أحلام كمان وكمان!

د. عبد السلام البسيوني

جعل ابن سيرين لكل رمز من الرموز التي يراها النائم في منامه معنى يدل عليه - كما يقول سمير حلبي - في سياق الجو الذي يحيط به، والملابسات والحوادث التي يظهر من خلالها؛ فمن رأى أنه دخل الجنة، فإنه يدخلها، وهي بشارة له بما تقدم من صالح الأعمال، فإن رأى أنه يأكل ثمارها، أو أعطاها غيره فإن ثمار الجنة كلام طيب، مثل كلام البر والخير.

أما رؤيا المطر فإنها دليل غيث ورحمة، وكذلك الغمام، فإن كان خاصاً في موضع دار أو محلة دون غيرها كان ذلك أوجاعاً أو أمراضاً، أو خسارة في الدنيا تقع بأهل ذلك الموضع. والحية عدو كاتم العداوة، مبالغ فيها بقدر عِظَم الحية، وهيبتها في المنظر.  

والنحور في التأويل هداية. والظلمة ضلال. والطريق طريق الحق، والميل عنه ميل إلى الباطل. والأسد عدو متسلط ذو سلطان وبأس شديد. أما الكلب فعدو غير بالغ في عدواته، وقد ينقلب صديقاً، ولكنه دنيء النفس قليل المروءة.

ولنأخذ وقفة تعبيرية ثانية مع الإمام ابن سيرين، لنلمح قدرته العجيبة في التأويل:

جاءه رجلٌ فقال: إنه رأى نفسه يدق بيضاً من رؤوسها، فيأخذ بياضها، ويتحرك صفارها، فقال ابن سيرين: قل للرجل يأتيني لأعبرها له، قال: أبلغه عنك ذلك، قال: لا. ثم كرر عوده إليه مراراً، وهو يقول كذلك، حتى قال في آخر الأمر:

أنا الذي رأيته، فاستحلفه بالله، واستوثق منه.. ثم أمر أحد أصحابه أن يأتيه بأحد من الشرطة ليحمله إليه، ويعرفه بأنه نباش الموتى، وسارق أكفانهم..

فقال الرجل: أشهدك أني تبت إلى الله، ولا أعود لذلك!

وأتت امرأة ابن سيرين فقالت: رأيت كأني قتلت زوجي مع قوم. فقال لها: إنك حملت زوجك على إثم، فاتقي الله عز وجل، قالت: صدقت!

جاءه رجلٌ فقال: رأيت كأني عمدت إلى أصل زيتون فعصرته، وشربت ماءه، فقال له: رؤياك تدل على أن امرأتك أختك من الرضاعة! ففتش، فكان الأمر كما قال.

وأتاه رجل فقال: رأيت كأني أؤذن، فقال: تحج. وأتاه آخر فقال: رأيت كأني أؤذن، فقال: تقطع يدك! قيل له: كيف فرقت بينهما، فقال: رأيت للأول سيما حسنة فأولتها (وأذن في الناس بالحج) ورأيت للثاني سيما غير صالحة فأولت (ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون)!

وأتاه رجل فقال: خطبت امرأة فرأيتها في المنام سوداء قصيرة، فقال: أما سوادها فمالها، وأما قصرها فقصر عمرها! فلم تلبث إلا قليلاً حتى ماتت، وورثها الرجل!

وحكي أن امرأة رأت كأنها دفنت ثلاثة ألوية، فأتت أمها ابن سيرين، فقصت رؤياها عليه، فقال: إن صدقت الرؤيا تزوجت ابنتك ثلاثة من الأشراف، كلهم يقتل عنها! فكان كذلك.

وأتاه رجل فقال: رأيت كأن لي ثدياً عظيماً قد بلغ الغاية، فقال: إنك تزني بمحرم؛ وذلك لأن الثدي منه، ومن جلده، وذلك محرم!

