يا لثارات الحسين، فلنثأر لمقتل سبط الرسول لكن ممن؟

عبد الحسين الملا لعيبي

الثأر للحسين

كنت منذ الصغر استمع للرادود (القارىء) الحسيني عندما كنا نجتمع حول قدور(أواني) الطبخ وبعد ان ينهي محاضرته او النعي الذي تعودنا سماعه والبكاء من خلاله على مصيبة الحسين(ع). وكان هذا الرادود يصيح (يا لثارات الحسين) بصوت عال من خلال شريط مسجل كنا نستمع له في ذكرى عاشوراء ويكررها مرارا من يسمعه مصحوبة ببكاء وعويل! كنت أتمنى ان أكون من المشاركين بالثأر لأبي الأحرار. لكن أين أجدهم وهم إما قتلوا او ماتوا قبل اكثر من 1350 سنة مضت؟

والسؤال الذي كنت اطرحه على نفسي، لأني لا أتجرأ على طرحه على والدتي التي كانت تجهش بالبكاء حينما تستمع الى الرادود ولا تسكت الى ان تتعب. كنت اقول: إذا كان هؤلاء المجرمين القتلة الذين شاركوا بزهق اطهر الارواح آنذاك قد ماتوا أو قتلوا قبل قرون ولم يبق منهم حتى شواهد قبورهم، فلماذا يردد القارئ ويصر على الثأر من قتلة الحسين في حين ان الله قد ثأر له؟ وقبل ذلك وحسب ما قرأت في قصص الأولين: "ان رجلا ثائرا اسمه المختار الثقفي ومعه التوابين من اهل الكوفة الذين قاتلوا الحسين قد ندموا على ذلك مثل ما ندموا قبله على طعنهم الحسن بن علي وعلى استشهاد الامام علي(ع) على يد خائن فارسي كان قريبا من الامام(ع)، بل انه كان ربيبه كما تذكر المصادر التاريخية الشيعية. هؤلاء بعد أن تابوا وندموا على فعلتهم، أوغلوا في قتل المجرمين من اتباع يزيد وعبيد الله بن زياد وزبانيتهم ممن شاركوا في قتل الحسين(ع) وأبادوهم عن بكرة أبيهم. "والان يعرض مسلسل ايراني من (30) حلقة يسرد لنا القصة كاملة. كيف ان المختار لم يستثني منهم احدا! اذن السؤال : هل بقي منهم من عاش دهرا كعمر الخضر(ع) كي نقوم بملاحقته وقتله؟ واين هم الان؟ ومن اي البلاد؟ ولماذا ننادي بالثأر من مجهول؟ لماذا لا يشخص لنا علماؤنا القتلة ومن أية جنسية كانوا؟ لماذا يظل القاتل مجهولا غير معروف؟ وهل هو فعلا مجهول؟ ام ان الرادود ومَن وراءه يريدون أن نتهم شريحة بعينها ونحملها جريمة قتل الحسين ونثأر له منها؟

نقاط التفتيش والبحث عن قاتل الحسين

عندما نتجول في شوارع مدن العراق وخصوصا في بغداد، نجد انه لا تخلو نقطة تفتيش او سيارة شرطة او دبابة جيش او سطح وزارة أو دائرة أمنية او سياسية من لافتة او علم كتبت عليه بالخط العريض عبارة (يا لثارات الحسين) او عبارة أخرى (من لثارات الحسين؟)!! أؤكد على أني لم ولن اتجرأ لأسأل أي من عناصر الأمن او الجيش الذي يمتطي هذه العربة او تلك الدبابة، ولا يمكن ان ادخل الى وزارات الدولة واسأل وزيرها السؤال الذي يحيرني ويحير كل من يقرأ هذه العبارة: ممن نأخذ ثأر الحسين ومتى؟ لأنه بالتأكيد لا يعرف هو الآخر ولكنه يردد ما تريده إيران فقط لغاية في قلب الولي الفقيه.

البحث عن هوية القتلة

عودة الى العام 61 هـ

كل هذه التساؤلات، كنت ومازلت، اطرحها ويطرحها كل محبي أبي عبدالله. فنحن ننتظر وبشغف اليوم الذي يوجهنا به مراجعنا ويعطونا الضوء الأخضر للهجوم على قتلة الحسين والثأر منهم. ولكن قبل القيام بذلك يجب علينا أن نحدد مكانهم ونستدل على أسمائهم ومناصبهم ولأي عشيرة ينتمون!! وبما أنني لم أجد الإجابة الوافية الى الآن. ولان العمر يمضي سريعا والفضول يقتلني، فكيف أموت وبرقبتي دين لم أوفه وهو الثأر من قاتل أبي عبدالله؟.

