العصابة الطائفية ودولتها انتهت إلى الأبد في الشام.. فمن الوارث؟!

أنظمة الاستبداد والحكم الفردي المرتبطة بأشخاص وعائلات وطوائف أنظمة مصمتة، يخال المشاهد أنها متماسكة وقوية، ولكنها أوهى من بيت العنكبوت؛ لارتباطها بأشخاص محدودين، تسقط بسقوط هؤلاء الأشخاص، فكيف إن تعرضت لسنوات مقاومة ورفض مسلح وشعبي، رأينا ذلك كله في يوغسلافيا وليبيا والاتحاد السوفيتي وغيره، ولعل المثال الأوضح سيكون المثال السوري الذي تهافت عليه كل الإجرام العالمي والإقليمي لحماية عصابة طائفية مجرمة من أجل إبقاء فرضها على الشام وأهلها.

يجهد بوتن وخامنئي ومن خلفهما أوباما على إبقاء العصابة الطائفية في الشام بحجة مؤسسات الدولة، فالمهم لديهم حماية مؤسسات قامعة للشعوب، لا قيمة للشعوب فيها حتى ولو أدى ذلك إلى مقتل مليون شخص وتشريد أكثر من نصف الشعب وتدمير كل مدنه، فالأولوية لمؤسسات حماية العصابة الطائفية وتدمير الشعب ومقدراته.

دولة العصابة الطائفية في الشام انتهت إلى الأبد بحسب مقال مهم ورائع في «الفورين بوليسي» وكاتب المقال واضح أنه لا يحب أن تنتهي الأمور إلى ذلك، وإنما الواقع ينضح بالحقائق في أن مظاهر الدولة انتهت في الشام ولم يعد هناك نظام ولا مؤسسات، وأن الحديث عنها ضرب من الخيال ليس موجودا إلا في مخيلات سدنة العصابة من بوتن وأوباما وخامنئي وغيرهم، ولعلنا نستطيع التدليل على ذلك بعدة أدلة واضحة ساطعة:

1 - أكثر من %25 من ميزانية الدولة السورية التي كانت تعتمد عليها قبل الثورة إنما تعود إلى مصدر النفط، واليوم هذا خارج عن سيطرتها وفي قبضة تنظيم الدولة، يضاف إليه توقف كل موارد جباية الضرائب والجمارك، مع هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، وتوجيه كل ما لدى الدولة من موارد إلى الجهد التدميري العسكري، وذهب الأمر أبعد من ذلك إلى بيع أصول الدولة لإيران وإرسال أرصدتها من الذهب والعملات الصعبة إلى روسيا، وبالتالي ماذا تبقى من اقتصاد الدولة الذي ارتفع فيه الدولار أكثر من عشرة أضعاف، وكلنا يعلم أن كل مؤسسات الدولة الأخرى تعتمد على الاقتصاد.

2 - أهم مؤسستين للعصابة على مدى عقود ارتُهنتا بالكامل للأجنبي، وأصبح وضع مقاتل حزب الله وحتى الشيعي الطائفي الأفغاني أفضل حالا من العنصر في جيش العصابة، فما بالك بحال المحتلين الروس والإيرانيين، ووصلت حالة التفسخ داخل العصابة إلى أن تستفرد كل قوة بمصادر تمويلها، وألا تصغي إلى قادتها، وإنما كل واحدة منها مهتمة بمنطقتها، وهو ما ينسف تماما أن العصابة تسيطر على نسبة كبيرة من سوريا، فالواقع هو أن ميليشيات العصابة المتعددة هي من تسيطر ولا يربطها مع قادة العصابة شيء ما دامت مستقلة بتمويلها وقرارها السياسي، حتى أنها تخذل بعضها في بعض حالات المواجهة مع الثوار، ودخلت بمواجهات دموية بين بعضها كما حصل بين قوات النمر وصقور الصحراء.

3 - قصص الأنفاق الواصلة بين المناطق المحررة والمناطق الخاضعة لسيطرة العصابة الطائفية تخضع في الغالب لتدخل وإدارة الميليشيات الطائفية المتفسخة عن العصابة الطائفية من الطرف الآخر، والواضح أن سياستها أبعد ما تكون عن سياسة العصابة في دمشق، وهو يعزز أن هذا التعفن سيدفع ثمنه باهظا من يغطي عليه.

التحدي اليوم ليس في هزيمة العصابة الطائفية ومَن وراءها، فهي هزمت يوم فشلت في التصدي لثورة الشعب، ويوم فشلت الميليشيات التي استجلبتها من حزب الله والفاطميين الأفغان والعراقيين، ويوم فشل الاحتلال الإيراني والروسي في وأد ثورة الأمة بالشام، التحدي الحقيقي هو في من يرث هذا الانهيار في حال الإعلان عنه رسميا، وهذا يتطلب وحدة حقيقية للثوار على الأرض ليثبتوا أنهم القادرون على توفير بديل مؤسساتي حقيقي يضمن ويكفل أن يكونوا الورثة {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ}.

وسوم: العدد 685