إسلام وجاهلية

[إنّه عنوان الفقرة الأولى من المقال الافتتاحي لمجلة "حضارة الإسلام" – حزيران 1961م، التي كان يرأس تحريرها آنذاك الدكتور مصطفى السباعي، وكاتب المقال ليس سيّد قطب أو أبو الأعلى المودودي، وإنما هو محب الدين الخطيب. رحم الله السباعي وقطب والمودودي والخطيب]

من المسلمين من يحسب أن عهد الجاهلية انقضى بظهور الإسلام وغلبته على ما كان يسمى "جاهلية" في جزيرة العرب. ونحن نرى أن الجاهلية ما برحت قائمة في الأرض، إلى أن يعم نظام الإسلام جميع أرجائها، وسيكون ذلك –إن شاء الله- يوم يرجع المسلمون بأنفسهم إلى إسلامهم، فتبصره الأمم مترجماً، لا في الكتب والمجلات والصحف، بل في سيرة المسلمين وتعاملهم بنظام الإسلام فيما بينهم وبين أنفسهم، وفيما بينهم وبين غيرهم.

إن الإنسانية ما برحت تتقلب – من العصر المحمدي إلى يوم الناس هذا – بين نظامين:

أحدهما نظام الفطرة الذي ينبض بحيوية الحق والخير، وهو الذي قامت عليه مبادئ الإسلام وسننه واتجاهاته في الاقتناعات العقلية والنفسية، وفي العبادات القلبية والبدنية والمالية، وفي الأخلاق الفردية والملية، وفي الروابط الأدبية والاجتماعية، وفي تعامل الناس وتعاونهم في بيوتهم، وأنديتهم، وأسواقهم في محاكمهم، وأحكامهم ثم في مجالات سلمهم وحربهم.

إن مجموع ذلك يسمى إسلاماً، وبمقدار ما يتقيد به المجتمع الإسلامي في معاملاته مع أهله ومع غيرهم يرتفع مستوى هذا المجتمع في إنسانيته أو ينخفض.

وهو بمجموعه كلّ لا يتجزأ، ولا يستغنى ببعضه عن سائره: فطرة الله التي فطر الناس عليها. وعليه مدار نصوص الإسلام الأصلية في كتاب الله، والصحيح من السنة المحمدية، وإجماع أهل الإجماع من أئمة المسلمين وأعلامهم وعلمائهم.

هذا أحد النظامين اللذين ما برحت الإنسانية تتقلب بينهم منذ العصر المحمدي.

ويقابله كل ما باينه أو عارضه من الأنظمة الأخرى، على اختلاف مصادرها وألوانها، وتنوع أزمنتها وبيئاتها. إنها – في نظر الإسلام- أنظمة جاهلية، سبقت الإسلام في زمن وجودها، أو ظهرت بعده للوجود. والمسلمون لا ينبغي لهم أن يعتاضوا بشيء منها عن شيء من عناصر النظام الإسلامي.

وسوم: العدد 697