لذا قررت ان ابحث بنفسي عن القاتل. ان استطعت ان اثأر منه فعلت، وان لم استطع يكفيني أنني سأقوم باكتشاف اسمه ومكانه، ربما سيأتي من بعدي رجال لديهم القدرة على الثأر وإحقاق الحق. لكن المهم يجب ان نعرف اسم القاتل وهويته، عملاً بأحكام الله العادل الذي يقول (ولا تزر وازرة وزر اخرى). وعندها نقتص من المجرمين الجناة وليس الانتقام حبا بالانتقام.

سأبدأ بالبحث عن القاتل الحقيقي، من هو وأين يسكن والى أي من المذاهب والأديان ينتمي؟ هو هل هو عراقي أم سعودي ام مصري ام ياباني ام امريكي؟ وهل يسكن في المريخ ولا نستطيع الوصول اليه؟

سأبحث عن ذلك وان وجدته اقسم بالله اني سأثار لابن الزهراء. وهل هناك شرف أجل واكبر من ان تثأر لسبط الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. إذن سأبحث ويجب ان أعود الى نقطة الصفر او يوم العاشر من محرم عام 61 للهجرة الذي نسميه يوم العاشوراء لأني لم أجد قتلة الحسين في هذا الزمان ولم يدلني عليهم احد. قررت أن ابحث في كتبنا نحن الشيعة عن العشائر والأشخاص الذين قاتلوا الحسين وقتلوه ومن هناك اعود تدريجيا الى الأحفاد لأطالبهم بدم الحسين حتى وان كان على الورق، المهم اني ابحث ولا انتظر ان يملي علي احد من الخارج.

سأرفع لواء يا لثارات الحسين واعود بالتاريخ الى الوراء الى عام 61 للهجرة. لننظر أولا الى جيش يزيد. من هم قادته؟ والى اي من القبائل والمذاهب ينتمون؟ ومن هم الذين ساهموا مساهمة مباشرة بقتل ابي الاحرار(ع). أرى الان جبهتين، واحدة مع الحق وعلى رأسها الحسين واخوه العباس(ع) وثلة خيرة من أصحابهما وآل بيتهما وفي الطرف المقابل ارى جيشا جرارا من المجرمين الذين يريدون استباحة دم ابن بنت الرسول(ص)!. لنترك جيش الحسين(ع) لأننا نعرفهم ونعرف ان مثواهم الجنة خالدين فيها ولنتعرف على المجرمين القتلة في الضفة الثانية كي نصل الى القرن الواحد والعشرين لنحاسب أحفاد أحفادهم حتى نثأر لشهيدنا السبط.

نبدأ من حيث يبدأ القارئ او الرادود حيث يقول: ان عبيد الله بن زياد الملقب بأبن مرجانة، كانت امه من بغاة الفرس، ووُلِـد سِـفاحا حسب اغلب الروايات. قدم هذا اللعين الى الكوفة التي بايعت الإمام الحسين(ع) في أكثر من ألف رسالة وفي رواية أخرى 40 الفا. كانوا يؤدون الصلاة وراء رسوله مسلم بن عقيل. ونظرا لكثرة عددهم كانت الصلاة تقام خارج أسوار الكوفة لان شوارعها لم تكن تستوعب هذا الكم الهائل من البشر (أعيان الشيعة 34:1)

تقول كتبنا ومنها كتاب (الحسين شهيدا): ان يزيد بن معاوية أرسل عبيد الله بن زياد ليأخذ البيعة من الحسين(ع) ثم من بعده من عبدالله بن الزبير(رض). قدم عبيد الله الى الكوفة، التي كانت تسكنها عشائر جميعها موالية للحسين(ع) وقبله كانت موالية لأبيه. وصل هذا المجرم الى الكوفة بجيش جرار قادما من الشام، وأرعب الكوفيين والموالين للإمام. كان قوام هذا الجيش ثلاثة عشر رجلا وامرأتين فقط و100 كيس مملوءة بالذهب والفضة! وتقول روايتنا ان حرس الباب كانوا يظنون ان القادم هو الحسين(ع) لانه كان ملثما. وهكذا أوهمهم ابن مرجانة بمكره الفارسي. ففتحوا له الأبواب ودخل قصر الإمارة محتميا بحاميته التي تتكون من 20 مقاتلا موالين ليزيد.

بدأ ابن مرجانة مسعاه لاستمالة للرجال وشيوخ القبائل ولكل من بايع الحسين(ع) عن طريق ابن عمه مسلم بن عقيل بتقديم العطايا والأموال. وبعد خمسة ايام من مكوث المجرم عبيد الله بن زياد في الكوفة أصبح عنده جيش من خمسة الاف مقاتل. وعلى رأس الجيش مجموعة كبيرة من أعيان الكوفة وفرسانها ممن كانوا يطلقون على أنفسهم لقب الموالين لآل علي(ع)!

