ثورة أغصان الزيتون

المجلس الإسلامي السوري

أنفق نظام الاحتلال الأسدي الطائفي على مدى عقود من الزمن أموالاً هائلة وجهوداً مذهلة لبناء جيش قوي كبير بهدف الدفاع عنه، وليس بهدف الدفاع عن الوطن. كان الكل يعلمون أن هذا الجيش سيوجه أسلحته إلى صدور السوريين أنفسهم لو تجرأ السوريون على التمرد على هذا النظام الظالم المستبد، فكيف تجرؤوا وكيف ثاروا عليه؟

لم يستعن السوريون إلا بأنفسهم بعد الاستعانة بالله والتوكل عليه، فثاروا بادئ ذي بدء وليس في أيديهم سوى أغصان الزيتون، ثم ألجأهم النظام إلى الدفاع عن أنفسهم -لمّا أطلق عليهم جيشَه العرمرم وقُواه الأمنية العاتية- فلم يجدوا ما يردّون به عدوانَه عليهم سوى بعض البنادق والأسلحة الشخصية

لم يعرف أحدٌ إلى اليوم كيف نجحت هذه الثورة بالصمود والبقاء والاستمرار، ولن يعرف أحد. لقد بدأت بقدر الله ومضت بإرادة الله وصمدت برعاية الله، فكان الله معها من أول يوم -بفضله تعالى وله الحمد- ورعاها على عينه طول الطريق. ليس هذا كلاماً إنشائياً لا دليلَ عليه، بل إنه حقيقة تستمد أدلّتَها من عالم الحقائق والأرقام.

طوال خمس سنوات حاول نظام الأسد يائساً القضاء على الثورة، ولم ينجح. ودخلت إيران مع النظام بقوتها العسكرية والاقتصادية والأمنية والدبلوماسية كلها بهدف القضاء على الثورة، ولم تنجح. وخذل العالمُ  كله ثورةَ سوريا وحاصرَتها القوى الدولية ومنعت عنها أمريكا السلاح النوعي رجاءَ أن تستسلم الثورة أو تموت، ولم تنجح. وأخيراً دخلت إلى الميدان دولةٌ من أقوى دول العالم فقصفت المدن وأحرقت الأرض لتنهي الثورة التي لم تنتهِ إلى اليوم، ولم تنجح.

بعد خمس سنوات من الضغط الهائل ما تزال الثورة صامدة وما يزال العدو عاجزاً عن القضاء عليها، حتى وإن عجزت هي عن إلحاق الهزيمة المأمولة به. هذه النتيجة توحي بأن الثورة تملك قوة مكافئة لقوة العدو، أو لنقل بعبارة رياضية:

النظام استمد قوّتَه من جيش يملك أكثر من عشرة آلاف دبابة وعربة مدرعة، ونحو عشرين ألف قطعة مدفعية وقاذفة صاروخية، وما يقرب من ألف طائرة مقاتلة، وهو يملك ثلث مليون جندي في الجيش ومثلَهم أو قريباً منهم في الأجهزة الأمنية. فوق ذلك كله حصل النظام على دعم غير محدود من إيران، والتحق به عشرات الآلاف من المتطوعين الذين انتظموا في مليشيات طائفية لبنانية وعراقية وإيرانية وأفغانية، وحصل على دعم هائل من روسيا تبعه تدخل عسكري سافر، وعلى تواطؤ دولي وحصار أمريكي منع إمداد الثورة بالسلاح النوعي ومضادات الطيران.

ما هي القوة التي لا بد من وجودها لتستقيم المعادلة؟ القوة غير المرئية التي تعادل ثلث مليون جندي مدججين بالسلاح وعشرات الآلاف من الدبابات والمدرعات والطيارات والمدافع والصواريخ؟ ما هي القوة الخفية التي جعلت شعباً أعزل قادراً على الصمود في وجه نظام من أعتى وأقسى أنظمة الأرض، تَمُدّه من خلفه دولة من أقوى دول الإقليم ودولة من أقوى دول العالم، وتتقاطر لنجدته مليشيات طائفية من كل مكان؟

إنه الله رب العالمين. إنكم لن تروا الله جهرة يا أحرار سوريا ويا أيها الصامدون الصابرون على البلاء الطويل، ولكنكم ترون قدرته وقوته وهي تدعم هذه الثورة وتهيّئ لها أسباب القوة والثبات والصمود والاستمرار

لقد كانت الثورة معجزة إلهية من يومها الأول، فإن البدء بها كان ضرباً من ضروب الخيال، ولو أن أحداً سأل السوريين قبلها لقالوا إن الثورة على النظام الأسدي المجرم من المستحيلات، فإن انتزاع جذوة من قلب الشمس أهون من تحدي هذا النظام الموغل في الطغيان والإجرام.

إن كل ما نملكه من قدرات يبدو مضحكاً هزيلاً إذا ما قورن بما تملكه فرقة واحدة من فرق جيش الاحتلال الأسدي أو بما يملكه فرع من فروع المخابرات، ولكنْ مَن قال إن ما نملكه هو سبب الانتصار؟ إنما نحن أدوات وكل ما نملكه أدوات، والفاعل على التحقيق هو الله، والناصر يقيناً هو الله: {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم}، {وما النصر إلا من عند الله}.

فاصبروا يا أيها الناس، اصبروا واثبتوا ولا تهنوا ولا تستسلموا ولا تقبلوا بغير النصر الكامل، والنصر الكامل هو إسقاط النظام كله وليس رأسه فقط، وهو تخليص سوريا من الحكم الأمني القمعي ومن سطوة وسلطان أجهزة المخابرات، هو تحرير سوريا من الظلم والاستبداد.

تحوّلت الثورة التي بدأها الشعب من أجل حريته إلى "حرب الاستقلال"، ولم تكن أقلَّ تدميراً وكلفة من أي حرب استقلال خاضها أي شعب في التاريخ. تجاوز عدد الشهداء ثلاثمئة ألف شهيد، وعدد المعتقلين نصف مليون، وسقط مئات الآلاف جرحى ومصابين، وتعرضت عشرات الآلاف من الحرائر للاغتصاب واستُشهد عشرات الآلاف من المعتقلين تحت التعذيب، وتجاوز عدد المنازل المهدَّمة والمتضررة مليونَي منزل فأضحى نحو تسعة ملايين سوري مشرَّدين داخل سوريا، فضلاً عن ثلاثة ملايين من اللاجئين الذي فروا إلى دول الجوار.

ولم يكفِ ذلك كله، فإن الأسد لمّا عجز عن القضاء على الثورة بمفرده استعان بحلفائه الأقربين، فتلقى الدعم بلا حدود: أمدّته روسيا بالسلاح ودعمته في المحافل الدولية، ثم شاركت في المعركة بسلاحها الجوي فأحرقت الأرض ودمّرت المدن وهجّرت المدنيين. وفتحت له إيران مستودعات السلاح والمال والرجال، حتى بلغ عدد المقاتلين الشيعة -من المليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية- التي تقاتل مع النظام أكثر من ستين ألفاً، فضلاً عن آلاف من المتطوعين الشيعة الذين تدفقوا على سوريا من اليمن وباكستان وأفغانستان.

وسوم: العدد 660