يوم في معتقل المزة

قضيت اكثر من سبع شهور وانا اعد الايام ولا امل لي بالخروج فكل الذين اعتقلوا لدى المخابرات الجوية لم اسمع بخروج أحدهم ومما زاد من صدمتنا ان الذين كانوامعنا في حلب واخذوهم قبلنا بعشرات ايام وظننا انهم قد اخلي سبيلهم التقينا بهم في دمشق والذين اخذوهم من الزنزانه 33 في فرع التحقيق التقينا بهم في مهجع المهمات فكان كل ذلك يجعلنانفقد الامل في الحصول على الحريه .

وفي يوم ادخلوا الى غرفتنا بعض المعتقلين الجدد وكان من بينهم شابا في الثلاثين من عمره قال السجان لرئيس الغرفه اجلسه في هذا المكان واشار الي ،كان رئيس الغرفة اسمه محمد من  حمص كان رجلا مهذبا خلوقا يعامل الناس معامله انسانية اخويه على غير مااعتدنا من معاملة في باقي المعتقلات فكان رئيس الغرفة اظلم من السجان نفسه ،جاء رئيس الغرفه واجلس هذاالسجين الجديد بجانبي وبعد جلسة تعارف والسؤال عن الاحوال سرد لي قصة اعتقاله اول مرة واخلاء سبيله وهذه المرة الثانيه التي يعتقل فيها

قال اسمي عصام  ابو الوليد اسكن في داريا اعمل في المحاماة لدي زوجه وطفلين توطدت علاقتي به وتبادلنا المعلومات فكنت احفّظه سورة مريم وكان هو يحفّظني سورة يوسف كنت اناديه ابووليد  ،وفي احد الايام تكلم لي عن قصة اعتقاله فقال اعتقلوني اول مرة في صيف العام الماضي ولبثت في معتقلهم  قرابة الستة اشهرثم افرجوا عني في اول العام ثم القواالقبض علي من جديد ،سالته وهل يمكن لاحدنا ان يخرج من هناحيا قال نعم ولكنه امر نادر قلت وهنا صارت احلامي اقرب للتحقيق فصرت انظر باتجاه النافذه التي هي بطول الغرفة 5امتار وارتفاع 60سم وكانت هذه النافذة تطل على ساحة مغطاة بالاجر ويوجدفيها ثقب صغير بقطر3سم تقريبا نرى من خلالها السماءفكنا نقدر الشروق والغروب من هذاالثقب وصارت احلامي تكبر وانا احدث نفسي ان خرجت كيف ساذهب من دمشق الى حلب وانا عاري ولااملك ثيابا ولامالا وكيف سابلغ زوجتي واولادي و من منهم  سيستقبلني اولا ثم اعود واحدث نفسي والله لواخرجوني وامروني ان اذهب الى حلب سيراعلى الاقدام حافيا لفعلت ولكن هل سياتي ذلك اليوم الذي انظرفيه الى ابنائي هل ساستمتع بسماع اصواتهم هل يمكنني ان استمع لكرم الذي حفظ سورة الواقعةوهوابن خمس سنين وحفظ صفحة من سورة تبارك وكان يقرأوانا استمتع باسلوبه الرائع واتذكر تللك الكلمات هل ساجلس معهم على مائدةواحدة هل سانعم بالصلاة خلف امام في مسجد من المساجد واقفا على قدميّ واركع واسجد وامرغ جبهتي بتراب الارض تذللا لله والله لقد اشتقت للركوع والسجود بين يديه اشكواليه بثي وحزني دونماخوف من سجان او رقيب ثم صحوت من احلامي  والتفتت الى المحامي عصام وقلت له ابووليد اريد ان اسألك  انت خرجت وذقت حلاوة الحرية بعد قسوة ومرارة المعتقل وشاهدت وحشية السجان والمحقق  وتنعمت بطيب اللقاء بزوجتك واولادك فصف لي شعورك وانت تتلقى نبأ اخلاء سبيلك ثم كيف ذهبت الى البيت وماذا فعلت وبمن التقيت وكيف كان ذلك اللقاء وكيف تلمست وجه اولادك ومن كان اسعد الناس بخروجك وبينماانا اساله وتنهال اسئلتي عليه اشاح بوجهه عني ولم يرد لي جوابا فنظرت اليه محدقا فاذا به يبكي و يجهش في بكائه ،بلا شك بكيت معه ايضا فشوقي  لاسرتي واولادي ولقائهم لم يكن اقل من شوقه واحلامه بل انني لم انسَهم ولم يغيبوا عن ذاكرتي طوال فترة مكوثي في المعتقل كنت اتخيلهم واجلس معهم واحادثهم واسمع منهم واوصيهم لقد خصصت لكل فردمنهم يوما اتبادل معه الاحاديث ونناقش امورنا الخاصة وكنت مهتما جدا لأمر زوجتي ودائما كنت اسال الله لها البقاء والشفاء فقد كنت اخشى موتها فيضيع الاولاد.  تركت ابا الوليد وبعدما هدأ أعدت عليه السؤال قائلا صف لي يااخي شعورك فوالله اني اريد ان اعيش تلك اللحظات ولو في الخيال قال يااخي لقد تفتحت جروحي بسؤالك انها لحظات لايمكن وصف شعورك فيها انه شعور انسان كان في قبر ينتظرالموت حتى اذا اشرف على الهلاك فتح له باب الى الحياه فخرج منها وسرد لي كيف انه نزل من السياره وسارع لاقرب محل واشترى لعبتين  لاولاده وانطلق وهو يطوي الزقاق بخطواته المتلاحقة وماان دخل مدخل البناءحتى صار يلتهم الدرج قال والله لقدكنت اصعد الدرجتين معا ولااكاد اصدق انني ساصل وارى زوجتي وابنيّ وعندما وصلت قرعت الجرس ففتح لي ابني فاحتضنته دونما شعور ونادى هوبابا فجاءت الام وابني الاخر فاحتضنتهم جميعا وبكينا بحرقة وبشدة بكينا ملئ مآقينا ونحن جاثين على ركبنا والباب مفتوح ولم ننتبه لذلك ،وهكذا كان اول لقاء لي باسرتي احسست اني عاجز عن شكرالله وحمده على ماانعم علي به من حرية وردي الى بيتي واهلي. 