بدأت أعداد المصلين وراء مسلم بن عقيل، رسول الحسين(ع) الى الكوفة، يتناقص ولا تغص بهم حارة من حواري الكوفة كما كان قبل ذلك، لا بل لا يمتلئ بهم مسجد صغير من مساجد الكوفة. عندها أطلق عبيد الله شعاره المشهور (مع يزيد والذهب في جيوبكم أم مع الحسين والسيف في صدوركم؟). وحسب روايات الشيعة كان يهددهم بأن جيش الشام على تخوم مدينة الكوفة سيدخلها ويقتل رجالها ويستحيي نساءها. فخاف القوم على أنفسهم. وبسبب كسلهم لم يفكروا بإرسال شخص ليستطلع الوضع ويتأكد ما إذا كان هناك جيش جرار ام أن عبيد الله كان يكذب ويراوغ كما معروف عنه! بعد 13 يوما من دخول ابن مرجانة وجيشه الجرار الى مدينة الكوفة تخاذل كل من بايع الحسين (ع)، حتى يقال ان مسلم بن عقيل كان يصلي وراءه حوالي خمسين شخصا من خاصة رجاله. وبعد انتهاء الصلاة والتسليم التفت يمينا وشمالا فلم يجد غير ثلاثة رجال، من بينهم الصحابي هاني بن عروة رض ومولى له ورجل كبير قال له مسلم بن عقيل: ما الذي يقعدك يا رجل؟ الا تخاف عبيد الله؟ فرد الشيخ وهو مطأطئ الرأس: أخافه يا مولاي، لكن خادمي تركني وهرب وأنا رجل مقعد!!

خيانة الموالين لابن عقيل بعد مبايعتهم له؟

يجب هنا ان نشير الى ان من خذل مسلم بن عقيل هم ليسوا من سكان محافظتي الموصل والانبار بل من أهالي مدينة الكوفة والقبائل التي حولها وسنشير الى اسمائها لاحقا. وهذه القبائل تنتشر في مدن الحيرة والبادية الجنوبية والتي تظم الان كلا من محافظات كربلاء والحلة والديوانية والسماوة.!!

نعود الى قصر عبيد الله بن زياد الذي بدأ يعج برؤساء القبائل واعيان الكوفة والذين كانو بالأمس يطلق عليهم لقب أعيان الشيعة. وبدأ ابن مرجانة بتوزيع الأموال وأعلن جائزة ثمينة قدرها 100 دينار ذهب لمن يسلم له مسلم بن عقيل حيا او ميتا! بدأ مناصرو الأمس ومطاردو اليوم بالبحث عن ابن عقيل الذي لم يجد من يعصمه منهم ويلوذ به إلا امرأة اسمها (طوعة). فبعد ان كان يؤم بالمصلين وأعدادهم بالألوف لم يجد له نصيرا يخرجه من الكوفة سالما سوى سيدة ادخلته بيتها وهي تقول يا ويلاه ابن رسول الله لا يجد له من يجيره ويحميه من القوم الكافرين.!

جثة بن عقيل تُسحل في شوارع الكوفة

بعد ان ضاقت السبل بمسلم بن عقيل طلبت منه امرأة حرة ان يدخل لبيتها ليتقي شر مناصريه السابقين. وفعلا بين أخذ و رد دخل بيتها. وقام ابنها بغدره وتسليم مستجيره الى أبن زياد الذي قال له: قبحك الله، والله لو استجار بي لأجرته. بالتاكيد فان أبن مرجانة كان يكذب لكن هو دهاء الفرس ومحاولة منهم لجعل انفسهم اهل كرم وشهامة على عكس العرب الذين يسلمون الى القتل من استجار بهم.

الشيء الأهم في قصة مسلم بن عقيل ان من قطع رأسه هو محمد بن الأشعث الذي كان يلازمه منذ دخوله الكوفة وسحبت (سحلت) جثته على يد انصاره الذين ارسلوا للحسين رسائل البيعة.

وقيل ان أبن عقيل طلب من قاتله بن الأشعث قبل أن يقطع رأسه، ان يسمح له بالصلاة لأن وقتها قد حان، رفض هذا المجرم طلبه قائلا باستهزاء: انتم في الجنة ولا تحتاجون الى الصلاة يا بن عقيل. نترك جثة الامام مسلم بن عقيل عليه من الله السلام وهي تسُحل في أسواق الكوفة التي تبعد اكثر من 210 كيلومترات عن الفلوجة. وفي تلك الايام كان المسافر يحتاج الى ثلاثة ايام للوصول اليها.!

