العائد من عملية تدريب الموارد البشرية على منظمات الأعمال

د. هايل عبد المولى طشطوش

ساهمت العولمة المعاصرة بتطوراتها التكنولوجية والتقنية العالية التي شهدتها البشرية في بناء نموذج اقتصادي معرفي جديد عوضاً عن النماذج التي عاشتها البشرية في عصورها المختلفة، ألا وهو نموذج اقتصاد المعرفة، الذي يعتمد على رأس المال البشري عموماً وعلى رأس المال الفكري تحديداً، لذا فقد اندفع العالم نحو هذا العنصر الهام من عناصر الإنتاج لتوظيفه في خدمة اقتصادياتها وجعله العنصر الأبرز في زيادة حجم الناتج القومي الإجمالي ((GNP فيها، ويمكن للاقتصاد أن يوظف العناصر الأخرى للإنتاج من خلال تكبير حجمها  ولكنه لا يستطيع أن يستغل هذا العنصر الهام إلا بإحدى طريقتين هما : التعليم والتدريب، ومجال حديثنا هو التدريب، فما أهمية التدريب في الاقتصاد كسبب من أسباب زيادة العوائد والمنافع المادية على الوحدات الاقتصادية المختلفة؟؟.

ولقد بات من المعلوم أن التنمية الشاملة لا تقوم إلا بالتنمية البشرية التي تعتبر حجر الزاوية، وأساساً جوهرياً لتأكيد التنمية بمفهومها الشامل لكل المجالات، سواء كانت اقتصادية، أم اجتماعية، أم سياسية، أم ثقافية... إلخ.والأخذ بالتطوير الشامل المدعوم بالتدريب العام والمتخصص يمكِّن الوحدات الاقتصادية المختلفة سواء كانت الدولة، أو الشركة، أو المنظمة، أو الفرد، من مواكبة التغيُّرات السريعة التي يشهدها عالم اليوم.

والتدريب هو استثمار حقيقي ومباشر يؤدي إلى تنمية الموارد البشرية؛ فكلما زاد استثمار الدولة - أو الشركة أو... - في تنمية مهارات الأفراد، ورفع مستوى كفاءتهم العلمية والعملية، ومن ثَمَّ الإنتاجية، مما يصب في النهاية في رفع مستوى الرفاه الاجتماعي والاقتصادي لهم ؛ الذي سيكون سببا تدعيم ولائهم وانتمائهم، فضلاً عن صقل مهاراتهم وتطوير معارفهم التي أكسبتهم إياها برامج التدريب المدروسة والمفيدة.

ومن المهم جدا في اقتصاديات التدريب تحديد العائد على المؤسسات المختلفة أداء العملية التدريبية، حيث أن تحديد النتائج المستهدفة من التدريب تعتبر خطوة مهمة تالية لتحديد الاحتياجات التدريبية بقياس فجوة الأداء. وتمثل تلك النتائج المستهدفة الأساس في تطبيق مفهوم "العائد على الاستثمار" حيث تجري عملية رصد للنتائج التي تم تحققها، ثم محاولة تقدير قيمتها النقدية أو تقويمها مالياً لإمكان مقارنة العائد بالتكلفة ثم احتساب العائد على الاستثمار التدريبي بناء على ذلك.

ومن المفيد أولا بيان الأهداف التي تسعى المنظمات المختلفة تحقيقها من تنفيذ التدريب ، حيث يمكن إيجازها بما يلي:

