أمُ الغُلام

د. حامد بن أحمد الرفاعي

وَنَحْنُ على مَقاعِدِ الدِراسةِ الأولى..وأحياناً في المَجالسِ العامةِ..كان يَقصُ علينَا مُعلِّمُونَا وآباؤنَا قِصةً عاطفيِّةً مُعبِّرةً كل التعبير..مَفادُها:أنَّ امرأتينِ اختَلَفتَا بِشأنِ مَولُودٍ..تَدَّعي كُلُّ واحدةٍ مِنْهُنَّ أنَّها أمُ الغُلامِ..فَاحتَكْمتَا إلى قاضٍ لِيَحكُمَ بَينَهُنَّ..وتَعبَ القاضي مِنْ كَثرتِ الجَدلِ والقيلِ والقَالِ والصراخ والعويل من كل منهما..وتَلُّونِ وتَقَلُّب الحُجَجِ مِنْ كليهما..فَقدَحت في ذِهنِه حِيلةٌ ذَكيةٌ لِيَكْتَشِفَ بها صِدْقَ ادعاءِ كُلٍّ مِنْهُنَّ..فاسْتَدّعَاهُنًّ إلى جلسةٍ خِتامِيةٍ لِيَفصِلَ بَينَهُنَّ بِشَأنِ الغلامِ..فَلمَّا عُقدتُ الجلسَةُ..قالَ القاضي:لقد تَداولتُ وتأملتُ حُجَجِ كُلٍّ مِنْكُنَّ بشأنِ هذا الغُلامِ..فَوجدتُ أنَّها حجج متقاربة وأحياناً مُتساويةٌ..لذا قرَّرتُ:أنْ أنصِفَ بينكُنَّ فأقسِمُ الغُلامَ إلى نِصْفينِ..تأخذُ كُلُّ واحدةٍ مِنْكُنَّ نصفاً مِنْهُ..فابتسمت الأمُ الكَذوبُ..وصَاحت الأمُ الصَدوقُ:لا يَا سَيدي القاضي أرجوك:أعطِ الغلام لَها وأبقيهِ حَيَّاً ..أتوسَّلُ إليكَ يا سَيدي ألا تَقْسِمَهُ ..! فَحَصْحَصَ هُنالِكَ الحَقُ واندَحَرَ الكَذِبُ والبُهتَانُ..ورَدَّ القاضي الغُلامَ إلى أُمِّهِ..وبَعْدُ:أيُها السيداتُ والسادةُ..يا أبناءَ البُلدانِ التي تَختَلِفونَ وتَصطرِعُونَ وتسفكون دماء بعضكم بعضاً بِشَأنِها..يَدَّعي كُلٌّ مِنْكُم:أنَّهُ الأكثرُ حُبِاً وإخلاصاَ ووفاءً لها ولِغِلْمَانِها ورِجَالِها ونِسَائِها..ألا تَرونَ وأنّتم تَدَّعُونَ ذلِكَ على حِسابِ تُرابِ الوَطنِ..وأمْنِ الوَطنِ..وسِيادةِ الوَطنِ..وعلى حِسَابِ حياةِ أبناءِ الوَطنِ وغلمان الوطن ومصالِحهم ووجُودِهم..؟أنّ الحقيقة المرة والواقع المؤلم تؤكدان أنكم تَذبَحونَ الوَطَنَ وأبناءَ الوَطنِ وتدمرون كيانه وتغتالون أمنه وسيادته بدمٍ باردٍ وَأنْتُم غَافِلون أو مُتغَافِلُون ..؟؟؟ألا تَتعِظُون بصدقِ أُمِ الغُلامِ ..؟ألا تتحرك وتستيقظ وشائجكم ومشاعركم تجاه وطنكم ..؟إنِّي لَآمُلُ ذّلِكَ..!وإنِّي لَأرجُو ألاَّ يَطُولَ ذَلِكَ..فَالأمرُ جِدُ جَلَلٌ ومنذر بعواقب وخيمة لا تبقي ولا تذر..أليس فيكم ومنكم رجل رشيد..؟

وسوم: العدد 673