قادة جيش عمر بن سعد

لنترك الكوفة والجريمة التي ارتكبت فيها، تلك الجريمة التي يندى لها جبين الانسانية، ونعرج الى تشكيلة الجيش الذي أرسل لمقاتلة الإمام الحسين(ع). نختصر الكثير من الأمور لندخل في الأهم أي أحداث يوم العاشر من محرم الذي قتل فيه الإمام وصحبه وآل بيته الأطهار، لكي نتعرف على هوية القتلة ومذاهبهم وعشائرهم.

كان والي الكوفة الذي أمر بقتل الحسين وأمير الجيش العرمرم لملاقاته على تخوم مدينة كربلاء هو عبيد الله بن زياد الملقب بابن مرجانة وهو فارسي الهوى والولاء لأن أمه (مرجانة)، كما تذكر كتبنا نحن الشيعة، من غواني الفرس وبغاتها، وقد ولدته من غير ان يعرف والده! أما نصف الجيش الذي قاتل الحسين عليه السلام كانوا من الفرس وسنعطيكم الادلة.

الامام علي(ع) وجلب الخوارج الى الكوفة

نترك ارض المعركة ونعود ثمانية عشر عاما الى الوراء لأهميتها. كان الإمام علي عليه السلام يقاتل الخوارج، وأهم معركتين وقعت في المدائن والنهروان. كان جميع سكنة هاتين المدينتين تقريبا من برجوازية الفرس حيث كانت المدائن عاصمة الفرس الشتوية أما النهروان فكانت عبارة عن اراض استقطعت ومنحت لكل فارسي يسكنها، لوقوعها على ضفاف نهر دجلة وفيها من الأراضي الخصبة ما لايوجد في ارض فارس نفسها. لذلك كان الفرس من الخوارج قد استولوا على هاتين المدينتين المهمتين في العراق حتى ان معركة القادسية التي قادها سعد بن ابي وقاص (رض) لم تستطيع إبادتهم لأن سعد وجيشه لاحق فلول الفرس الفارين الى ارض فارس ولم تسنح له الفرصة لتنظيف المدن العراقية المحتلة من قبل الفرس حتى لا يتشتت جهد الجيش، انطلاقا من مبدأ قتل الافعى من رأسها. وكان خافيا على هذا القائد حقيقة مرة عرفناها الان: لقد كانت الافعى في ذلك الزمن ذات رأسين ولم يكن لها ذنب!

بعد انتصار المسلمين وهزيمة كسرى وجيشه ارسل سكنة المدائن من الفرس المعروفين بدهائهم وفدا منهم للخليفة عمر بن الخطاب (رض) يطلبون الأمان والجار. فأجارهم الخليفة رغم بغضه المعروف للفرس. فرغم ما عرف عنه من الشدة كان يملك قلبا لينا طيبا لأن أخلاقه العربية لا تسمح له إلا أن يجير من استجاره حتى لو كان قاتله. وبالفعل فان قاتل عمر بن الخطاب (رض) هو الذي استجار به وسكن المدينة وسمح له الخليفة ان يصلي وراءه حتى غدره وهو المجرم الفارسي فيروز بن لؤلؤة لعنه الله. لذا فعندما قاتل الامام علي (ع) الخوارج الفرس ومن معهم من العرب الذين لم يدخل الاسلام بيوتهم ولا الايمان الى قلوبهم، عندما دارت رحى الحرب وانتصر الامام علي(ع) عليهم دخل معظمهم الاسلام ليس عن قناعة بل مرغمين خوفا من سيف ذو الفقار. وبنصيحة من صاحبه عثمان بن مضعون)رض(قام الامام علي بنقل اغلب الاسرى ومن رفع السيف بوجه الاسلام من هذه المناطق الحساسة واسكنهم وعوائلهم في الكوفة وجوارها لأتقاء شرهم من جهة ويتعلموا الدين الإسلامي من جهة اخرى.

إن مافعله علي بن ابي طالب(ع) هو الذي ادى الى مقتله على يد اللعين أبن ملجم الفارسي ايضا! وبعد ان استوطن الفرس الكوفة بدأوا يوهمون الناس من عرب المدينة المسلمين بتقواهم والتزامهم بالاسلام لكن في دواخلهم كانوا يحملون غلا وحقدا على علي بن ابي طالب وابنائه خاصة وعلى الإسلام والمسلمين والعرب عامة. اذن سكنة الكوفة كانوا خليطا من العرب والعجم، لكن العجم كانوا من أغنى أغنياء المدينة بسبب اموالهم الكثيرة وتجارتهم الكبيرة مقارنة بأهل الكوفة الاصليين الذين هم إما مزارعين او مقاتلين. فالامام علي(ع) كعادته مع أسراه اكرمهم ولم يصادر اموالهم بل نقلهم من مكان الى آخر علهم يتقون الله بالاسلام وينسون ماضيهم الوثني ويذوبون في المجتمع العربي المسلم الكريم. وليته لم يفعل ولم يستمع الى نصيحة اصحابه، لكن كما نقول دائما انها مشيئة الله سبحانه وتعالى.

