شيء عن إيران.. وحالنا ..

عقاب يحيى

حين تكون خالي الوفاض من مشروع وطني

وحين تدوس ببساطير المصالح، والفئوية، والإخضاع، والعنجهية على حقوق الشعب، وحرياته، وتمارس القتل المنظم المشبع بالأحقاد..

ـ الطبيعي أن يحدث الفراغ الباحث عن بديل..

ـ وكانت إيران"التاريخية"، وإيران الحاملة إرث وعقدة إعادة الأمجاد الغابرة.. جاهزة، وبقوة زخم متصاعدة.. لا تختلف ايام الشاه عنها أيام آيات الله سوى بالوسائل والألوان..

ـ النظام العربي رفس مشاريع النهوض. تآمر عليها، وخانها. تخاذل، وطعن الأماني والحقوق، وعاث فساداً، ونهباً، ومافيات أين منها مافيات إيطاليا، وفوقها لعب بالنسيج الاجتماعي وبكل مقومات الوطن ليرجع نويات الدولة الحديثة إلى ما قبل الدولة، وليحرك كل عوامل الفتنة والصراع الداخلي كي يبقى حاكماً.. فانتشى المشروع الإيراني وهو يزاوج بين الديني ـ المذهبي ـ والقومي، وهو يعتلي صهوة فلسطين والمقاومة، وهو يقف على يسار جميع النظمة العربية، وهو يرشق، بتخطيط وذكاء، الأموال في كل الاتجاهات، وهو يقيم القواعد التحتية للتغلغل.. عبر "الحسينيات" ونشر التشييع بأشكال متعددجة، والبحث عن مسامير للدقّ، والتريب، وكان حزب الله وما قام به من دور السهم الخارق لذلك المشروع.. بما يتيح له التجوال في القلوب والعقول والمساحات العربية من المحيط للخليج

ـ انتشت إيران بما تحقق لها خاصة بعد غزو وتدمير العراق، وتسليمها أهم البلدان العربية مكان نفوذ، وتناغم ذلك مع الشعبية الكبيرة التي حصل عليها حزب الله بمقاومته .. لدرجة الخلط الكبير في المفاهيم والأوراق، وتمكين المشروع الإيراني من اختراق"حصون" الدفاعات العربية للأنظمة، وهي بطبيعتها هشّة، ومخلخلة، وتقايضية، ونفعية، وتساومية ..

ـ في جميع الحالات، ومن يعرف الوضع الإيراني يجب أن يسجل اعترافه بذكاء ووعي الحكام على اختلاف مشاربهم، بما فيهم اصحاب العمائم.. الذين لم يدمروا أسس الدولة ومؤسساتها، وإرث إيران المتطور في البحث والإنتاج، والتراث، بل حافظوا عليه، وطوعوه لمفاهيمهم الجديدة، خاصة المؤسسة العسكرية، والتقاليد السياسية وما فيها من باطنية وخبث، وقدرة على التكتيك ..

ـ نعم في إيران مشكلات كثيرة، وأزمات متعددة، اقتصادية، وسياسية، ومجتمعية.. لكن إيران النظام تملك اليوم هوامش واسعة، ومناطق نفوذ مهمة تتغلغل فيها غلى عمق أعماق المجتمعات العربية، والجغرافيا السياسية، وهي بذلك تتواطأ، وتتناغم، وتتنافس مع الصهيونية وكيانها من جهة، ومع المصالح والمشاريع الأمريكية من جهة أخرى.. بما يشكل نوعاً من العلاقة المتناوبة التي يجب فهمها بما فيها من تناقضات وخصومات، ومصالح مشتركة، وبما تحمله ـ جميعها ـ من استهداف المنطقة العربية، والسيطرة عليها ..

ـ على قاعدة الفوات، ونجاحات إيران في الاختراق متعدد الأشكال.. فإن السعودية مرعوبة حقاً من قادم تتعرّض فيه لعمليات خطيرة من التمزيق، والتفاعلات الداخلية الصارخة، خصوصاً وأن التركيبة السكانية، ومعظم دول الخليج، خصبة لتداعيات كبيرة لذلك حاولت، وتحاول، بطريقتها، حماية نفسها على الأرض السورية، مع إبقاء الباب مفتوحاً للمساومات وعقد الصفقات مع إيران.. بينما تريد بعض الدول الخليجية الرقص في النوادي السرية علها تبعد عنها أخطاراً تخيفها.. 

ـ في العودة للساحة السورية.. فانخراط حزب الله المباشر في المعارك ضد الشعب، وقدوم  الآلاف من المليشيات الشيعية للقتال.. وكل ما يحكى عن حقائق مشاركة إيران المباشرة في العمليات العسكرية ضد الشعب السوري، وبما يتجاوز الجانب اللوجستي، والمحدود.. ليس جديداً من جهة، ولا مفاجئاً من جهة ثانية.. فسورية بالنشبة للمشروع الإيراني حلقة مركزية، ونظام الطغمة"بؤبؤ العين" الذي إن سقط لن يستطيع المشروع الإيراني الرؤية ولو لمسافة متر واحد.. لهذا فإن التصريحات المتناوبة عن استعداد إيران لإرسال عشرات آلاف المقاتلين تحت مسمى"حزب الله السوري" أو اي شكل آخر، ليست للمناورة والاستهلاك، وإنما هي جزء من منظومة السياسة الإيرانية التي تجد متسعاً لها بظل المواقف الغربية، خاصة الموقف الأمريكي، وحتى الإسرائيلي المرحب بما يحدث .. والمشجّع على ذلك تحقيقاً لعديد الأهداف المعروفة .

ـ إن التسعير الطائفي لا يمكن أن يجابه بمثيله، ولا بالاتكاء على جدار الصراع المذهبي وتقويته، لأم ذلك عين ما يخدم المشروع الإيراني، والأمريكي والإشرائيلي، ويصبّ في طاحونة ومطحنة تدمير بلداننا وتقسيمها.

إن مجابهة المشاريع الخارجية لا تكون سوى بمشروع نهضوي عربي، وعبر أنظمة تمثل شعوبها، وتطلق الحريات العامة، وعبر الدعم الحقيقي للثورة السورية، وإطلاق يدها، وقرارها الوطني لتكون هي سيدة أمرها، وحينها، وبانتصار الثورة السورية، وغسقاط نظام الطغمة.. فإن حلقة مركزية ستسقط من ذلك المشروع.