ما تزال «حلب» ترفع الاذان

كان مما وصف به «حافظ ابراهيم» شاعر مصر العظيم ابناء سوريا قوله:

رادوا المناهل في الدنيا وان وجدوا 

الى المجرّة ركباً صاعداً ركبوا

أو قيل في الشمس للراجين منتجع

مدّوا لها سبباً في الجو وانتدبوا

كما كان من محبّته لهم أن جعل لهم شطر المجد حين قال:

لمصر أم لربوع الشام تنتسب

هنا العلا, وهناك المجد والحسب

والسؤال الان: ما الذي يمكن لشاعر النيل ان يقول اليوم لو بعثه الله بين خرائب حلب واشلاء اطفالها وشيوخها ونسائها؟

هل كان سيكتب قصيدة باكية في «العروبة» التي استباحها الاعاجم والعلوج, ام كان سينسج على منوال أبي فراس الحمداني اذ يقول:

اذا ما خفت من اخوالي الروم خطّة

تخوّفت من أعماقي الفرس اربعا

أم كان سيردد قول المتنبي:

وسوى الروم خلف ظهرك روم

فعلى أي جانبيك تميل

أم كان سيلوذ بالصمت حين يرى أن «حلب» قد خُسف بها فوق ما خسف بـ»ميسنا» الايطالية التي وصف مأساتها في شعره اثر ثورة البركان بها, وأنها ما تزال تنطق العربية وترفع الاذان على الرغم من كل ما اصابها, وأن ثمة اطفالاً يولدون بين اطلالها, وصيحات حرّية تطلق فتتجاوب بها الافاق وتتصادى بها الرياح, وأن بلاغة الصمت المعتبر هي وحدها الكفيلة تدرك ما تعنيه حلب في ما تبلوه اليوم وفيما سيكون غداً وبعد غد منها, وفيما سيبعثه عطر الشهادة فيها من عزائم ووعود وارادات.

ان من افدح حماقات الطغاة انهم يتصورون ان لهم القدرة (ذاتية كانت أو مجتلبة) على قهر الشعوب, وكم كان ابو القاسم الشابي عميق الادراك لهذه الحقيقة حين قال:

اذا الشعب يوما اراد الحياة

فلا بد ان يستجيب القدر

ولا بد لليل ان ينجلي

ولا بد للقيد أن ينكسر

رحم الله حافظ ابراهيم, ورحم الله ابا فراس الحمداني, ورحم الله المتنبي ورحم الله ابا القاسم الشابي.. لكأنهم كانوا يكتبون اشعارهم ليومنا هذا, ولكأنهم كانوا يرون, بعين البصيرة كيف تغشّت العجمة والرطانة العربية الشريفة في مواطنها, وكيف لعب جهّال الامة بها, وتنطّسوا (أي برعوا) في تعذيبها..

على أن ما قضت به سنن الله في عباده أنه اذا كان للباطل جولة فإن للحق جولات, وإن فجر أمتنا, وإن ارخى الليل الغاشم سدوله الثقيلات, لا بد آت..

وسوم: العدد 700