العودة الى معركة الطف

نعود الى معركة الطف لنتحدث عن اغلب قادة المعركة ضد الامام الحسين. كان أمير الجيش هو المجرم عمر بن سعد بن ابي وقاص ويعتبر من اقرب اقرباء الإمام الحسين وابوه خال الرسول. اذا فهو ليس من عشيرة الدليم او زوبع ولم يكن من سكنة أبوغريب!

لنمعن النظر الى قادة الجيش وكبار القوم والفرسان الأشداء في جيش بن سعد وهم غالبيتهم من أعيان الكوفة ومن أصحاب الإمام علي عليه السلام وممن كان يطلق عليهم اسم الموالين او شيعة ابن ابي طالب وأهمهم (شمر بن ذو الجوشن ومحمد بن الأشعث وشبث بن ربعي، والقعقاع بن شَور الذهلي وحجار بن أبجر وخولي بن يزيد الأصبحي وعمرو بن جريث وسنان بن انس وزيد بن ورقاء وحكيم بن الطفيل وحرملة بن كاهل الاسدي واسحاق بن حيوه الخضرمي وابن حوزة).

اغلب هؤلاء قاتلوا مع الامام علي عليه السلام وناصروه ضد معاوية بن ابي سفيان في معركة صفين وكانوا من المقربين للامام وهؤلاء بأسثناء عبيد الله بن زياد وخدمه لم يأتوا من الشام ولم يكن بينهم أموي واحد. وهذا ليس دفاع عن يزيد بن معاوية فهو رأس الإجرام بقتل الحسين لانه يعتبر القائد العام للجند والمكلف من ابيه لادارة الدولة بعد وفاته.

لكن للتاريخ نقول انه ليس فيهم من هو من الشام او من الحجاز او مصر وليس فيهم من جاء من بوادي العراق كالانبار والموصل وغيرها. بل كل القادة الذين اشتركوا بقتل الحسين هم من أعيان الشيعة وموالي الامام علي(ع) ليس هذا فقط بل هم من اوغل بقتل سبط الرسول من دون خوف او وجل واليكم مافعل هؤلاء.

من اين جاء قتلة الحسين؟

قتلة الحسين(ع) هم من القبائل العربية التي سكنت الكوفة والتي لازال أحفادها يسكنون ومعهم الفرس الذين جاءوا من المدائن بعد ان خسروا الحرب مع الخليفة علي بن ابي طالب. سنقوم باستعراض وبإيجاز أهم الأسماء التي شاركت بقتل الحسين(ع) وهم من قادة الجيش ولهم عشائر ومذاهب معروفة وهم ممن كان يطلق عليهم لقب موالي علي بن ابي طالب كرم الله وجهه الشريف. والشيء الغريب في الأمر ان من حاصر الإمام الحسين(ع) وجاء به الى أرض المعركة مرغما هو الحر بن يزيد الرياحي وهو من صحابة الامام علي(ع) ومواليه. وقد ندم وتاب اثناء المعركة واستشهد وهو يدافع عن الحسين وعياله وله مزار في كربلاء يتوجه اليه الشيعة من كل حدب وصوب ولا يحمله أحد مسؤولية مقتل الحسين كونه تاب بعد ان رأى ان القوم فعلا قاتليه لكنه يعتبر تاريخيا الجزء الاساسي لهذه الابادة التي حصلت للحسين و75 رجلا من أهله وأصحابه لأنه قام بجر الحسين الى هذا المكان مرغما وهو مكان صحراوي لا زرع فيه ولا ضرع وقد فرق بينه وبين الماء الذي ينهمر من نهر الفرات!

وسيتبين لنا الان ممن سنأخذ ثأر الحسين ومن هم القتلة والأداة التي نفذت هذه الجريمة النكراء وبأوامر مباشرة من ابن مرجانة عبيدالله بن زياد والتي لم تكن اوامر شرعية او قانونية بل نفذوها طمعا بالمال والسلطان وليس خوفا من القتل او السجن.

اسماء القتلة المنفذين للجريمة

1. شمر بن ذي الجوشن احد القادة المجرمين القساة في جيش الكوفة وهو من قبيلة بني كلاب ومن رؤساء هوازن، كان قائد المشاة في حرب صفين مع الإمام علي عليه السلام وقد جلس على صدر الحسين(ع) وحز رأسه الشريف ورفعه الى السماء وقال اين من انزل القرآن على صدر جدك لينقذك مني! ولا زال أحفاده ومن جاء من نسله ونسل عشيرته يسكنون الكوفة وجوارها.

