السلام الدافئ والقتل البارد وبينهما تيران وصنافير!

خطورة التنازل المصري عن جزيرتي تيران وصنافير تكمن في أهميتهما الاستراتيجية بالنسبة للصراع مع العدو النازي اليهودي ، ومعلوم أنه بسببهما شن العدو النازي اليهودي حربه الساحقة عام 1967 وحقق النصر على أربع دول عربية فضلا عن الفلسطينيين ، ووضع قدميه فوق الجزيرتين !

كان التنازل عن الجزيرتين مقدمة لما سمي بمبادرة السلام الدافئ التي قدمها قائد  الانقلاب العسكري الدموي الفاشي في أسيوط ، وتتضمن الوساطة بين الغزاة اليهود والضحايا الفلسطينيين وتقريب وجهات النظر بين الطرفين وتقديم الضمانات بالأمن وفقا لما يسمى حل الدولتين ، وتوسيع ما سماه السلام الدافئ مع العدو ليشمل الدول العربية جميعا ، مسترشدا بما جرى في اتفاق الإذعان بكامب ديفيد عام 1978 .

السيطرة على الجزيرتين هدف دائم للعدو النازي اليهودي مذ خرجت قواته بموجب الاتفاق المذكور أعلاه ، وظني أن العدو سيعمل على السيطرة عليهما من جديد في مهرجان التنازلات بدون مقابل من جانب العرب وأبرزها العرض الذي قدمته حكومة آل سعود ويقضي بتعديل المبادرة العربية التي أعلن عنها   في قمة لبنان عام 2002 بالتنازل عن الجولان وحق العودة الفلسطيني !

الجزيرتان مهمتان في مجال التحكم في خليج العقبة ، وحين يخضعان لسيطرة الغزاة اليهود ، فإنهم يستطيعون شق القناة الموازية لقناة السويس ( إيلات – أسدود ) التي ستضرب قناة السويس في مقتل بحكم أنها ستقصر المسافة وتقلل التكاليف بالنسبة للسفن العابرة ، وفي الوقت نفسة تصنع مانعا مائيا ثالثا بين مصر وفلسطين بعد قناة السويس الأولى ، والتفريعة الجديدة التي تم حفرها في عام واحد فقط . وهو ما يزيد من صعوبة الدفاع العسكري ومواجهة الغزاة !

إذا التنازل عن الجزيرتين لآل سعود في ظاهر الأمر ، ولكنه للغزاة النازيين اليهود في فلسطين في حقيقة الأمر!

لوحظ أن التنازل عن الجزيرتين وإعلان مبادرة أسيوط  ، وإبداء آل سعود رغبتهم لليهود الغزاة في تعديل مبادرة 2002 بالتنازل عن الجولان وحق العودة ؛ تم بعيدا عن علم الشعوب العربية بما فيها الشعب الفلسطيني ، وجاء عقب زيارات غامضة لمجرم الحرب توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ورئيس ما يسمى باللجنة الرباعية الخاصة بفلسطين إلى المنطقة ، وللأسف فإن هذه الشعوب التعيسة البائسة لم تعلم بجوهر تلك المبادرات الاستسلامية وأهدافها ودوافعها إلا من خلال الصحف والقنوات العبرية !

أبدى الكتاب اليهود دهشتهم وزعموا أنهم لا يعرفون السبب في مسارعة الدول العربية لاستجداء كيانهم وحمله على الدخول في مفاوضات سلام (؟) جديدة في هذا التوقيت بالذات ، وفي ظل توجه حكومة الغزو النازي اليهودي الحاد نحو ما يسمى اليمين المتطرف، واستقدامها حزب “إسرائيل بيتنا” وتعيين زعيمه الإرهابي إفيغدور ليبرمان وزيرا للأمن والجيش صاحب السياسة العدوانية العنصرية الصريحة بترحيل من تبقى من الفلسطينيين خارج فلسطين ( ترانسفير ) وقصف السد العالي في مصر لإغراقها .

يقول الكاتب اليهودي بن كاسبيت، خبير الشؤون العربية في صحيفة "معاريف"، معلقا على مبادرة قائد الانقلاب : " الخطوة المصرية تأتي وفي الكواليس تجرى أمور دراماتيكية؛ السعودية والإمارات ومصر والأردن والمحور السني كله يحاول التوصل إلى صفقة تتضمن تجديد المفاوضات بين الاحتلال والفلسطينيين، وصياغة تهدئة بين الغزاة وحركة حماس، والتقديرات أن كل هذا سينتهي بقمة تعقد في القاهرة يتم جر رئيس السلطة الفلسطينية إليها، وإعلان ضبابي عن اتصالات لاستئناف المباحثات بين تل أبيب ورام الله".".

