أحلام عن أحلام تِفرِق!

د. عبد السلام البسيوني

أنا رجل أرفض تماماً أن تتدخل الأحلام والأوهام في حياة الناس، لتوجهها وتحكمها تحت مقولة (أنا شفت رؤيا اللهم اجعله خير/ أنا شفت امبارح حلم فظيع.. جاني كابوس/ أما حتة حلم.. إلخ)، خصوصاً وقد رأيت نصف السيدات اللواتي يتصلن بي لا يتصلن إلا لتفسير حلم – وأنا والله لا أفقه في هذا الباب شيئاً، وأعتبر التأويل ظناً ورجماً بالغيب – معتقدات أن حياتهن ستتوقف على تفسيره، وكأن سنن الله غير موجودة، وكأننا يمكن أن تحكمنا المنامات!

لكنني أيضاً لا أنكرها ولا أرفضها، بل إنها من علوم الأنبياء والصالحين، ومن المبشرات - إن كانت طيبة - ومن الكواشف أو المنبهات إن كانت غير ذلك..

ومن أعظم من اشتهر بالتأويل سيدنا يوسف عليه السلام، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أمة محمد صلى الله عليه وسلم: التابعي الجليل محمد بن سيرين الذي كانت له فتوح وتأويلات للرؤى عجيبة، ليسمح لي قارئي أن أسوق بعض طريفها في هذه المقالة، حتى أجمع قواي لمواصلة الحديث عن الظرفاء. فاقرأ معي وتأمل كيف أوتي هذا الرجل علماً عجيباً:

* حكي أن رجلاً أتى ابن سيرين فقال رأيت كأني أبول دماً، فقال: اتق الله فإنك تأتي امرأتك وهي حائض! قال: نعم.

* وحكي أن رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأن في يدي رقاقتين آكل من هذه، ومن هذه، فقال: أنت رجل تجمع بين الأختين.

* وحكي أن رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأن على مائدتي سمكة، آكل أنا وخادمي منها، من ظهرها وبطنها، قال: فتش خادمك؛ فإنه يصيب من أهلك، ففتش خادمه، فإذا هو يواعد امرأة الرجل وتواعده.

* وسئل ابن سيرين عن رجل رأى أن يمينه أطول من يساره، فقال: هذا رجل يبذل المعروف، ويصل الرحم.

* وأتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت كأني أصلي وآكل الخبيص في الصلاة، فقال الخبيص حلال، ولا يحل أكله في الصلاة، وأنت تقبل امرأتك وأنت صائم فلا تفعل (مع علمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، وعلمي كذلك بخلاف الفقهاء في القضية).

* وحكي أن رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأني أشرب من قلة لها رأسان، أحدهما عذب والآخر مالح، فقال: اتق الله؛ فإنك تختلف إلى أخت امرأتك.

* وحكي أن رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأني أمشي في نعلي، فانقطع شسع إحداهما فتركتها، ومضيت على حالي، فقال له: ألك أخ غائب؟ قال: نعم، قال: خرجتما إلى الأرض معاً، فتركته هناك ورجعت؟ قال: نعم، فاسترجع ابن سيرين وقال: ما أرى أخاك إلا قد فارق الدنيا! فورد نعيه عن قريب!

* وأتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت امرأة مذبوحة وسط بيتها، تضطرب على فراشها، فقال له ابن سيرين: ينبغي أن تكون هذه المرأة قد نكحت على فراشها، في هذه الليلة! وكان الرجل أخا المرأة، وكان زوجها غائباً، فقام الرجل من عند ابن سيرين، وهو مغضب مضمر لأخته الشر، فأتى بيته، فإذا بجارية أخته وقد أتته بهدية، وقالت: إن سيدي قدم البارحة من السفر ففرح الرجل، وزال عنه الغضب.

* وحكي أن رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأنني على فيل، فقال ابن سيرين:  الفيل ليس من مراكب المسلمين، أخاف أنك على غير الإسلام.