صارت الاحلام عندي تقترب من التحقيق مع مرور الايام فكان اول بادرة ان نادى علي السجان واخذ بصماتي على اقوالي ولحسن حظي انهم لم يضربوني اثناءاخذالبصمه وفي شهر ايارنادى علي وعلى بعض زملائي اذكر منهم اياد فقال لي الاخ  لاتخف فانك ستذهب الى الشرطة العسكرية وهذادليل على اخلاءسبيلك لم اكن لاصدقك لولا انه حلف لي انه رأى الاحالة بعينه

فتهافت علي اخوتي المعتقلين بالتبريك وطلب ابلاغ اهاليهم عنهم وكان من بينهم أبو جاسم الحموي وايلد الشاب من داريا  وقد كان اكثرهم تاثرا هم اياد وابوعبدالله اللذان بكيا كثيرا ودعوالي بالفرج ثم وضعواالطماشة على عيني وقيدوا يدي واقتادوني الى مكان لانعرفه وهناك سمعتهم ينادون الأسماء وانا في حالة حزن على ولدي حسان ففي أي زنزانة هو وماذا حل به فقد ارهقوه تعذيبا حتى الموت وبينما انا غارق في مصيري المجهول وقف بجانبي شاب على عينه وعيني عصابة وضغط على يدي مصافحا وكاد يريد تقبيلها يالله  ياكريم انه ولدي حسان يقف بجانبي لاطلاق سراحنا وقد عرفني من قدمي الكبيرة اخذت احمدالله ثم ادخلونا الى غرفة واعطونا امتعتنا وركبناالحافله واتجهوابناالى حيث لاندري وبعد فترة نزلنا ورفعوا الطماشه عن اعيننا وفكواوثاقنا فرأينا عناصرالشرطةالعسكرية ورايت السماءواستنشقت الهواءوشاهدة عريشة وعليها دالية عنب تفتحت اوراقها من قريب انها اول مرة ارى فيهاالطبيعة وكاني لم ارها من قبل ياالله مااجمل هذا لقد عدناللحياة واصبح مسموح لناان نتنعم بمااكرم الله به عباده من النسيم العليل ومشاهدة خلق الله من بشر وشجروحجر وهنا تبادلنا التهنئة والتبريك لبعضنا ثم اقتادونا الى داخل الزنازين من جديد لنبدأرحله جديدة ايامها معدوده واخيرا سنرى الشمس دائرية على حقيقتها بعدما كنا نظنها مستطيله كما كانوايقولون لنا في السجن وسنشرب الشاي وناكل مانشاء ياالله كم هو صعب ظلم الانسان للانسان وحرمان احدهم الاخر من نعم الله وعطاياه ليستفرد بها ويستحوذعليها لنفسه التي لاتشبع ولو ملك كنوز الارض جميعا

كلاان الانسان ليطغى ان رآه استغنى. صدق الله العظيم. وإلى لقاء آخر في فرع الشرطة العسكرية بدمشق في القابون أجل زال اسم المزة وفرع المخابرات والتحقيق وإلى لقاء آخر استودعكم الله

وسوم: العدد 669