الأهداف  الاقتصادية: وتشمل زيادة الأرباح المادية وتحسين النتائج المالية والاقتصادية للمنظمة، ولا يتم ذلك إلا من خلال تطوير الكفاءة والإنتاجية الذي سيساهم وبشكل واضح في تحسين المركز التنافسي للمنظمة. الأهداف العلمية والمعرفية : وقد باتت هذه الأهداف من الضرورة بمكان لكل العاملين في المنظمات على اختلاف مستوياتها وخاصة مع تطور العلوم والمعارف وتسارع وتيرة تطورها، وتشمل زيادة معلومات ومعارف المتدربين ومستوى التعلم لديهم. الأهداف النمطية والسلوكية والتي تهدف إلى تغيير أو تطوير أو تنمية اتجاهات ودوافع ومدركات العاملين وذلك لأهميتها في زيادة الرضاء والاستقرار الوظيفي والنفسي مما يحقق أهداف المنظمة بسهولة ، وكذلك محاولة ربط وتوفيق أنماط سلوكهم في الأداء مع مقتضيات الأداء المستهدف وما يحقق أهداف المنظمة ويرضي عملائها،تحقيق الرضا عن العمل وتنمية مشاعر الولاء والانتماء لدى العاملين.

عوائد ونتائج العملية التدريبية على المنظمة:

تختلف النتائج التي  تسعى إلى تحقيقها إدارة أي كمنظمة من وراء التدريب من مؤسسة إلى أخرى وحسب ظروف وخصوصيات كل منظمة وما تواجهه من مشكلات في الأداء، ولكن يمكن بشكل عام تقديم النتائج التالية باعتبارها الأكثر تردداً في أدبيات التدريب:

1.                 تحسين الأداء ورفع كفاءته:

ويقصد بها ارتفاع معدل الأداء بالنسبة للجهد المبذول، حيث إن تطوير أداء العاملين وتحسينهم والرقي بمستويات أدائهم ، جزء من إدارة الأداء، التي يمكن تعريفها على أنها:" تلك العملية المنظمة المتكاملة التي تهدف إلي رقي أداء العاملين وإشراكهم في تحسين الفاعلية الكلية للمنظمة لتحقيق رسالتها وأهدافها" حيث ان التدريب يستهدف رفع معدل أداء المتدرب مع بقاء الجهد المبذول على مستواه أو حتى مع تخفيض الجهد المبذول، أي بمعنى اقتصادي هو تحقيق اكبر ناتج ممكن بأقل التكاليف وبالموارد المتاحة.

 تتكون عملية إدارة الأداء من :

 التخطيط : وضع الأهداف والتوقعات وخطة بلوغها . المراجعة : لمساعدة العاملين علي الأداء المتوقع .  التدريب والتنمية : لمساعدة العاملين علي الأداء المتوقع  تقييم الأداء : قياس الجهود والإنجازات المحققة المكافأة : للأداء المتميز 2.                 زيادة  وتحسين الإنتاجية:

أي وجود توزن بين نسبة المخرجات (ناتج الأداء) وبين المدخلات (الموارد المختلفة التي استخدمت في الأداء)، ومن المعلوم إن الإنتاجية تتحسن إذا كان معدل ارتفاع المخرجات  أعلى من معدل ارتفاع المدخلات، وكذلك إذا ارتفعت المخرجات وبقيت المدخلات ثابته ، وكذلك إذا كان معدل انخفاض المخرجات اقل من معدل انخفاض المدخلات.

3.                 توافق  معدلات إنجاز الأداء  مع الوقت المحدد لها:

أي بمعنى آخر ترشيد الوقت المستغرق في الأداء ليتفق مع خطط الأداء والتخلص من عملية هدر الوقت، لان عنصر المنافسة اليوم في منظمات الأعمال يعتمد على عنصر الوقت والسبق في الوصول إلى العملاء بالمنتجات والخدمات التي يرغبونها في الوقت الصحيح.

4.                 تنمية وغرس روح العمل الجماعي التوافقي:

إن العمل بروح الفريق له نتائجه الهامة على أداء المنظمة وعلى إنتاجها من حيث الجودة والكم ، ولعل من ابرز النتائج التي يستهدفها التدريب هو تنمية القدرة بين العاملين للعمل الجماعي ومباشرة الأداء كفريق متكامل ومترابط حتى ولو تباعدت أماكنهم في العمل، إن الإحساس بروح الفريق يؤثر  إيجابا على أداء  العاملين وشعور كل واحد منهم بان مصلحته الشخصية  تتحقق من خلال مصلحة بقية أفراد الفريق كونهم في النهاية أعضاء في منظمة واحدة تتأثر مصالحهم بما يحققونه لها من منافع.

