اشكروا مبادرة ( باقون ) بإطلاق مبادرة ( عائدون ) ...

جيل التأسيس الثاني : أسس في اللهب ولم يحترق

دائما أؤكد أن العجز حالة نفسية يتقمصها أصحابها ، لم يضربها الله على أحد من خلقه ، ولم يقض بها على أحد الكتاب المنزل ، كما يقول الفرزدق لجرير :

ضربت عليك العنكبوت بنسجها .. وقضى عليك به الكتاب المنزل

لم يخلق الله تعالى أحدا عاجزا ، وما سلب إلا ووهب ، كما تقول العامة . واستعاذة رسول الله صلى الله عليه وسلم من العجز محفوظة مشهودة . ومن العجز إدارة الظهر للمهم يصيب الإنسان في قومه أو في أهله أو في خاصة نفسه .

وهكذا ومن قلب ، العُدم الحقيقي وليس المُدّعى ، يتنبه شباب سوريون ثوار أحرار ، إلى خطورة النزيف البشري الذي يسببه مخطط التهجير ونزفه المستدام على ثورة الشعب السوري في الحاضر والمستقبل ، فيطلقون مبادرتهم الإيجابية الرائدة ( باقون ) . المبادرة التي تستحق ، ليس الإشادة والتقدير فقط ، بل الدعم والمؤازرة والمساندة والتسديد ، وفتح الأعين على آفاق فعل إيجابي بعيد الأثر، قليل الكلفة ، لا يعجز عن مثله إلا متوان في نفسه مثّاقل إلى الأرض بطبعه ، معطّل مضيّع مفرط .. 

في مبادرة شباب محافظة إدلب الخضراء ، ( باقون ) ، يدرك هؤلاء الشباب ، أن أساس النصر هو الإنسان وليس الأداة ، وأن سلاح الإرادة والعزيمة مقدم على القذيفة والمدفع والبندقية والطلقة ؛ فيتوجهون إلى شباب وطنهم ، مبصرين بأبعاد الهجرة أو التهجير ، وأنهما كانا قديما وحديثا بعض سلاح الطغاة والمستبدين ، والمحتلين الجدد ، موضحين الأبعاد لمعركة الصمود و الثبات والتشبث بالأرض والجذور ، موزعين الثغرات والأدوار موفرين الوسائل لمن يريد أن يضحي ويحافظ ويقدم ...

مبادرة ( باقون ) التي سبق إلى رفع رايتها شباب إدلب ، بكل أبعادها ، بحاجة إلى من يلتقط كرتها ، فيتبناها ويعممها ويعززها ويضع لها المناهج والبرامج ، ليحبط المخطط الاستراتيجي السياسي للمشروعات التي تستهدف ( الديموغرافيا ) الوطنية السورية ، والتي لن ننشغل في هذا المقام بالحديث عنها ، وهي مخططات دولية وإقليمية طائفية مقيتة تريد أن تسير بالسوريين إلى مثل عنوان (العرب السنة ) كما بالعراق ..

ثم إن مبادرة ( باقون ) تحية طيبة كريمة ممن حيّا فأحيا بها وهي تستحق الرد بأحسن منها أو مثلها ، بإطلاق مبادرة ( عائدون ) في مثل حجم المبادرة وزخمها وأبعادها وبرامجها .

ومبادرة ( عائدون ) كانت دعوة سابقة ، وكانت مطلبا وقرارا لم يحل دون الإقدام عليها ، وتنفيذ ما تقرر بشأنها إلا ...أو .... أو إخلاد إلى الأرض وإيثار للراحة على حساب دماء الشهداء والمنتهكين والمنسيين والمضيعين.

ومبادرة عائدون ولو إلى المدن الحدودية ، لا تكلف (مالا ) كما يتعلل في كل مرة المتعللون ، وإنما توفر المال والوقت والجهد ، وتمنح البصيرة ، وتشهد بالمصداقية للذين يحبون أن يكونوا مع الصادقين ...

لقد أتى علينا ، أبناءَ جيل التأسيس الثاني ، من جماعة الإخوان المسلمين حين من الدهر ، كانت فيه سياسة التهجير الناعم بأسبابه الأمنية والاقتصادية والاجتماعية تفعل فعلها في حت أديم المجتمع السوري بشكل عام ، وأبناء الدعوة الإسلامية بشكل خاص . فبين الأعوام 1963 – 1980 ، كانت هذه السياسات تفعل فعلها في تطفيش الناس من ديارهم تحت سياط التهديد الأمني بالاعتقال والتعذيب ، والإقصاء والإذلال ، ثم بمصادرة أسباب الرزق للراغبين فيه ، ثم بسرقة المال العام لتحويل العاملين في إطاره إلى طبقة من الفقراء المضطرين بكل أشكال الاضطرار .

كان يحصل كل هذا في عصر كانت فيه عقود العمل في دول الوفرة والطفرة العربية ، التي يتحلب لها لعاب الكثيرين ، متاحة ميسرة مفتوحة لكل راغب في كل الميادين ...

وكان الذين حملوا مسئولية التأسيس الثاني من أبناء هذه الجماعة المباركة ، في مراكزهم ، يخرجون من بيوتهم لممارسة أعمالهم اليومية وهم يظنون ألا يعودوا ، وينامون على أسرتهم والخوف ضجيعهم ، من طارق يطرق بشر عليهم في أي لحظة ، فيقتادهم إلى حيث يظل يقبع العشرات من إخوانهم على مدى عقدين من الزمان ..

ومع هذا وذاك ، فقد اتخذت إدارات المراكز من أهل الحزم والعزم في ذلك التاريخ قرارها : بمنع الهجرة ، وتحريم تعطيل الثغرة ، والالتحاق بالمنفعة وإيثار العافية . كان أبناء ذلك الجيل يتهادون فيما بينهم قول شاعر الإسلام محمد إقبال :

غـزال بث شـكواه غزالا ... قال سـأقصد البلـد الحرامـا

أبـدل خيفة الصيـاد أمنـا ... وأنفي الهـم عن قلبي المعنى

أجـاب صاحبه أن يا خليلي ... حياتك فابتغ في الخطر الجليل

يستدعي ذكر كل هذا اليوم الحاجة إلى التذكير ، أن البناء الذي صمد في وجه الأعاصير أربعة عقود لم يؤسس على تربة رخوة من الرغبات والمطامع والمطامح والشهوات . في ( طين الأرض ) وليس في (طبق الزبد ) تغرس الأشجار وتستقيم الدعوات !!

يستدعي ذكر كل هذا اليوم لنؤكد أن العيش اليوم لمن يريد أن يحمل الراية ، ويرفع اللواء ، في المناطق السورية المحررة ، هو أكثر أمنا وعافية ، وأقل قسوة وشطفا من تلك التي عاشها جيل التأسيس الثاني بين ( نابَيْ ومخلب الأسد ) على مدى عقدين من الزمان . والحديث هنا عن جيل كامل وليس عن فرد ولا عن أفراد حتى لا يسيء امرؤ صيدا في ماء عكر..

تمت الدعوة قريبا من عام إلى رفع لواء مبادرة عائدون كنقطة انطلاق أولى في معركة الحفاظ ، والدفاع عن الوجود ، وما تزال الدعوة قائمة ومفتوحة ومستحقة بل ويوما بعد يوم تزداد الحاجة إلى المبادرة التي تعيد الدعوة إلى محضنها ، وتعود بالطيور إلى وكناتها فهل تعودون فنعود بعودتكم وتحت رايتكم ؟!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 668