إعلام منصف وإعلام مرجف

لا توجد ثقافة إنسانية ترقى إلى مستوى الثقافة الإسلامية في تخليق مجال الإعلام، ذلك أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يضعان ضابطين صارمين لتداول الأخبار وتسويقها بين الناس ، ففي القرآن الكريم نجد قول المولى عز وجل : (( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) أما في السنة النبوية الشريفة ، فنجد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ". ومن المفروض في وسائل الإعلام التي تمتهن أو تحترف نقل الأخبار وتسويقها  أن تلتزم بهذين الضابطين إذا ما كانت تهتم بموضوع مصداقيتها . وإعلام هذا الزمان ينقسم إلى إعلام منصف يلتزم بالتبين في نقل النبإ ، وإعلام مرجف يتنصل من التبين ،بل يتعمد الكذب والتلفيق والاختلاق . ومعلوم أن الإرجاف  هو الخوض في الأخبار المختلقة الكاذبة ،وتكون سيئة  ومسيئة قصد إثارة الفتن وتهييج الناس  للنيل من أبرياء . ومن الأمثال السائرة : " إذا وقعت المخاويف كثرت الأراجيف ". و كلما وقعت واقعة في عالم اليوم الذي تتسارع أحداثه بشكل غير مسبوق  في التاريخ البشري بسبب تطور وسائل الاتصال والتواصل إلا وكان مستهلكو الأخبار أمام إعلام منصف وآخر مرجف . ومعلوم أن الإعلام كان منذ القديم سلاحا مصاحبا لكل أنواع الأسلحة المستخدمة في كل عصر ومصر ، كما أنه كان أفتك سلاح على الإطلاق لأنه هو المحرك للأسلحة الأخرى والمتحكم فيها  ، لهذا حذر الله عز وجل في القرآن الكريم من خطورة سلاح الإعلام والذي يتسبب سوء استعماله في الإصابة الجاهلة للأبرياء . وتراهن أمم الأرض اليوم كثيرا على سلاح الإعلام في حروبها ،الشيء الذي فتح الباب واسعا أمام الإعلام المرجف .وأكثر الدول استعمالا للإعلام المرجف الدول العظمى التي تحترف الغزو من أجل ما تسميه مصالحها الاستراتيجية . وكمثال على توظيف سلاح الإعلام المرجف من قبل القوى العظمى ما سبق غزو العراق من ترويج و تداول لأراجيف مفادها أن الرئيس صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل تهدد الأمن والسلم العالميين . وبعد الغزو وتدمير العراق واستباحة بيضته تبين أن الأمر لا يعدو أن يكون أراجيف كان الهدف من ورائها إضرام نار الفتن بين العراقيين وتهييجهم للاقتتال فيما بينهم والتمكين للعصبية الطائفية وشغل أصحابها عن الهدف الحقيقي من وراء غزو العراق وهو الاستيلاء على ثرواته ومقدراته النفطية ، ولأصحاب الغزو  في ذلك الغزو مآرب أخرى ستنكشف أسرارها بالتدريج مع مرور الزمن . وأمس الأول وقعت محاولة انقلاب فاشلة في الجمهورية التركية استخدم فيها  الانقلابيون سلاح البر والجو إلا أنهم لم يحسنوا استخدام سلاح الإعلام بالرغم من أنهم سيطروا على المحطة الإعلامية الرسمية في البلاد إلا أن سلاح الإعلام المضاد  كان لهم بالمرصاد، ذلك أن مجرد كلمة وجيزة  ومقتضبة من الرئيس التركي طيب رجب أردوغان عبر السكايب كانت كافية لإفشال محاولة الانقلاب فشلا ذريعا من خلال تحريك  سلاح الشعب ضد سلاح الانقلابيين . ولقد تأكد من خلال هذا الحدث أن سلاح الإعلام أخطر سلاح على الإطلاق ، ومن يمتلكه يكون النصر حليفه ما لم يكن هذا السلاح إعلاما مرجفا سرعان ما يتبخر . ولقد كان الانقلابيون في تركيا يراهنون على الإعلام المرجف وحبل كذبه قصير حيث زعموا أن الحكم صار بيدهم وأنهم حماة الديمقراطية، بينما راهنت الحكومة التركية  الشرعية على الإعلام المنصف الذي كشف تهافت الإعلام المرجف ،وأثبت أن حماية الديمقراطية لا تكون بسلاح الجو والدبابات بل تكون بإرادة الشعب . ولقد تابعت وسائل الإعلام العالمية على اختلاف أنواعها محاولة الانقلاب، وحرص الكثير منها على التزام الانصاف في نقل أحداث هذا الانقلاب الدرامية  ، إلا أن الإعلام في مصر وسوريا حيث تعشش الديكتاتورية البغيضة اختار أسلوب الإرجاف، فوجد نفسه في حالة شرود كما يقال في لعبة كرة القدم و صار موضوع تندر وسخرية أمام شعوب العالم قاطبة . ومن تهافت الإعلام في مصر وسوريا وتفاهته أيضا لأنه بيد طاغيتين يتحكمان فيه كما يريدان أنه وبعد ظهور حقيقة فشل الانقلاب في تركيا ظل يتشبث بإرجافه ويثير المزيد من السخرية منه  . ومعلوم أن فشل الانقلاب في تركيا  بالنسبة للانقلابيين في مصر فأل سيء جدا، لهذا وظفوا الإعلام المرجف ليكون تميمة واقية من هذا الفأل السيء . وما يخشاه الإعلام المرجف في مصر هو تفكير الشعب المصري في الاقتداء بالشعب التركي في حماية الديمقراطية . وكم كان الانقلابيون في مصر يتمنون أن ينجح الانقلاب في تركيا للخروج من حالة الشرود التي يعيشونها في عالم الديمقراطية . ولم يكن فشل الانقلاب محرجا للنقلابيين في مصر وحدهم بل كان أشد حرجا للذين خططوا ودبروا الانقلاب في مصر على الشرعية والديمقراطية سواء تعلق الأمر بجهات دولية أم بجهات إقليمية تخدم مصالح  تلك الجهات الدولية . ومن المثير للسخرية أن الجهات التي باركت انقلاب مصرـ وهو انقلاب على الشرعية والديمقراطية لا يختلف عن الانقلاب في تركيا ـ  ترددت قبل أن تتظاهر بالوقوف إلى جانب الشرعية والديمقراطية في تركيا وهو ما لم تفعله عندما تعلق الأمر بديمقراطية وشرعية مصر التي جار عليها الانقلابيون  ، فوضعت نفسها في موقف حرج أمام الرأي العام العالمي  بسبب هذا التناقض ، وهذه الازدواجية في المواقف ، بل أقامت على نفسها الحجة الدامغة بأنها كانت وراء الانقلاب العسكري في مصر وأنها متورطة فيه  من أجل ما تسميه مصالحها الاستراتيجية، وأنها أضرت بمصلحة الشعب المصري حين  حرمته تنسم الديمقراطية على غرار الشعب التركي .

وبقي في الأخير أن نهمس لكل موقع إعلامي في وطننا العربي  رسميا كان أم غير رسمي سواء اتسع مجال إشعاعه أم انحصر أن  يتنكب الإرجاف ويلتزم الانصاف . ومع شديد الأسف لا تستهلك وسائل الإعلام عندنا في الغالب إلا الأراجيف التي باتت سلاحا حزبيا وسياسويا يوظف في الحملات الانتخابية  وغيرها والتي تعتمد حبال الكذب القصيرة . ومن المؤسف أيضا أن يوظف الإعلام المرجف في حياة  عموم الناس لتصفية الحسابات  فيما بينهم بدافع التنافس أوالصراع أو الحسد . ومن المحزن أن يرتزق البعض بالإعلام المرجف مقابل مال مدنس لا يختلف عن مال الدعارة .  

وسوم: العدد 677