أما الكاتب اليهودي بن مناحيم فيقول :

" الامريكيون خائبو الأمل من مبادرات أوباما وجون كيري، يحاولون إحياء المفاوضات بين الكيان والفلسطينيين. الفرنسيون أعلنوا أنهم سيعقدون مؤتمرا لحل الصراع، لكن الكيان رفض . السعودية وبعض دول الخليج ودول سنية معتدلة أخرى، تعد نفسها مهددة من إيران، عسكريا وأيديولوجيا، على خلفية الصراع الطويل بين السنة والشيعة. إضافة الى كل هذه الأحداث وغيرها، فإن دولة الاحتلال – كما يزعم الكاتب - تتعرض منذ ثمانية أشهر إلى الهجوم بالسكاكين من قبل الفلسطينيين. وباستثناء التنسيق الامني بين الكيان والسلطة الفلسطينية، لا توجد أي عملية سياسية حقيقية بين الطرفين".  

الشيء المؤكد أن حكومة الانقلاب في مصر تقمع شعبها بمنتهى القسوة . تصفي من تعتقد أنهم إرهابيون بدم بارد بدعوى أن الضحايا يقاومون السلطات ، حتى لو لم يكن هناك أثر لهذه المقاومة ، وتفيض السجون بالنزلاء الذين يموت العديد منهم نتيجة الإهمال الطبي أو التعذيب أو الظروف غير الآدمية التي يعيش فيها الأسرى ، فضلا عن الأحكام القضائية بالإعدام والمؤبدات والسجن المشدد وتكميم الأفواه ومصادرة الأموال والمطاردات في الداخل والخارج لمن يعترض على الانقلاب أو تنازله عن الجزيرتين .. ومن ثم تأتي التنازلات والمبادرات لإضفاء شرعية يملكها العدو!

في الدول وليس أشباه الدول يتحقق السلام أولا بين السلطة التي يختارها الناس وبين الشعب ، ويفترض أن يكون السلام دافئا يساعد الطرفين على تحقيق مصالح البلاد والعباد .. أما أن يكون السلام دافئا بين السلطة وأعداء الوطن فهذا أمر شاذ وغريب ، وغير مقبول لدى أصحاب العقول . إن الأعداء يختلفون فيما بينهم ، ولكنهم لا يقتتلون ولا يحكم بعضهم على بعض بالإرهاب والتطرف وانعدام الوطنية . بل إنهم يستغلون خلافاتهم السياسية في توزيع الأدوار لتحقيق أكبر الفوائد من خصومهم في الخارج ! ماذا يعني أن أصنع عجين الفلاحة لأتفاوض مع عدوي اللدود وعدو ديني وعدو تاريخي ومستقبلي ، ولا أقبل بالتفاوض مع شعبي وأهلي وعشيرتي ؟ ماذا يقول التاريخ مثلا عن دولة تضرب شعبها بالطائرات والبراميل والصواريخ  ولا تطلق رصاصة ولا أقول برميلا على العدو الحقيقي ؟ إنه البحث عن شرعية !

إن العدو النازي اليهودي لا يؤمن إلا بشيء واحد فقط هو القوة . وإذا تفاوض فمن أجل المزيد من القوة . إنه لا يتفاوض ليسلم بحقوق الآخرين ، ولكنه يتفاوض ليفيد منهم (40 سنة تفاوض) ، فهو الأقوى ، وما أخذه بقوة السلاح لا يتركه إلا بقوة السلاح ، فلماذا نتخلى عن قوتنا ومقاومتنا ونتصور أنه سيرضى بقعدة عرب حين نمدحه ونقدم له التنازلات ونمنحه احتلالا هادئا مريحا لا يدفع ثمنا له ؟ هذه سذاجة مفرطة للغاية ، يؤكدها كاتب عبري يقول ساخرا : لقد تم تفويت 23 فرصة لتحقيق الاتفاق بين الكيان والفلسطينيين. فهل ستنتهي الفرصة الـ 24 بشكل مختلف؟. 

الله مولانا . اللهم فرّج كرْب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !

وسوم: العدد 671