هل أذلّت جيوشنا العالم

أحمد الجمّال الحموي

أقرأُ بين الحين والآخر مقالات لكتّاب ومفكرين يقولون فيها إن جيوش الفتح الاسلامي أيام الخلفاء الراشدين وأيام الدولة الأموية وشطرا من أيام الدولة العباسية وكذلك أيام عز الدولة العثمانية قد أذلّت العالم شرقيّه وغربيه وفعلت في الحضارات المختلفة الأفاعيل. وهذا الكلام خطأ دون أدنى شك وهو مادة يقدمها بعض الناس بغفلة وبعضهم بمكر وخبث إلى أعداء الإسلام للطعن فيه وفي تاريخنا المشرق زوراً وبهتاناً .

إن فتوحات جيوشنا كانت رحمةً وخيراً ونعمة ونهضة بالبشرية حيثما توجهت . ولقد صدق ذلك الصحابي عندما قال لرستم قائد جيوش الفرس : الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

ويجب أن نفرق ابتداءً بين الشعوب والحكام فلقد خلّصت جيوشنا الشعوب المقهورة من حكام طغاة مجرمين تمادى بعضهم حتى ظنّ أنه إله و أمر الناس بالسجود له كما هو الحال أيام حكم الأكاسرة . إن الذي أذلّ الشعوب هم أولئك الحكام وكانت نظرتهم إليها لا تختلف عن نظرتهم إلى بهائم وأنعام يملكونها ولهم مطلق الحق أن يفعلوا بها ما يشاؤون فجاءت فتوحاتنا لتخلّص الشعوب من هذا الذلّ والظلم .

وليرجع من شاء إلى التاريخ الصادق فهل يرى فيه أن جيوش المسلمين كانت تدمر كل مدينة تدخلها وتقتل أهلها وتغتصب نساءها وتنهب أموالها وتكره الناس على ترك دينهم والدخول في الإسلام دين الله عز وجل .

إن التاريخ لم يسجل شيئا من هذا لأنه لم يحدث ولئن زعم أحد أنه حصل مرة ما فهذا حادث فريد ولم يكن منهجا مقرا معمولا به .

لم تعرف الدنيا أن جيوش المسلمين قتلت مدنيا لم يكن يقاتل وليس له صلة بالقتال كما يمكن القول بكل ثقة إن مجموع ما قتلته جيوش المسلمين من مقاتلي الأعداء خلال تاريخنا الذي يمتد أكثر من أربعة عشر قرنا لا يعادل ما قتلته إيران و روسيا وعصابات بشار و وحوش الروافض في خمس سنوات  فقط في سورية وحدها عدا عمن قتلوه في العراق واليمن مع أن الأمر لم يقف عند القتل بل تعداه إلى ما يراه العالم من تدمير وتهجير وسرقة واغتصاب ولقد جاوز عدد المهجرين اثني عشر مليونا  لكن ارجعوا إلى التاريخ وابحثوا عن أعداد الناس الذين أجبرهم المسلمون على الفرار والهجرة من ديارهم وقذفوهم في أعماق البحار والمحيطات . إنكم لن تجدوا شيئا من هذا قط .

وبالمقابل اسألوا التاريخ ماذا فعلت محاكم التفتيش في الأندلس وكم قتلت من النمسلمين لتردهم عن دينهم  تحت أبشع صور التعذيب ، وكل ذلك برعاية الكنيسة وتدبيرها . وماذا فعل الصليبيون بمباركة الكنيسة أيضا عندما احتلوا سواحل بلاد الشام ودنسوا القدس ، فقد أرسل قادة الجيوش الكتب إلى كبار رجال دينهم يتباهون فيها أنهم يخوضون في دماء المسلمين إلى الركب.

إن ريتشارد قلب الأسد هاجم قوافل الحجاج مرات وسعى إلى قطع طريق الحج واعتدى على الآمنين . ولم يكن شاذا ولا فريدا في همجيته بل إن معالم حروب أعدائنا معنا وحشية وقتل للآمنين قبل المحاربين وتدمير للعمران وليس للإنسان فحسب .

ولا حاجة للحديث عما يفعله الغرب بأمتنا في هذه الأيام فهو أظهر من أن نتحذث عنه . 

نحن لم نذلّ العالم ولم ندمره بل أنقذنا الشعوب ونشرنا مبادئ الحق والعدل ونهضنا بأوروبة مما كانت عليه ولولا المسلمون لتأخرت نهضتها قرون عديدة

أما ملالي إيران فلو أنهم كانوا مسلمين حقا لوجب عليهم شكر أمتنا ومكافأتها بدلا من محاربتها لكن الواقع أن  أولئك الملالي يسيرون على خطى الأكاسرة في إذلال الشعوب واستعبادها والعمل على التوسع والسيطرة .

ومما يلفت النظر أن الفاتحين المسلمين لم يدمروا البيوت ولم يطردوا أصحابها منها ليستوردوا قطعان الروافض ويحلوهم محل المالكين من أجل تغيير التركيبة السكانية وسرقة البلاد من أصحابها .

ومن الثابت تاريخيا أن سكان البلاد التي فتحها المسلمون دخلوا في الإسلام طوعا عن اقتناع ورغبة بعد أن رأوا عدالة المسلمين ورحمتهم ورقي المبادئ التي يبشرون بها وينشرونها .

هذا عمر الفاروق رضي الله عنه يأتيه رجل قبطي من مصر يشكو ابن الفاتح العظيم عمرو بن العاص و إنما جاء هذا القبطي لما اشتهر من عدالة المسلمين فما كان من عمر رضي الله عنه إلا أن طلب حضور عمرو بن العاص وابنه وقال للقبطي خذ السوط واضرب ابن الأكرمين وقال الفاروق قولته الخالدة : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ، أما خالد بن الوليد رضي الله عنه فقد أعاد لأهل حمص ما دفعوه له من جزية بعد أن اختاروا البقاء على دينهم وأعلمهم أن ذلك المال مقابل الحماية وهو يرى أنه لا يستطيع الآن حمايتهم من الروم . نعم ردّ إليهم مالهم في سابقة لم يعرفها تاريخ البشر حتى قال أهل حمص أنتم أيها المسلمون خير لنا من أهل ديننا  من الروم .

هل في التاريخ القديم أو الحديث أن جيشا يفتح مدينة فيرفع أهلها شكوى إلى قاضي المسلمين فيحكم بوجوب خروج جيش المسلمين من سمرقند لأن الجيش هاجمها قبل أن يندرهم ويدعوهم إلى الإسلام فما كان من الجيش إلا أن خرج ممتثلا لحكم القضاء .

ومن المعروف أن شعوب شرقي آسيا دخلت في الإسلام بعد أن أعجبت بمعاملة تجار المسلمين .

نحن إذاً أنقذنا الشعوب وخلصناها من ظلم الجبابرة واستعبادهم ورفعنا مكانة الإنسان وحررنا عقله من الخرافة والوثنية مع تحرير جسمه بعد أن أطاحت جيوشنا بالطغاة الذين أذلوا شعوبهم وساموها سوء العذاب وكنا نوراً وهدىً ورحمة وهذا ما شهد به غير المسلمين عندما قال المؤرخ الفرنسي الشهير: (غوستاف لوبون): "ما عرف التاريخ فاتحًا أرحم من العرب".

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  والحمد لله رب العالمين .

أحمد الجمّال الحموي

نائب رئيس جمعية علماء حماة سابقا

عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام

عضو مؤسس في رابطة العلماء السوريين

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

وسوم: العدد 673