خطاب الكراهية والتحريض الإيراني للعرب(4) : (الأمثال الشعبية الإيرانية نموذجاً)

تعتبر الأمثال الشعبية من أبرز عناصر الثقافة الشعبية و تعتبر مرآة لطبيعة و معتقدات الشعوب ، والتي تعكس نمط تفكيرهم ، ورؤيتهم للآخر ، وموقفهم تجاهه  ، وهي ذات أهمية نظراً لتغلغلها في جزء مهم  ومحوري من  جوانب حياتهم ، حيث تعكس الأمثال المواقف المختلفة تجاه الأخر  و تقدم لهم رؤية  واضحة ومعبرة تجاهه  .

 لا شك بأن  الأمثال  الشعبية التي يتندر بها الإيرانيون على العرب ؛ أو ما يحبون أن يطلقوا عليه " أعراب "  تُساهم في تشكيل أنمـاط اتجاهات وقيم المجتمع الفارسي بقيمه المذهبية والقومية ، وتعكس طبيعة التكوين الفكري والتربوي والأيديولوجي ،  مما يجعلها محوراً أساسياً لاهتمامنا  ، من حيث بداية  هذه الأمثال الشعبية ونشأتها ، ودرجة وسعة  انتشارها  بين العامة والخاصة ، 

ويعود سر انتشار الأمثال الإيرانية على العرب " الأعراب "  إلى جملة خصائص  ودوافع  ؛ من أهمها الكره الدفين لهذه القومية ،  و كثير من الأمثال  الإيرانية المعروفة في إيران  قديمة الجذور ، وقد  طرأ  عليها بعض التعديل والتحريف على معانيها وألفاظها ، و ما تفرزه  من حكايات أو نكات شعبية ،يتم تداولها وإسقاطها على الواقع ، و منها ما استمد من كتب التاريخ والأدب  الفارسي الذي يتقاطع مع العرب وأدبهم   ، وهي  عبارةعصارة تجارب وممارسات عديدة كان يلجأ إليها الأديب والمؤرخ الفارسي للتعبير عن مواقفهم من العرب ، وقوميتهم وحضارتهم وتاريخهم ، بل ومن دينهم أيضاً .  

ومن أبرز هذه الأمثال  الشعبية الإيرانية الدارجة :

 "برو آنجا که عرب نی انداخت!"

اذهب هناك حيث العربي رمى عود القصب !

يتم قول هذا المثل في حال  الغضب . ولتوضيح صورة هذا المثل ودلالاته ومغزاه  ومتى يقال – -كما ورد على لسان الإيرانيين أنفسهم - ً يحدث أن خادما ً يهدد مخدومه بأنه سيترك محل الخدمة . يخرج  هذا الخادم من البيت بسبب الخصام ، حيث يتم القول له بنبرة التهديد والوعيد : اذهب هناك حيث العربي رمى عود القصب.

 الآن ما المقصود بالعربي  ، وما هو عود القصب ، وكيف قد كان الرمي ، ولماذا جعلوا من هذه العبارة مثلا ً . يفسر الإيرانيون ذلك على النحو التالي :

الأشخاص  المطلعون الذين لهم معلومات وافية  عن تاريخ العالم القديم ، والذين هم على دراية تامة بوضع جغرافية شبه الجزيرة العربية يعرفون أفضل من غيرهم أن عرب الصحراء والجزيرة .

 و  أن صحراء العرب هي مناطق شاسعة وقاحلة ، لا حضارة فيها ، ولا سبل حياة  متطورة، ومن كان يتيه فيها محكوم عليه بالموت ، لذلك امتهن البعض  من العرب مهنة رمي العود " الرمح" في الصحراء القاحلة البعيدة عن الحضارة والعمران ، حيث كانوا يلقون عودهم  تجاه الشمس  وقت النهار ، لمعرفة التوقيت ، وعندما يصطدم بنور الشمس يعرفون اليوم والساعة ، كناية عن الاستهزاء بعقول بعضهم . لذلك مثل  (اذهب هناك حيث العربي رمى عود القصب) كناية عن مكان ومنطقة ومكان قاحل ، لا حضارة  ولا عمران فيها ، أي اذهب إلى مكان ولا تعود منه أبداً. و المثل يؤخذ على محمل الاستهزاء بالعرب. و ليس غريبا أن يحدث مثل ذلك

