عائلة كريمة كل من فيها عظيم

الشيخ حسن عبد الحميد

رجلان وإمرأة  ، أب وابنه وابنته !!

أما الأب فمفاخره ملأت دنيا العروبة والإسلام ، إنه حاتم  الطائي  ، اشتهر بكرمه وأشعاره وجوده ، ولد في فترة ماقبل الإسلام وكان مسيحيا ، زار الشام فتزوج ماوية بنت حجر الغسانية ، قيل أنه توفي قبل هجرة الرسول ب ٤٦ عاما 

 كان فارسا وكريما يضرب به المثل في الكرم حتى يومنا هذا ، عاش في منطقة حائل شمال السعودية ، من شعره :

وعاذلة قامت عليّ تلومني 

     كأني إذا أعطيت مالي أضيمها 

أعاذل أن الجود ليس بمهلكي 

   ولا مخلد النفس الشحيحة لومها

وهو القائل لغلامه إذا إشتد البرد أوقد النار في بقاع من الأرض لينظر إليها من أضل الطريق ليلا فيصعد نحوها 

أوقد فإن الليل ليل قرّ      

     والريح ياواقد ريح صرّ

علَّ يرى النار من يمر    

      إن جلبت ضيفا فأنت حرّ

وليس هناك أبلغ من وصف لحاتم الأب إلا قول ابنته سفانة التي تم أسرها بعد غزو المسلمين لبلادها ، فخلصها قولها من الأسر ، وكسر قيدها : بلاغتها !

قالت الأسيرة سفانة للنبي المصطفى عليه السلام  ، قالت كلاما عربيا بليغا يصعب فهمه على كبار المثقفين  ، فماذا قالت : 

يارسول الله هلك الوالد ، وغاب الرافد ، فامنن عليّ منّ الله عليك ، قال المصطفى عليه السلام من وافدك ؟ 

قالت : عدي بن حاتم . قال :الفارّ من الله ورسوله ؟

يامحمد ( صلى الله على محمد ) إن رأيت أن تخلّي عني فلا تشمّت بي أحياء العرب ، فإني ابنة سيد قومي ، إن أبي كان يفكُّ العاني ، ويحمي الذمار ، ويقري الضيف ، ويشبع الجائع ، ويفرّج المكروب ، ويفشي السلام ، ويطعم الطعام ، ولم يرد طالب حاجة قط ...

 أنا ابنة حاتم الطائي !

شكرها سيد البلغاء وكافأها المصطفى صلوات الله عليه : ( ياجارية هذه صفات  المؤمنين حقا ، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه .  خلوّا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق ، والله يحب مكارم الأخلاق . 

وقال ( ارحموا عزيز قوم ذل ، وغنيا افتقر ، وعالما ضاع بين جهال ) 

استاذنت سفانة ابنة حاتم المصطفى الكريم بالدعاء وقالت : 

أصاب الله ببرك مواقعه ، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة ، ولا سلب نعمة عن كريم قوم إلا جعلك سببا في ردها . 

الله أكبر عبارة هزتني !!

 إن الحاجة إلى اللئيم الموت دونه ؟ 

ورجعت سفانة البنت الى أهلها ، وبادرت عدي بقولها : القاطع ، الظالم !!

وطلبت من أخيها عدي بن حاتم أن يذهب إلى محمد عليه السلام ، وإن يكن نبيا  فللسّابق إليه فضله ، وإن كان ملكا فلن تذل عنده وأنت أنت  

كان عدي ملكا ورث الملك عن ابيه حاتم طي  ، وكان قد فرّ إلى حلفائه من ملوك الشام حين قدمت خيول محمد عليه السلام سرية علي بن أبي طالب لهدم صنم الشرك في قبيلة طي ، ونسي أخته فقد أعجله الأمر عن استقصاء أهله !!

رأى عدي في دعوة النبي عليه السلام زعامة توشك أن تقضي على زعامته ، ورياسة ستفضي إلى زوال رئاسته فعادى رسول الله عليه السلام أشد العدواة ؟ وظل على عدواته للإسلام قريبا من عشرين عاما .

