ماذا نقصد بالتجديد الفقهي؟

ماذا نقصد بالتجديد الفقهي؟

محمد كساح

أعتقد أننا في حاجة ماسة الى التجديد في الفقه والتشريع .... وحاجتنا في هذا العصر فاقت حاجتنا في كل العصور السالفة نظرا للتغيير الكبير الذي يشهده زمننا في ظل التطور المستمر في عالم السياسة والاقتصاد والاجتماع وسائر مجالات الحياة المختلفة

لا أعني بهذا التجديد ما يدعو إليه بعض من ساير أعداء الإسلام أو مشى على دربهم فأحدث أمورا في الدين ليست منه أو رفض أفكارا وتشريعات بحجة عدم تماشيها مع الواقع المعاصر .... إنني أبرؤ إلى الله من هؤلاء ، ثم أبرؤ إليه من أن أمشي على دربهم و طريقتهم الممجوجة ... و لكن ما أعنيه و إليه أدعو : هو التجديد الذي يجعل الإسلام و تشريعاته الحكيمة سهلة المتناول في فهمها و نشرها وتطبيقها

هذا التجديد ينبغي أن يكون في أمور ثلاثة :

في أسلوب كتابة الأحكام و عرضها ونشرها بين الناس

و في تطبيقها على واقع المجتمع والدولة

وفي طريقة الاستنباط من النصوص و الأصول التي يعتمد الفقه عليها

إن أسلوب العرض له دور كبير في تفهيم سائر الناس أصول الدين و كلياته و مراميه ، و تعليمهم أحكامه المختلفة التي تبدؤ مع الإنسان من فراش الزوجية إلى العلاقات الدولية - كما كان الأستاذ النابلسي يردد دائما -

وهناك من العلماء من أبدع في هذا المجال مثل يوسف القرضاوي الذي ألف بحوثا ودراسات وكتبا متنوعة تعرض التشريعات الإسلامية في أسلوب سهل ميسر ، مثل كتاب الحلال والحرام و فقه الجهاد و الزكاة والصيام و غيرها

و  نحتاج خلال تجديدنا في التطبيق إلى نهج ما كان عليه سلفنا في تيسير الأحكام للناس ، فلا يجبرونهم على الحكم الأصعب إن وجد ما هو أسهل منه ، و يراعون حال المستفتي فتكون طريقتهم في الفتيا معتمدة على فهم عميق لمقاصد الشريعة مع علمهم بحال السائل

 و أما ما نقصده في تجديد طريق الاستنباط فهذا باب كثر الحديث فيه ، و تعددت في البحث خلاله الآراء ، و تزاحمت المناقشات .... و لكني أعرض هنا بعضا من مسائل التجديد لتكون مفتاحا للبحث فيها و التحقيق في أمرها لأن حاجتنا إليها اليوم توجب هذا النظر و تأمر بإعمال الفكر في ذلك البحث

من أهم هذه المسائل : نبذ التعصب المذهبي ، و ذلك لا يتأتى بين العوام بل المراد منه أن يكون بين العلماء لأن العامي لا مذهب له و إنما مذهبه مذهب من يفتيه ،

لقد ذهب الزمن الذي كان فيه الحنفي يرفض الصلاة خلف الشافعي حتى وصل الأمر الى قمة التعصب يوم ابتدعوا لكل مذهب من المذاهب الأربعة في الجامع الأموي بدمشق محرابا خاصا يصلي فيه أتباع كل مذهب على حدة

بل ما ندعو إلين أوسع من مجرد نبذ التعصب بين المذانب الأربعة ، نحن بحاجة الى اطالة البحث في كل المذاهب و الأقوال التي حوتها كتبنا الفقهية مما صح منها و ثبت

و من هذه المسائل أيضا : الجمع بين الفقه و الحديث عند الفقيه و عند المحدث على السواء ، لأن ذلك سيعصم الفقيه من الاستنباط بعيدا عن روح النص أو من التأكد من صحته و ثبوته ، و هو كذلك سيمنع المحدث من مجرد الحكم الظاهري للنص ليدفعه إلى التعمق أكثر في روحه و مراميه ، و يعينه على الفهم الأشمل لمقاصد الشريعة الكلية

و منها الأخذ بكل الأدلة التبعية لأصول الفقه بعيدا عن التمذهب القديم في هذه المسائل ، إذ من المعلوم أن لكل مذهب أصوله و أدلته التي يعتمد عليها في الاستنباط ، و فقهاء العصر بحاجة إلى جمع كل هذه الأدلة  كالاستصحاب و الاستحسان و الاستصلاح والعرف ومذهب الصحابي الخ ليصلوا الى فقه يتماشى مع تطورات العصر الكبيرة

حاولت في هذه المقالة فتح باب البحث في هذه المسائل الكبيرة والمهمة جدا لعلي ألفت انتباه أولي العلم و أرباب النظر  إليها ، فهي من أولويات ما ينبغي أن يدرس و يحقق.