرأة السورية و على الرقي الحضاري الذي بلغته تلك المرأة. و على ماهي عليه من عواطف إنسانية جياشة تجاه أختها المرأة السورية وبذلك أصبحت موضع احترام و تقدير السوريين جميعاً رجالاً و نساءً.

 و يبقى العتاب الكبير لأولئك اللواتي أجحرن في بيوتهن و صرفن أنظارهن عن المواقف المشرفة اللاتي تخص المرأة السورية و عن اهتمامهنَّ بها و نخص منهنّ تحديدا العربيات ، ممن قصّرن في جهودهن من أن يكن في المستوى المطلوب. و أن يفتحن لها بيوتهن، بدلاَ من أن يتركنها تيمم وجهها صوب البحر، و أن تنشد السكينةو الأمن في بلاد الآخرين بعد أن أفقدها الأمن نظامها المتوحش.

-         و كلمتنا اليوم للمجاهدات المناضلات اللواتي وقفن مع الرجل يعضدن كفاحه اللاهب، ضد النظام المستأسد على شعبه وقد أصابها ما أصابها جراء ذلك الموقف،.

 ولم تكن ، من اللواتي كنَّ تبعاً لزوج فاسد أومن اللواتي عميت أبصارهن أو أعماهنَّ قصورهنَّ من أن يكنَّ في مواقف الشرف ضد النظام المجرم الذي اعتاد أن يسوم الناس بخساً فكانت العبودية من حظها و من حظّ الرجل الذي تقف إلى جانبه. ،

 وكل التقدير للمرأة التي تعضد الرجل في كفاحه و هو موقف مدون على صفحات المشاعر و في القلوب، وبه ارتقت إلى الدرجة الأعلى و حازت و سام الشرف الذي تتحلى به كريمات النساء، و يشرفن به على أقرانهّن و هو حق مقدس بما قدمن و من جهد في مثل هذه المواقف المشرفة.

 و تبقى الكلمة الأخيرة لأنجيلا ميركل السيدة الأولى في ألمانيا، و قد كان لاحتضانها المرأة السورية في يوم المرأة العالمي، ووقوفها إلى جانبها، و مواساتها في مصابها، و فتح بلدها أمام اللاجئين السوريين ماتستحق به التكريم،بل و الشكر و التقدير من قبل السوريين بخاصة، و من قبل شرفاء العالم و أحرارهم بعامة، و تلك هي الغبطة التي ليس بعدها غبطة، و التي تشرف بها تلك المرأة الفاضلة على كثير من نساء العالم.

أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى

 رئيس وحدة الدراسات السورية

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 659