2. حرملة بن كاهل الاسدي، كان من ابرع الرماة الذين عرفتهم الكوفة وهو من قتل الطفل الرضيع عبدالله بن الحسين بسهم اخترق رقبته ولهذا اللعين قصة مع الامام علي عليه السلام، وصلت الى سمع الامام علي ان هناك شرذمه في جيشه خططت للإجهاز على اي رسول يأتي من معاوية لإثارة الفتنة وتشويه صورة الامام علي كقاتل للرسل فأرسل يطلب حرملة وقال له: هل تستطيع ان ترمي برسالتي هذه الى جيش معاوية فقال ومن غيري يستطيع يا أمير المؤمنين، كانت الرسالة عبارة عن تحذير لمعاوية بعدم ارسال الرسل والاكتفاء برمي الرسالة من خلال سهم؟

وفعلا كان هذا المجرم من أصحاب الامام علي والمقربين منه حتى استشهاده وبعدها كان على رأس الجيش الذي سار به الحسن بن علي عليه السلام وكان من المعارضين لتنازل الحسن عن الخلافة لصالح معاوية واضمرها بنفسه وانتقم بعدها من الحسين، والشعب العراقي يعرف جيدا من هم بنو اسد واين يسكنون وقطعا ان هذه القبيلة العربية الاصيلة ليس عليها جرم مافعل ابنها العاق لكن الطريف بالامر ان اغلب السياسيين المتصدرين للمشهد العراقي الان هم من      هذه العشيرة وممن يرفعون لواء الثأر لابي الاحرار!.

3. بن حوزة الكوفي والذي قال للحسين والله لن تشرب الماء حتى ترد النار عطشانا. كان بن حوزة من حفظة القرآن وممن سار مع الحسن بن علي(ع) لقتال معاوية وهو الذي اشتهر بترديده دائما هذا الكلام (ان الحسن خير من معاوية وابوه خير من ابي سفيان وامه خير من اكلة الكبود) وقد كان هو أحد الأشقياء في جيش الكوفة ممن قتلوا الحسين وسبوا نساءه. وبعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام كان بن حوزة من جملة من تطوع بأمر -عمر بن سعد- لرضّ جسد الحسين بالخيل.

4. اسحاق بن حيوه الخضرمي من أعيان الشيعة ومن جهز جيش الحسن بن علي بخمس من الإبل وعشرة من الخيل وسار معه لقتال معاوية وهو ايضا من اوائل من بايع مسلم بن عقيل على ان يكون الخليفة للمسلمين هو الحسين بن علي بن ابي طالب لكن وبعد استشهاد الحسين سلبه ثوبه ورض جسده بالخيل وعندما سئل عن سبب ذلك قال اما الثوب فهو للتبرك فهذا ثوب ابن بنت رسول الله واما رض جسده الطاهر فهي نشوة النصر والعصبية الجاهلية قد عادت الي.

5. حكيم بن الطفيل وهو الذي كمن للعباس بن ابي طالب وقطع يده اليمنى وكان من اهل الكوفة ومن شيعة الامام علي(ع) ومن قاتل تحت رايته وهو من قام بقطع اصبع ابي عبدالله ليسرق خاتمه بعد ان استعصى عليه نزعه!.

6. خولي بن يزيد الأصبحي من اعيان الكوفة وعندما حز بن ذي الجوشن رأس الحسين قال له لقد نلت جائزتك فأعطنا الرأس لنبشر ابن زياد لننال جائزتنا منه وفعلا ذهب هو وحميد بن مسلم الأزدي ايضا من أعيان الكوفة، وكان بيته ملاصق لبيت علي بن ابي طالب(ع)، بالرأس إلى ابن زياد ونالا 100 قطة من الذهب لكل منهم.

7. سنان بن انس وكان من القلة القليلة التي عادت مع الحسن وأيدته بعد تنازله عن الخلافه لصالح معاوية وكان يقول له انت بن علي وسبط الرسول ما تقوله حق وما يقال غير ذلك باطل. وهذا الرجل قام بضرب الحسين(ع) برمح طويل وأسقطه من حصانه ثم طالب بن زياد بجائزة لفعلته الشنيعة هذه.

