حديث جَدَّتي عن المي!

صلاح حسن رشيد /مصر

[email protected]

روتْ جَدَّتي لي؛ لَمَّا رأتْ سوء حالي، فقالتْ: إذا أحببتَ؛ فلا تعترف لها؛ لكي لا تركب هي فوق أُمِّ رأسك، وتتبختر فوق كتفيك! فتكون أنتَ حمارها، وتكون هي الآمر الناهي! فلا تنس؛ حكاية الرجل الذي ترك لامرأته تصريف كل شئ؛ فأصبح بلا قيمة!

وروت أيضاً؛ فقالت بأسى، وهي تعاين شدة كربتي، وعذابي: اكره الميَّ، فلا تمدحها! فستأتيكَ صاغرةً، كالهِرَّةِ الضعيفة! ولا تكن كالخاتم في أصبعها؛ تلبسه كما تريد، وتخلعه كلما أرادتْ! واحذرْ التفريط في حقوقك، والتهاون في قوامتك!

ونصحتني ذات مرَّةٍ، قائلةً بعدما رأت الحزن يقتل فؤادي: لا تخطِب الميَّ؛ بل .. اطلب يدَ أخرى، وأعلمها بموعد الخِطبة، واتركها لشأنها! وسترى، كيف أن هذه المُتعجرِفة ستأتيكَ، وقد صارت كائناً آخر؛ فالشكل سيختلف، والقلب سينبض، والوجه سيبتسِم!

يا بُنَيَّ: إذا أحببتَ؛ فلا تُخبِرها! وإذا تيقَّنتَ مِن حُبِّها لكَ؛ فاكتمْه، ولا تُصَرِّحْ أمامها؛ وإلاَّ قلبتْ لكِ ظهرَ المِجَن، كما يقول المثل العربي القديم!

يا بُنَيَّ: عاملْها برفقٍ، ومودَّةٍ! واعرَفْ ماذا تُحِبُّ، وتكره؛ فلا تمزح معها، وهي حزينةٌ باكيةٌ! بل، تصنَّع الحُزْنَ، والموجِدة!

يا بنيَّ: المرأة مثل القماشة، تستطيع أن تحيك منها ما تريد؛ بشرط أن تختارها بعنايةٍ!

يا بنيَّ: المرأة تدرس حبيبها؛ فتهتم بتفاصيل حياته، وفكره، وشخصيته! فادرسْها كما هي درستكَ؛ وإلاَّ كانت الحياةُ بينكما مستحيلةً! فالمرأةُ .. تُحِبُّ أنْ يُشار إليها دائماً، وأنْ تكون محطَّ أنظارك؛ فكنْ دائمَ النظرِ لها، دائمَ المدحِ لها، دائمَ الإعجابِ بها!

يا بُنَيَّ: إذا كنتَ شاعراً؛ فتشبَّبْ بجمالها، ومفاتنها، وتغزَّلْ بها باستمرار! واجعلْها مثلَكَ الأعلى في الدَّلالِ، والحُسْنِ؛ فلا تكتب الأشعارَ إلاَّ فيها! فستأتيكَ، وتطلبُ منك المزيدَ! فالمرأة مخلوقة من الغرام، وللغرام، وبالغرام!

فكنْ لها كـ(قيس) لِليلى العامرية؛ فقد انشغل بها روحاً، ووجداناً! فلم يكتب شِعراً إلاَّ فيها، وفي جمالها، وروعتها! فلم ترَ عينه سواها! فاستحقَّ الخلود، والاحترام من (ليلى)، حتى وهو يُصارع؛ فيتعرَّض للعقاب؛ فيفشل في إقناع أهلها!

فكن يا بُنَيَّ ..  للـ(المي) ما تتمنّاه في يقظتها، ونومها! فكنْ لها أصدقَ مثالٍ للفارس النبيل، والشاعر العشيق، والمُحِبَّ الوفيّ، والمخلِص الأمين! فالميُّ .. تُحِبُّكَ، وتكرهك!

تُحِبُّكَ: شاعراً أسبغ عليها ما تستحقه من مؤهَّلات الدلال، والجمال! وعاشقاً، أخلص لها؛ فدافع عن حبه، وعنها، وخاض الحروبَ من أجلها؛ فتخلَّى عن الأهل، والمال بسببها!

وتكرهك: لأنك دائمُ النقد لها؛ فتُسَفِّه رأيها! وتقع في المحظور عندما تُبدي إعجابك بإحداهنَّ! وتتجاهل أنكَ بإزاء شمسِ الشموس، وقمرِ الأقمار، ونهار النهار!

يا بني .. فـ(الميُّ) كالمِرْجل؛ فهي تغلي، وتفور، وتكون كالجحيم، إذا ذكرتَ أمامها واحدةً أخرى! فلا تُشْعِل مرجلها! ولكنْ أطفئ نارها، وأخْمدْ أتُّونها بمُبَرِّدات حُبِّكَ، ومصيف غرامك، وصَبا قلبك!

الميُّ يا بنيَّ تشعر بعظمتها، وعبقريتها، ومواهبها العديدة؛ فأشْعِرْها بكل ذلك، وادفعها إلى الأمام! ولا تقتلْها بإهمالك، وتجريحك! ولكنْ شجِّعها بتقريظك، وعطفك، ورعايتك، ومودتك!

 فالميُّ كالشجرة الضعيفة، التي بحاجة إلى الماء، والهواء؛ فكن ماءها، وهواءها، وجذرها الذي في الأرض؛ يأتيها بالرغد!

وكن دائمَ السؤالِ عنها؛ فانشغل بأمورها، حتى التافه منها! فما بالُكَ بمشكلاتها الكبرى؟!

 يا بنيَّ: كن(الميَّ) في يقظتها، ونومها، في سرها، وعلانيتها، وعِشْ تفاصيلَ حياتها، واجعلْ هواكَ هواها، ساعتها ستراها كائناً، يُغرِّد بحبك! ويهوى هواك، ويرجو رؤاك، فلا ترى إلاَّكَ إلاَّكَ .. أيها الحفيد العاشق!