"نه شير شتر نه ديدار عرب"

لا حليب الناقة ولا لقاء العربي

 

هذا المثل من الأمثال الشعبية الدارجة في إيران ، ويفسر الإيرانيون هذا المثل بقولهم : كانت عائلة قبلية وعربية تعيش في صحراء ، حيث ينصب أفرادها خيمة ويعملون في رعي ماشيتهم ، و في إحدى الليالي صبوا كمية من حليب الناقة في وعاء ووضعوه في قلعة ،  ومن المفارقات التي حدثت في تلك الليلة أن حية كانت بالقرب من المكان تنام على كنز،  ومرت من تحت القلعة ، إذ شربت  الحية الحليب من الوعاء ، وعوضاً عن ذلك أحضرت قطعة ذهب ، ووضعتها في  ذلك وعاء .

في الغد عندما أفاق أفراد عائلة القبيلة من نومهم ، ورأوا قطعة الذهب في وعاء الحليب سعدوا كثيراً ، وفي الليلة التالية صبوا حليب الناقة في الوعاء،  ووضعوه في نفس مكان الليلة الماضية . جاءت الحية أيضا ً وشربت الحليب ووضعت في الوعاء قطعة الذهب بدلا ً من الحليب ، ثم ذهبت .

هذا العمل تكرر عدة مرات ، حيث خطر بفكر ذلك العربي من  تلك  القبيلة : " أنه من الأفضل أن يكمن ويمسك بالذي يجلب قطع الذهب، وأن  يأخذ جميع قطع الذهب ؛ ويحصل على الكنز  . لما جاء الليل كمن الرجل العربي ، وفي منتصف الليل رأى هناك  حية ، هي التي جاءت إلى هناك ، فقام بضربها بالفأس ،من أجل أن يقتل تلك الحية ، و بدلاً من أن يقع على رأس الحية قطع ذنبها  ،  فقامت بالهرب على الفور . ،  نام الرجل العربي لتعود  الحية وتلدغ إبنه الشاب ؛ وعندما أفاق العربي من من النوم رأى ابنه الشاب قد مات،  فقام بدفنه في التراب ، ورحل من تلك الصحراء .

بعد عدة سنوات ، حدثت حالة من القحط ، وماتت أغلب الماشية التي كان يمتلكها الرجل العربي ؛  تشاور الرجل العربي مع زوجته ، للعودة الى نفس الصحراء التي كانت الحية تجلب له قطع الذهب ؛  على أمل انه ربما تجلب له أيضا ً نفس قطع الذهب .

فعلاً عادوا إلى نفس الصحراء ، ومثلما حدث في الماضي،  وضعوا حليب الناقة في وعاء ، وجلسوا ينتظرون إلى أن جاءت نفس الحية ، ولكنها لم تشرب الحليب ، وقالت : " اذهب أيها المسكين قد أضعت عقلك ، فأنت لم تتذكر ابنك الذي مات ،وأنا لا أتذكر الذنب الذي اقترفته بقتله ،" فلا حليب الناقة ولا لقاء العربي".

"عرب شكم وزير شكم است"

العربي بطنه وما تحت بطنه

 

 وهذا المثل كناية عن أن العرب قوم لا يعرفون إلا الأكل والشهوات

النتيجة من عرض بعض الأمثال الشعبية  بهذه العجالة يُظهر لنا كيفية احتقار العرب وإظهارهم بأنهم بدو جهلة  قطنوا الصحراء ، بلا حضارة أو مدنية ، وأنهم عبدوا الشهوات ، حيث تعكس الأمثال الشعبية الإيرانية  لصورة العربي ،وتعبر عن الفكر المسبق  الذي يتم التوسل به لتفسيرها ،  وفق ما تم غرسه في وجدانه وهذه جاءت ثمرة التنشئة  ذات الطابع التشويهي التي أسهمت فيها وسائل متعددة تاريخية ،و مذهبية وأيدلوجية وفكرية ، لتسهم  بمجموعها في  تركيب هذه الصورة المشوهة للعرب .

د.نبيل العتوم                                                                                           

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية                                       

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 673