* وأتى ابن سيرين رجلٌ فقال: رأيت امرأة من أهلي كأن بين ثدييها إناء من لبن، كلما رفعته إلى فيها لتشرب أعجلها البول، فوضعته، ثم ذهبت فبالت، فقال: هذه امرأة مسلمة صالحة، وهي على الفطرة، وهي تشتهي الرجال، وتنظر إليهم، فاتقوا الله وزوجوها، فكان كذلك!

* وأتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت كأني أجزي الثعلب أحسن جزاء، فقال: جزيت ما لا يُجزى، اتق الله، أنت رجل كذوب!

* وحكي أن رجلاً أتى ابن سيرين فقال: إني رأيت في المنام كأني أقرأ سورة النصر، فقال: عليك بالوصية فقد جاء أجلك؛ فقال الرجل: ولم؟ قال: لأنها آخر سورة نزلت من السماء (وهذا رأي غير دقيق، ولكنها كانت – كما تأولها حبر الأمة - إيذاناً بأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أوفق في المعنى).

* وحكي أن رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأني وطئت فأرة، خرجت من استها تمرة، فقال: لك امرأة فاسقة، تلد لك ولداً صالحاً.

* وأتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت كأن دابة كلمتني، فقال له: إنك ميت، وتلا قوله تعالى: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم) فمات الرجل من يومه ذلك.

* وجاءه آخر فقال: رأيت كأني أثقب لؤلؤة، فقال: ألك أم؟ قال: نعم، كانت حرة وسبيت؟ فقال: نعم، قال فلك جارية اشتريتها من السبي؟ قال: نعم، قال اتق الله؛ فأمك هي!

* وحكي أن رجلاً قال لابن سيرين: رأيت كأني أصب الزيت في أصل شجرة الزيتون، فقال له: ما قصتك؟ قال: سبيت وأنا صبي صغير، فأُعتقت وبلغت مبلغ الرجال، قال: فهل لك امرأة؟ قال: لا، ولكني اشتريت جارية. قال: انظر فإنها أمك! فرجع الرجل من عنده، وما زال يفتش عن أحوال الجارية حتى وجدها أمه!

* وحكي أن رجلاً أتى محمد بن سيرين فقال: رأيت كأن في يدي جرو أسد، وأنا أحتضنه، فلما رأى ابن سيرين سوء حاله، ولم يره لذلك أهلاً، فقال: ما شأنك وشأن بني الأمراء - لما رأى من رثاثة حاله - ثم قال: لعل امرأتك ترضع ولد رجل من الأمراء؟ فقال الرجل: أي والله.

* وحكي أن رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت رجلين يدخلان في أفواههما اللؤلؤ، فيخرج أحدهما أصغر مما أدخله، ويخرج الآخر أكبر منه، فقال: أما ما رأيته يخرج صغيراً فإنك رأيتها لي، وأنا أحدث بما أسمعه، وأما من رأيته يخرج كبيراً فرأيته للحسن البصري ولعبادة، يحدثان بأكثرَ مما سمعاه.

* وحكي أن رجلاً أتى ابن سيرين، فقال: رأيت كأني في سفينة سوداء، لم يبق منها إلا الحبال.. فقال له: أنت رجل لم يبق من دينك إلا الخلاص!

* وحكي أن رجلاً أتى ابن سيرين، فقال: رأيت كأني على دابة، وأخذت في مضيق، فبقي السرج فيه وتخلصت أنا والدابة.

فقال ابن سيرين: بئس الرجل أنت، إنه يعرض لك أمر تخذل فيه امرأتك! فلم يلبث الرجل أن سافر مع امرأته، فقطع عليه اللصوص الطريق، فخلى امرأته في أيديهم، وأفلت بنفسه.

* وحكي أن رجلاً أتى ابن سيرين فذكر له أنه ينكح أمه، فلما فرغ منها نكح أخته - وكأن يمينه قطعت - فكتب ابن سيرين جوابه في رقعة حياء من أن يكلم الرجل بذلك، فلما سئل بعد، قال: فقال هذا عاق، قاطع للرحم، بخيل بالمعروف، مسيء إلى والدته وأخته!

وسوم: العدد 703