الوعظ بواسطة التهريج

مما ابتلي به مجال الدعوة في وقتنا الحاضر اعتماد بعض الذين يتعاطون الوعظ أسلوب التهريج ، والمقصود بالتهريج  في الحديث عند العامة المزح وإتيان ما يضحك منه أو الهزل . ومعلوم أن مجال الدعوة إلى الله عز وجل بعيد كل البعد عن المزاح والهزل لأن الله عز وجل ينفي عن كلامه الهزل في قوله تعالى : (( إنه لقول فصل وما هو بالهزل )) وكل حديث يسرد بين يدي كلام الله عز وجل يلزم صاحبه تجنب الهزل خصوصا إذا تعلق الأمر بالدعوة إلى الله عز وجل، وهو أمر لا يجوز فيه هزل ولا مزاح ولا ضحك ولا إضحاك نظرا لطبيعته الجادة . وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه هزل أو مزح وهو يعظ أصحابه ،ولا ثبت ذلك عن صحابته الكرام رضي الله عنهم ، ولا عن السلف الصالح من الأئمة والعلماء بل كانت المواعظ  دائما تمر في أجواء جادة بعيدة عن عبث الهزل والمزاح إلا أنه في وقتنا الحاضر ظهر نوع من الوعاظ يتعاطون الهزل في وعظهم ، ويخرجون في أحاديثهم من الجد إلى الهزل ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا . ويستهوي الوعظ الهازل أو المازح أو وعظ التهريج على حد تعبير العوام بسطاء الناس وعامتهم ،فيضحون  منه ملء أشداقهم وهم يتابعون وعاظ الهزل في مواعظهم الهازلة . ويشتهر بعض الوعاظ في مجتمعنا بأسلوب التهريج . ومنهم من  يسوق أحاديثه الهازلة في بيوت الغير  بل وينشر ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية ، ويتبادله الناس على هذه المواقع على أساس أنه هزل ومزاح وتهريج بغرض الضحك والتسلية . وكنموذج لهذا الأسلوب من الوعظ الهازل أو الوعظ بواسطة التهريج أذكر ما عاينته اليوم في وليمة زفاف استدعي إليها  أحد وعاظ الهزل، فبدأ حديثه بالقول : إني أصبت  3 لترات من اللبن ،وطلب مني أن أقدم درسا ، وأنا سأدرس  يعني درس الحبوب ، وبالفعل دارس الذنوب حين بدأ عملية الدرس فافتتح بالقول  الفصل الذي ليس بالهزل، وهو كلام الله عز وجل ثم انتقل للحديث عن أم المؤمنين حفصة بنت الفاروق رضي الله عنهما وعن ظروف زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم ثم ما لبث أن خلط الجد بالهزل ليضحك الحاضرين فأقسم يمينا لست أدري أيمن لغو أم منعقدة أم يمين غموس أن أحدهم تزوج امرأة بما قدره ست مئة ألف درهم  ولما أصبح الصباح طلبت منه أن يقتني لها حبوب الهلوسة  ، وعقب الواعظ المهرج بالقول  صرف الزوج ست مئة ألف درهم على زوجة "مقرقبة " نسبة للقرقوبي، وهي الكلمة التي تطلق على الحبوب المهلوسة . واسترسل في لغوه فقال إن زوجا آخر استيقظ صبيحة زواجه من نومه ليجد زوجته قد غاب حاجباها  لأنها عوضتهما بقلم الرصاص فبدت كالشبح المخيف  ، وقهقه الحاضرون لهذا الهزل المخالط للجد  والرجل يرى نفسه في صميم الوعظ والإرشاد مع أنه إنما ينافس  الذين يمارسون التهريج  والفكاهة  على خشبات المسارح . والغريب أن الرجل بهزله يستبيح حرمة البيوت التي تستضيفه ،علما بأن أصحابها إنما يدعونه للوعظ لا للتهريج . ولقد قدم النصح لهذا الواعظ مرارا وتكرارا من طرف أهل العلم ، وحتى من عامة الناس، ولكنه لا يبالي  بالنصح ولا ينتصح بل يصر على التهريج  الذي يعتبره نقطة قوته في وعظه . وليس من الأدب استباحة حرمة البيوت بالتهريج فيها وتعمد رفع الكلفة مع أهلها ومع زوارهم أو ضيوفهم .  فمتى سينتبه أصحاب أسلوب الوعظ بواسطة التهريج إلى عيبهم  الذي أهدي إليهم مرارا وتكرارا ؟

وسوم: العدد 665