8. شبث بن ربعي كان امين سر الامام علي عليه السلام وهو شيخ قبيلة بني تميم في الكوفة وممن كتب للحسين(ع) يدعوه للقدوم الى الكوفة وكان من وجهاء الكوفة المعروفين ومواليا لعلي والحسن وقد ارسله الامام علي(ع) هو والصحابي عدي بن حاتم الطائي الى معاوية ليعيداه لطاعة خليفة المؤمنين الشرعي وقد قاتل بين يدي علي بن ابي طالب في صفين والنهروان ضد الخوارج واثناء المعركة خاطبه الحسين عليه السلام قائلا (ياشبث بن ربعي الم تكتب لي ان قد اينعت الثمار واخضر الجناب وانما تقدم على جند لك مجندة راجع (كتاب انساب الاشراف وبحار الانوار وجاء فيه ان اسمه قيس بن أشعث) وقد اشترك قيس هذا بقتل الحسين وبعدها قام ببناء مسجد صغير بالكوفة شكرا لله وسرورا بمقتل الحسين ثم خرج بعد ذلك مع المختار مطالبا بثأر الحسين(ع) وصار رئيسا لشرطة المختار الذي اصبح والي على(ع) الكوفة ثم شارك مع من خرج ضد المختار وكان مشارك اساسي بقتله بحجة ان المختار بغى وتجبر وأوغل في قتل كل من يعارضه بحجة الثأر للحسين.

سبي النساء وخطبة السيدة زينب في الكوفة

عرفنا الان من هم القتلة ومن اين ينحدرون ومن اي المدن جاؤوا ومن هم رؤساء القبائل من سكنة الكوفة وماحولها من المناطق وتعرفنا على من جاء بهم الامام علي(ع) من المدائن والنهروان واسكنهم الكوفة من العجم الذين خسروا الحرب ولم نجد بينهم أحدا من قبائل الدليم او النعيم ولم يكونوا من سكنة اي منطقة من مناطق العراق التي يطلق عليها تسمية المناطق السنية! فلمن نرفع الرايات الموسومة بعبارة الثأر والثأر ممن؟ لقد عرفنا ان من خان وقتل الحسين(ع) وسبى نسائه وروع اطفاله هم من مواليه وشيعة ابيه وبشهادة كتبنا التاريخية نحن الشيعة.

لنتحدث عن السبايا بعد المعركة. كان هناك طريقان يصلان الكوفة بالشام في تلك الايام، وكان لزاما على القتلة اخذ الاسرى او من بقي منهم وعلى رأسهم علي بن الحسين وكان عليلا والسيدة زينب بنت علي(ع) وثلاثون اسيرا بين امرأة وطفل صغير الى دمشق لتسليمهم الى يزيد ليقرر مايفعل بشأنهم.

في الكوفة وبعد ان نظرت السيدة زينب بنت علي الجمع الذي احيط بهم وكانت تعرف اغلبهم لأنهم من صحابة آبيها وقد سكنت الكوفة مع ابيها مدة خلافته، فنهضت وكانت معروفة بقوة شخصيتها وصلابة موقفها فخطبت بالناس قائلة: الحمد الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله - اما بعد يا اهل الكوفة يا اهل الختل والغدر، والخذل!! ألا فلا رقأت العبرة ولا هدأت الزفرة، انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم هل فيكم الا الصلف والعجب، والشنف والكذب، وملق الإماء وغمز الأعداء او كمرعى على دمنة او كفضة على ملحودة الا بئس ما قدمت لكم أنفسكم ان سخط الله عليكم وفي العذاب انتم خالدون، أتبكون أخي؟! اجل والله فابكوا فإنكم أحرى بالبكاء فابكوا كثيرا، واضحكوا قليلا، فقد ابليتم بعارها، ومنيتم بشنارها ولن ترحضوا ابدا وانى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة، وسيد شباب اهل الجنة، وملاذ حربكم، ومعاذ حزبكم ومقر سلمكم، واسى كلمكم ومفزع نازلتكم، والمرجع اليه عند مقاتلتكم ومدرة حججكم ومنار محجتكم، الاساء ما قدمت لكم انفسكم، وساء ما تزرون ليوم بعثكم، فتعسا تعسا! ونكسا نكسا! لقد خاب السعي، وتبت الايدي، وخسرت الصفة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة، اتدرون ويلكم اي كبد لمحمد صلى الله عليه وآله فرثتم؟! واي عهد نكثتم؟! واي كريمة له ابرزتم؟! واي حرمة له هتكتم؟! واي دم له سفكتم؟! لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا! لقد جئتم بها شوهاء صلعاء، عنقاء، سوداء، فقماء خرقاء كطلاع الارض، او ملا السماء.

