يجب العمل بحزم ضد الإرهاب، ولكن!

في غضون أشهر معدودة ضرب الإرهاب تركيا وفرنسا وبلجيكا، صور اللحظات الأخيرة واستغاثة الضحايا التي وثقتها الكاميرات لا تُبقي أمامك لتقف متسائلاً أين يسير هذا العالم وإلى أين سيصل بنا أصحاب القرار في هذا العالم.

وثقت الكاميرا عقب تفجير بروكسل صوت أم مكلومة تُنادي باضطراب محمد وينك يا محمد، وكأن الكاميرا والصوت أرادت أن تقول بأن الإرهاب يستهدف الجميع بغض النظر عن الجنسية والدين.

هجمات نوفمبر عام 2015 في باريس والتي أودت بعشرات الضحايا، والتفجيرات الأخيرة في بروكسل أعقبها تأكيد على أن الهجوم هو هجوم على المجتمع الأوروبي الديمقراطي والمنفتح، ويجب العمل ضد الإرهاب بحزم.

العمل ضد الإرهاب بحزم كان أيضاً تعقيب رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية التركية، وقد توالت أفعال التنديد والإدانة للفعل والتضامن مع الدول المعتدى عليها والضحايا الأبرياء من كل عواصم العالم.

الاعتداء ليس فقط اعتداء على المجتمع الأوروبي الديمقراطي والمنفتح فقط، بل هو اعتداء على القيم الإنسانية والإنسانية جمعاء وقبل هذا وذاك روح الإسلام التي يغتالها بتصرفاتهم الانتحاريون ظناً منهم أنهم ينتقمون للإسلام وتنتظرهم جنة عرضها السموات والأرض.

إن الإرهاب الذي ضرب أوروبا وتركيا هو نفس الإرهاب الذي يضرب فلسطين ولكن بيدٍ اسرائيلية تتخذ اليهودية دين، وهو نفس الإرهاب الذي يُسقط الضحايا الأبرياء من الأطفال والنساء بقصف روسي تارة وأمريكي تارة أخرى وأوروبي تارة أخرى في العراق واليمن وسوريا والصومال وأفريقيا الوسطى.

ومتطلب العمل ضد الإرهاب وبحزم متطلب دولي إنساني، فالعالم بأشد وأمس الحاجة للقضاء عليه والعيش بسلام في ظل تعايش الأديان وتنوع الحضارات وقبول الآخر.

ولكن كيف نعمل بحزم ضد الإرهاب بالقصف الذي يطال آلاف الأبرياء وقد لا يقتل ارهابياً؟ أم باستنزاف مقدرات الجيوش من أسلحة وذخيرة، هل العمل ضد الإرهاب يعني القضاء على الإرهابي أم القضاء على البيئة التي وفرت مناخ وجود الإرهابي؟

وماذا عن راعية الإرهاب في الشرق الأوسط اسرائيل التي تقتل الشباب اليافع لأجل أنه يطالب بوطن حر واقتصاد مستقل وحرية حركة وتنمية وسلام؟

مراكز حوار الحضارات والأديان منتشرة وتحمل من المبادئ السامية ما لا حصر له، ولكنها تفشل بالاختبار العملي في كسر الهوّة وجسر الفجوة، ذلك أن الشعارات المرفوعة لا تعبر بالضرورة عن التطبيق والممارسة، وقد لا يكون القائم عليها يؤمن بها فعلياً.

إن العمل بحزم ضد الإرهاب يتطلب التخلص من مسبباته لا التعامل مع نتائجه، الريادة في الحرب على الإرهاب ليست بالضربة الاستباقية بواسطة الصواريخ خارقة التحصينات والقنابل العنقودية التي لا تُوقف تهديداً - وإن أجّلته - ولا تردع شخص يُريد الموت ويرى في موته خلاص أمته.

إن العمل بحزم ضد الإرهاب يتطلب أن يتداعى قادة العالم لقمّة استثنائية تُقر معالجة البيئة والظروف المنتجة للإرهاب، وتحويل الإنفاق المالي الذي يُحاول تأخير التهديد أو يُعاقب المنفذ إلى مشاريع وبرامج تعالج البيئة والأسباب التي تُؤدي للتطرف والإرهاب، إن التكلفة الباهظة التي تُدفع في الحرب على الإرهاب لو صُرفت على معالجة الفقر والبطالة في الدول الناشئة وتوفير فرص عمل للمهاجرين في أوروبا ما وجد الإرهاب طريقه لأوروبا ولا وُجد ارهابيين لتجنيدهم.

إن اسرائيل دولة الإرهاب التي تمارس البطش والقتل ضد الفلسطينيين دون أن يتحرك أو يمسها أي قرار دولي جامع، أحد أهم الأسباب التي تؤدي لانتشار الإرهاب، وتغاضي المجتمع الدولي عن سلوكها يُفقد الشباب الأمل في عدالة المجتمع الدولي والتعايش في ظل سيادة لغة القوة والمصالح.

وأيضاً على قادة الدول الكبرى ترك دول العالم الثالث تختار وتحدد مصيرها، دون فرض الوصاية ودون التدخل بالإملاءات فشعوب دول العالم الثالث توّاقة للتجربة الديمقراطية، وتوّاقة للتخلص من بعض الديكتاتوريات التي تُساندها بعض الدول الكبرى.

وتشكل معضلة الفقر والبطالة في دول العالم الثالث بشكل عام ودول منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص بالإضافة للصراعات الدموية فيها نتيجة التدخلات الخارجية أهم العوامل المنتجة للإرهاب والتطرف فالفقر كاد يكون كفراً، ومعظم دول العالم الثالث غارقة في مشكلات جمّة في كافة القطاعات الحيوية بينما يعيش المجتمع الأوروبي والأمريكي حياة من الرخاء منعدمة لدى دول العالم الثالث، تلك الصورة والتناقض مابين أمريكي وأوروبي يذهب السينما مع عائلته وبيده زجاجة ماء محلاه وطفل يُصارع الموت ليحصل على شربة ماء من بركة مياه متسخة تبقيه حياً، وافتقار الشباب في دول العالم الثالث لأدنى الحقوق تُعزز لديهم الكفر بالمجتمعات الديمقراطية وانفتاحها، وتلجأ بالانتقام ممن تعتقد أنه المتسبب بالوضع الذي تحيا به.

إن قوة المنطق لا منطق القوة هو الذي يحكم وعلى قادة أوروبا الذين سيتداعون للاجتماع عقب طلب بلجيكي ألا ينجروا إلى قرارات تزيد المشهد تعقيداً وتفتح جراح جديدة وكشف حساب جديد.

لعالم آمن يعمه السلام دعونا ولو لمرة نعمل معاً للقضاء على بيئة الإرهارب ومسبباته لا معالجة نتائجه ومعاقبة منفذيه.  

وسوم: العدد 660