تحدثت سفانة لاخيها عن أخلاق المصطفى عليه السلام : 

يحب الفقير ، ويفك الأسير ، ويرحم الصغير ، ويعرف قدر الكبير ، مارأيت أجود ولا أكرم منه 

فانطلقت شرارة الإيمان في قلب عدي واستجاب لأخته فقطع الصحراء قفزا على ناقته  وقدم المدينة وهو يظن أنه سيلقى ملكا ، يقول عدي بن حاتم اسمعوا القصة : 

دخلت على محمد ( صلى الله على محمد ) وهو في المسجد فسلمت عليه ، فقال : من الرجل ؟

قلت عدي بن حاتم ، فقام وانطلق بي إلى بيته ، في الطريق استوقفته امرأة كبيرة ضعيفة ، فوقف طويلا تكلمه في حاجتها ، فقلت في نفسي والله ماهذا بملك  !

ثم مضى بي حتى دخل بيته ، فتناول وسادة فقذفها إليّ فقال اجلس على هذه ، وجلس رسول الله عليه السلام على الأرض ، فقلت ماهذا بأمر ملك ! 

فقال المصطفى عليه السلام  : 

١/ لعلك ياعدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ماترى من حاجة المسلمين وفقرهم ، فو الله ليوشكن المال أن يفيض فيهم ، حتى لايوجد من يأخذه ( وقد حصل ذلك في عهد عمر بن العزيز رضي الله عنه ) 

٢/ لعلك مايمنعك من دخول هذا الدين ماترى من كثرة عدوهم ، وقلة عددهم ، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها لاتخاف حتى تطوف بالبيت لاتخاف أحدا إلا الله  .

٣/ لعلك مايمنعك من الدخول في هذا الدين أنك ترى المُلك والسلطان في غيرهم ، وآيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض في أرض بابل قد فُتحت عليهم ، وأن كنوز كسرى قد صارت لهم ، قال عدي : كنوز كسرى بن هرمز ؟ قال المصطفى : نعم كنوز كسرى بن هرمز 

وسمعت محمدا ( عليه السلام ) يقرأ ( اتخذوا / أي اليهود والنصارى / أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) 

قال يامحمد ماعبدناهم ؟ قال المصطفى عليه السلام : ألم يحلوا لهم الحرام ويحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم ! فتلك عبادتهم  ! 

أه لو تأمل كثير من مقدسي الزعماء والقادة والمصفقين لهم هذا الكلام  لغطوا وجوههم خجلا ؟

في السنة التاسعة للهجرة النبوية  دخل في الإسلام ملك من ملوك العرب بعد نفور ، أعطى الطاعة للرسول عليه السلام بعد إباء ، 

عدي بن حاتم بطل من أبطال العرب المعدودين ، ممن دوخوا الممالك بكلمة الله أكبر ، صاحب سيف بتار وصوت كالرعد يفر منه الأبطال ، 

دخل في محيط الأبطال من تلاميذ محمد عليه السلام وعمّر حتى رأى بنفسه بشارات المصطفى عليه السلام وقد تحققت .

قال الفاروق عمر لعدي ( أنت آمنت إذ كفروا ، وعرفتَ إذ أنكروا ، ووفيت إذ غدروا ، وأقبلت إذ أدبروا ) 

رضي الله عن عدي ، ورضي عن قاهر المجوس عمر ، وصلى الله على نبينا وعظمينا محمد بن عبد الله ، صلوات الله وسلامه عليه 

اقرأوا كتاب من أعلام المسلمين ( عدي بن حاتم الطائي ) الجواد ابن الجواد ، لمحي الدين مستو ، طبع دار القلم .

أخيرا أرجو وأنصح كل زوجة حامل إذا جاءتها البنت أن تسميها سفانة ، وإن كان المولود ذكرا أن تسميه عدي 

فأسماء الصحابة عطر الخلود لهذه الدنيا ، رجال فتحوا الدنيا بأخلاقهم وسيوفهم ، رضي الله عنهم 

والله أكبر والعاقبة للمتقين 

وفرجك ياقدير

وسوم: العدد 703