المنهج وازدواجيّة المعايير

التزام منهج سليم في كلّ شأن من الشؤون أصل أصيل في حياة الإنسان ، وهو من الأمور التي تدلّ عليها نصوص الإسلام ومبادئه العامّة ، وهو في الوقت ذاته من العدل الذي أمرنا الله تعالى به  وحضّنا عليه .

وممّا يُحزن أنّ هذا الأصل  قد هجره كثير من الناس ، جهلاً أو تجاهلاً ، فنشأ عن ذلك اضطراب في الأحكام والمواقف . كيف لا ، وقد غاب المنهج والميزان ولم تتحكّم المعايير الصحيحة في التصرفات والمواقف ؟!

إنّك ترى بعض الناس يذهب بعيداً فيتحدّث عن الدول الغربيّة ذاكراً من عيوبها الخطيرة ازدواج المعايير في تعاملها الدوليّ ، فتارة هي مع حقوق الإنسان باندفاع وحماسة ، وتارة أخرى لا تحرّك هذه الدول ساكناً ، أو ربّما تتكلّم نفاقاً بكلام لا جدوى منه ، وهي ترى الإنسان يُطحن طحناً ، لأنّ الإنسان الذي يُطحن إنسانٌ مسلم لا يستحقّ الحياة في رأيهم ، فضلاً عن أن يكون له حقوق !! .

وتُدافع تلك الدول عن الديمقراطيّة ، فإذا أدّت الديمقراطيّة إلى نجاح التيار الإسلاميّ في دولة ما ، نقمت تلك الدول على تلك الديمقراطيّة المنحوسة وعملت على إجهاضها .

فالديمقراطيّة عندهم لا يجوز أن تسمح للمسلمين بالتقدّم ، بل يجب أن تكون دوما لمصلحة من يحارب الإسلام ، ويُصادر حقّه في الحياة .

والمشكلة التي نُريد أن نتكلّم عنها هي أنّ هؤلاء الناس الذين يأخذون على دول الغرب ازدواج المعايير وفقدان المنهج ، يحسبون أنّ هذا المرض خاصّ بالدول ، وما هذا بسديد ، وإنّما يقع فيه بعض المسلمين بوعي أو دون وعي ، وهو مرض يصيب الأفراد والجماعات ، كما يُصيب الدول .

تجد أحدهم يهاجم فلاناً من الناس ، أو يهاجم جماعة ما ، واصفاً إيّاها بالاستبداد والبعد عن الشورى ، فإذا ما خالطْتَه وقفتَ على العجب العجاب . حيث ترى هذا الإنسان إذا بدا له رأيٌ وأعجبه ، يرفض بغضبٍ وحدّةٍ أيّ حوار يشمّ منه ردّاً لهذا الرأي أو تعديلاً عليه . ولا ينجو الإنسان الذي يُبدي ملاحظة على رأيه من لسانه الذي يسلقه دون كلال ، مدّة طويلة من الزمن .

بل إنّ واحداً ممّن يتّهمون الآخرين بالاستبداد وعدم إتاحة الفرصة للرأي الآخر سعى إلى حمل بعض إخوانه إلى أن يُقسموا بالله تعالى على القيام بفعلٍ مُعيّن ليضمن قيامهم بهذا الفعل في غيابه . مع أنّ ما يطلبه منهم لم يرتضوه ولم تقبله عقولهم ولا معارفهم الشرعيّة الإسلاميّة .

فأين هذا من الشورى ، وهل مَنْعُ الناس من مجرّد مناقشة الرأي وحمْلُهم على الحلف بالله تعالى ... من الإسلام ومن احترام الرأي الآخر ... ومن الشورى التي أمر بها الإسلام .؟! .

ورُبّما رأيتَ مسلماً يُطالبك بالدليل على حكم شرعيّ ، فإذا أتيته بالدليل زعم أنّ الحديث ضعيف لأنّ فلانا من المعاصرين ضَعَّفه ، مخالفاً أئمّة الإسلام وأعلام الحديث . ثمّ ، وهنا تكمن المشكلة ، يستشهد هو بحديث ضعيف على حكم من الأحكام ، وعلى المستمع أن يقبل دليله ، وإلاّ فهو مبتدع ضالّ من أهل النار . بل إنّ بعض جهلة المسلمين يستدلّ بأحاديث ضعيفة في مسائل العقيدة ، ويرفض استدلال غيره بأحاديث صحيحة ، لأنّ تلك الأحاديث الصحيحة لا توافق هوىً في نفسه ، ورأياً يميل  أصلاً إليه .

وربّما تكلّم أحدهم فقال : إنّ من حقّ المتهم أن يحظى بمحاكمة عادلة ، وهذا من أبسط حقوق المواطن في الدولة الإسلاميّة ، فقد وقف أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه أمام القاضي هو ويهوديّ من أجل درعٍ تنازعا ملكيّته ، ثمّ إذا دعوت هذا الإنسان إلى القضاء أو التحكيم أو ما هو في معناهما ، اعتبر نفسه فوق القضاء والمساءلة ، وأوحى كلامه وعباراته أنّه أكبر من المحاسبة والسؤال .

فتارة هو مع المساءلة والمحاسبة والمحاكمة ، وتارة يرى أنّ المساءلة ظلمٌ واعتداءٌ على مقامه ومقام أمثاله الذين يجب أن يكونوا فوق ذلك !! .

لذا لا بدّ من مراجعة كلّ منّا لنفسه والعمل على الالتزامٍ بمنهجٍ سليم نابع من مبادئ العدل التي جاء بها الإسلام . ولا بدّ من تطبيق ذلك في مناحي الحياة كلّها ، كي لا يقع أحدٌ في التناقض وازدواج المعايير . والله سبحانه نسأل أن  يهدينا جميعاً إلى سواء السبيل .

وسوم: العدد 685