مسير السبايا ومحاولة اهل نينوى تحريرهن

نزلت السبايا ثلاث ليالي في الكوفة وقد أمر ابن زياد ان تهيأ قافلة مع حرس من نصف الجيش المشارك بالمجزرة للخروج الى الشام ليسلموا الأسرى الى يزيد بن معاوية. كان رأس الحسين معلقا مع رؤوس أهله وصحبه على رؤوس الرماح. لم يعترض على هذا المنظر البشع غير الانساني أي من شيوخ واعيان الكوفة وخاصة من الذين بقوا في المدينة ولم يشاركوا في القتال. في الوقت الذي كانت السبايا في سجن الكوفة كان اهل الكوفة يرقصون حتى الصباح احتفاءً بالنصر العظيم الذي حققوه على آل بيت النبوة! وبعد ان سارت القافلة بالسبايا وعلى رأسهم الشمر وعمر بن سعد ومجموعة من القتلة اتفقوا على ان لا يمروا عن طريق الأنبار وهو الأقرب للشام. والسبب الذي دعاهم لهذه الفكرة هو ان القبائل المتواجدة هناك هم ممن نصر علي بن ابي طالب في معركة صفين فاذا ما سمعوا بأمر السبايا سيتعرضون لجيش يزيد ويحررونهم ويقتلون كل من يحمل السيف في القافلة! (والجميع يعرف من هي القبائل التي تسكن تلك الأراضي والتي رفض القتلة المرور منها الى الشام واختاروا الطريق الأطول والآمن كما يظنون. ان سكنة تلك الأرض سادتي ليسوا بالتأكيد من بني أسد ولا من بني مالك بل هم قبائل لازالت تسكن هذه الأرض وتسمى الدليم وزوبع والجبور والجنابات وجميل وغيرهم من القبائل العربية الأصيلة!!).

أتفق المجرمون على المسير بحرم الحسين السبايا عن طريق تكريت نينوى مرورا بما تسمى الان بناحية ربيعة (وكما مبين بالخريطة التوضيحية المرفقة) ولو طال بهم السفر عدة ايام فأنه اسلم لهم، وفعلا توجهوا بهذا الطريق الطويل. وبعد مسير خمسة ايام وصلوا الى نينوى وهناك علمت القبائل العربية البعيدة جدا عن موقع الحادثة والتي لم تعاشر الامام علي ولم تقاتل مع الحسن بن علي، عندما علموا بأمر السبايا وعرفوا انهم من آل بيت الرسول وحرم سبطه الحسين غارت هذه القبائل رغم قلة عددها وعدتها مقارنة بجيش بن سعد المجهز بكل انواع الأسلحة والمؤن والخيل المدرب والمقاتلين المتمرسين ودارت معركة استمرت ساعات تكبد الطرفان خسائر كبيرة وارغمت هذه العشائر جيش بن سعد على التقهقر والاستمرار بالمسير الى بلاد (الترك) البيزنطة ومنها دخلوا الى سورية وهذه ليست حكاية من قصص الف ليلة وليلى بل هي حادثة تاريخية رواها الثقات وموجودة في كتب الاولين وقد استمر مسير السبايا 29 يوم حتى وصلوا الى الشام.

الخلاصة :

نود ان نبين للقارئ الكريم وخصوصا أهلنا من الجعفرية العرب ممن خدعوا بكلام بعض المشايخ التي تصور لهم أن ثأر الحسين يجب ان يؤخذ من المسلمين السنة. والحقيقة المرة والتاريخية التي يجب ان لا ينكرها احد هي ان من خذل الحسين وخانه وقتله هم اهل الكوفة وليسوا اهل الانبار!

اذا على جميع نقاط التفتيش والدوريات العسكرية والأمنية ان تتوجه الى الكوفة وتأخذ ثأرها من قاتلي ابي عبدالله(ع) ان بقي احد منهم على قيد الحياة وعلى كل المراجع العربية الأصيلة ان تنبه الناس على ان الرايات التي ترفع فوق السيارات العسكرية وسيارات الشرطة هي حق يراد به باطل واداة للفتنة الطائفية التي ينبذها مجتمعنا. فالتاريخ يشهد وقد كتب بكل حرف منه من هم الذين قتلوا الحسين او شاركوا بقتله او حتى خذلوه ونكثوا بعهودهم معه.

فيا عُقال الشيعة ومراجعهم العرب إنكم تعرفون ان ايران لا تريد لنا الخير وهذه المصطلحات التي تطلقها هي فتنة يراد بها تخريب البلاد والعباد. نحن نعلم ان ايران عندما تذكر مقتل الحسين فهي تقول (لعن الله امة قتلتك) وتقصد بها امة محمد (ص) بخيرها وشرها وهي لا تخصص القتلة فقط. وحينما يرد ذكر قاتل الامام علي بن ابي طالب(ع) فهي تقول (لعن الله من قتلك يا ابا الحسنين) لان القاتل فارسي ولا تريد ايران ان تلعن نفسها! 

وسوم: العدد 690