وأتاه رجل فقال: رأيت كأني قابض على لحية عمي، وقرضتها حتى استأصلتها، فقال: إنك تأكل ميراث عمك، ولا يكون له وارث غيرك؛ فإن تناولت منها شيئاً ورثت بقدر ذلك!

وحكي أن امرأة رأت كأن في حجرها مصحفاً، وهي تقرأ منه، فجاءت فروجتان يلتقطان كل كتابة فيه، حتى استوفتا جميع كتابته أكلاً، فقصت رؤياها على ابن سيرين، فقال: ستلدين ابنين يحفظان القرآن، فكان كذلك.

جاءه رجلٌ فقال: رأيت في أذن امرأتي حلقة نصفها ذهب ونصفها فضة، فقال: ألك زوجة؟ قال: نعم؛ فقال: لعلك طلقتها طلقتين، وبقيت عليك واحدة! فقال الرجل: نعم هي كذلك.

وجاءه رجلٌ فقال: رأيت كأنني على حمار، ولا يزال يلقيني في ماء وطحين، ثم رأيت جارية اسمها عقبة، فأردفتها خلفي. فقال ابن سيرين: تعقب ذرية إن شاء الله.

وسئل ابن سيرين عن رجل أخذ جرةً، وأوثق فيها حبلاً، وأدلاها في بئر، فلما امتلأت الجرة انحل الحبل، وسقطت الجرة، فقال: الحبل ميثاق، والجرة امرأة، والماء فتنة، والبئر مكر. وهذا الرجل بعثه صاحبٌ له يخطب له امرأة، فمكر الرجل، وتزوجها!

وقال له رجل: رأيت فخذي حمراء، وعليها شعر نابت، وأمرت رجلاً فقص ذلك الشعر. قال: أنت رجلٌ عليك دين، يؤديه عنك رجلٌ من قرابتك.

وجاءه رجلٌ فقال: رأيت كأني استسقيت، فأُتيت بقدح ماء، فوضعته على كفي، فانكسر القدح، وبقي الماء في كفي، فقال له: اتق الله فإنك لم تر شيئاً..

فقال الرجل: سبحان الله؛ أقص عليك الرؤيا وتقول: لم تر شيئاً؟!

فقال له ابن سيرين: إنه من كذب فليس علي من كذبه شيء، إن كنت رأيت هذا فستلد امرأتك، وتموت، ويبقى الولد على يدك..

قال الراوي: فما لبث الرجل غير كثير، حتى ولدت امرأته غلاماً، وماتت، وبقي الغلام.

وحكي أن بعض الناس رأى كأن الله كساه ثوبين، فلبسهما مكانه. فسأل ابن سيرين، فقال له:

استعد لبلاء من الله! فلم يلبث أن جُذم إلى أن لقي الله تعالى.

وقال له رجل: رأيت كأن رجلاً قائماً وسط المسجد متجرداً، بيده سيف، يضرب به صخرة فيفلقها، فقال له ابن سيرين: ينبغي أن يكون هذا الرجل الحسن البصري، فقال الرجل: هو والله هو!

فقال ابن سيرين: قد علمت أنه الذي تجرد في الدين - يعني لموضع المسجد - وأن سيفه الذي كان يضرب به، هو لسانه الذي يفلق بكلامه الحجر بالحق في الدين.

رأى ابن سيرين كأن الجوزاء تقدمت الثريا، فأخذ في وصيته، فقال: يموت الحسن البصري، وأموت بعده، هو أشرف مني.

وقال له رجل: إني رأيت كأني ألعق عسلاً من جام من جوهر، فقال: اتق الله وعاود القرآن؛ فإنك رجل قرأت القرآن، ثم نسيته.

وقال رجل: رأيت كأني أحرث أرضاً لا تنبت، فقال: أنت رجل تعزل عن امرأتك.

وقال رجل: رأيت في المنام كأني أغسل ثوبي، وهو لا ينقى، فقال له: أنت رجل مصارمٌ لأخيك.

مش كفاية أحلام؟ واللا نقول كمان؟!...

وسوم: العدد 694