5.                 تنمية وتطوير اقتصاديات الأداء:

ويتم ذلك من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة ، حيث إن الربح لا يتحقق إلا في ظل التخلص من  كل أشكال الهدر والضياع  في الموارد المستخدمة، وإذا تم ذلك تتحسن وتزداد الإيرادات الناتجة من الأداء، ومن ثم تحقيق الربح وزيادة الفائض المتحقق وارتفاع القيمة المضافة للأداء.

6.                 تغيير وتطوير أنماط السلوك:

تهدف العملية التدريبية إلى تطوير وتغيير وتحسين سلوك العاملين ليتوافق مع أهداف المنظمة وتوجهاتها  ولا شك أن التدريب يعتبر وسيلة مهمة في كثير من الأحيان لإحداث تغيير سلوكي يؤدي إلى مزيد من التوافق بين توجهات الأفراد وأهداف المنظمة.

7.                 توفير وتطوير المهارات المكتسبة، عن طريق التدريب:

يساهم التدريب في إكساب العاملين مهارات جديدة إضافة إلى مهاراتهم الخاصة ، ولعل ابرز النتائج التي يسعى التدريب لتحقيقها هو تنمية هذه المهارات واستغلالها الاستغلال الأمثل وتفعيلها وتوظيفها لخدمة أهداف المنظمة، مما يساهم في  تحسين الميزات التنافسية للمنظمة وتحسين معدلات استثمارها لقدراتها وذلك من خلال تطوير قدرات واتجاهات ومستويات أداء العاملين بها، وتنمية إحساسهم بمفاهيم الجودة الشاملة وخدمة العملاء وإرضائهم كأسس مهمة في زيادة القوة التنافسية للمنظمة.

رفع المستوى الثقافي والمعرفي للعاملين من خلال  انفتاح العمالة على العلم في مجال التخصص، والثقافة بشكل عام، والعمل على اكتساب لغات الدول المتقدمة صناعياً وتكنولوجياً؛ حتى تتمكن هذه العمالة من مسايرة كل جديد في مجال تخصصها، مما ينعكس بدوره على أداء المنظمة وتحقيق أهدافها.9.                 رفع مستوى التفكير الخلاق وتنمية روح الإبداع لدى العاملين:

إن أول أهداف منظمات الأعمال في الوقت الحاضر هو استخدام أقصى طاقتها لتحقيق المنافسة  الفعالة لها في الأسواق العالمية من اجل مزيد من خدمة العملاء وكسب مكانة أقوى في السوق، ولا شك أن التدريب الناجح الفعال للعاملين يساهم في تطوير وتنمية روح الإبداع والابتكار الخلاق بين العاملين في المنظمة، واستخدامهم لتلك الطاقات وتوظيفها في خدمة أهداف التطوير.

        هذه بعضا من عوائد تدريب الموارد البشرية على منظمات الأعمال ، ومع ذلك ترى  كثير من الدراسات أن للتدريب مزايا أخرى كثيرة وفوائد لا تعد ولا تحصى على أداء منظمات الأعمال وخاصة بالنسبة للأفراد العاملين فيها؛ فالتدريب سبب في اكتسابهم خبرات جديدة تؤهلهم إلى الارتقاء لتحمل مسؤوليات اكبر، بالإضافة إلى اكتسابهم صفات تؤهلهم لشغل مناصب قيادية، وزيادة ثقتهم بأنفسهم نتيجة لاكتساب معلومات وخبرات وقدرات جديدة، كذلك فان من أهم مزايا التدريب بالنسبة للمنظمة،هو إعداد جيل من الأفراد لشغل الوظائف القيادية على جميع المستويات في المنظمة، بالإضافة إلى أن  التدريب يمنح المتدربين مهارات سلوكية تزيد من قدراتهم على تطوير العمل بالمنظمة.

وسوم: العدد 669