حماس والانتخابات الداخلية الصامته

تعتبر حركة حماس من الحركات الوطنية والاسلامية متينة البناء التنظيمي، لاعتبارات تتعق بطبيعة الأحزاب ذات الفكر الاسلامي القائمة على مبادئ السمع والطاعة، وعدم تقديم النفس بشكل علني نوعا ما، والنمطية المؤدبة للشهرة وحب النفس، بالاضافة إلى كون الحركة ما زالت تحت الاستهداف الصهيوني والعالمي، الأمر الذي يجعل بنيتها أكثر تماسكا حين المقارنة مع الأحزاب العلنية.

منذ أكثر من عام والحركة تعد ذاتها لانتخابات وصفت بالمهمة من قبل قياداتها، لأن من أهم مخرجات هذه الانتخابات، تغيير حتمي في رئاسة الحركة في إشارة للسيد خالد مشعل.

الحراك الانتخابي السري، يمضي بعيدا عن الاعلام، وتتداخل فيه أشكالا مختلفة بين الخارج، غزة، الضفة الغربية، القدس، والسجون، إذ تحكم الظروف طبيعتها من منطقة إلى أخرى.

التفصيل في شكل الانتخابات ومراحلها ليس مهما كونها من أنماط العمل السري، لكن المهم ما ستفرزه انتخابات الحركة من مجالس للشورى، ومكاتب إدارية في المناطق المختلفة والتي من شأنها اعفاء شخصيات وازنة من مهمها الأمر الذي يمنعهم، الوصول للمكتب السياسي، الذي سيناط به إدارة الحركة ورسم استراتيجيتها الداخلية والخارجية خلال المرحلة القادمة.

المكتب السياسي في توزيعته العامة سيحافظ على البناء الهيكيلي للمكتب السابق(أعضاء من غزة، الخارج، الضفة الغربية والقدس) لكن المرة ستكون العيون أكثر مفتوحة على الآلية التي ستحفظ توازنات الحركة بعد غياب مشعل عن قيادة المكتب السياسي والأمر الذي سيفتح نقاشا لدى حماس وخصومها، وسيعيد تجذير صورة منطقة على أخرى.

هذه القضية ظهرت في السنوات الأخيرة على ألسنة الكثيرين، لصالح قطاع غزة التي إمتلكت اعلاما متينا، وجناحا عسكريا قويا، وخاضت في ذلك معارك كبيرة استولت على الصورة العامة في الاعلام، الأمر الذي عزز فرضية تقول، أن من يملك القوة والمال يملك نصف القرار، ويملك القوة يرجح القرار، أو من يملك القوة يختزل الصورة الأكبر من المشهد.

ما بعد الانتخابات ستكون الصورة أكثر الحاحا على حماس، تجسيد المؤسسة، وبناء أطرها، وترسيخ معالمها للخروج من دوائر الانطباعات التي رسخت صورة ما عن الحركة وثقلها ومواطن القرار فيها.

هذا الحديث سيفتح أيضا نقاشا واسعا، لدى أنصار الحركة وجماهيرها والمعارضين، والمراقبين، عن عمق العملية والافراز وتمثيله للبنية الحركة في حالة مماثلة مع الفصائل.

كمتابع لا بد من الإشارة إلى أن الخارج وغزة والسجون، ينجحان في العادة ببناء شكل انتخابي مهم ، فيما تخسر الضفة الغربية هذا الأمر، لسبب يتعلق بالاحتلال وظروف الحركة الموضوعية، الأمر الذي تحتاجه الحركة تجاوزه.

النمط الهادئ للانتخابات في الأغلب والأعم، سيظل سيد المشهد، وستكون ساعة الاعلان عن الشكل النهائي للبنية العامة للمكتب السياسي هي الأكثر حضورا، في التحليل واستقراء واقع الحركة القيادي، وانعكاسه على بنيتها الداخلية الخارجية.

في أي كتابة من هذا النوع يتوقع منا كمراقبين الكتابة عن النتائج المتوقعه لرئيس المكتب السياسي، والأركان التي ستحكم التوازن في هذه المرحلة داخل المكتب.

ما يمكن القطع فيه، أن شخصية السيد خالد مشعل ستكون محورية التأثير في ملفات مختلفة إلى جانب رئيس المكتب السياسي الجديد، خاصة في ملفات العلاقات الخارجية والمال، كما ستحضر شخصية السيد اسماعيل هنية المرة بشكل واضح، كما سيعاد الاعتبار الى تركيبة الأسرى المحررين في الخارج.

هذه التكوينة ستكون أمام تحديات مهمة يمكن الإشارة اليها من خلال الآتي:

أولا: صهر التوازنات بما يحقق تكامل الصورة النفسية والتي تعد من الملفات المهمة.

ثانيا: معالجة النتائج الكارثية للانقسام على الحركة في الضفة الغربية.

ثالثا: تقييم واقع غزة(السلطة) ووضع تصورات للخروج من المآزق الناتجة عنها والتي لا يمكن اغفال انعكاسها على واقع الحركة.

رابعا: القدرة على تسويق قيادات اكرازماتية خلال المرحلة القادمة غير الظاهرة والمعروفة.

خامسا: القدرة على اختراق البيئة الاقليمية المتوجسة من حماس في ظل تناقضات السياسة.

سادسا : تكوين جسم مؤسسي حركي يتناغم مع الحداثة والحاجات بعيدا عن التقسيمة الجبرية للحالة الفلسطينية.

فتح في انتخاباتها الأخيرة تخطت بعضا من اشكالياتها ووقعت في اشكاليات أخرى كتبت تفاصيلها في أكثر من مناشبة.

وحماس هي الأخرى ستكون أمام تحديات مهمة وليست سهلة، وهي الأخرى مطالبة في وضع تصورات للتعاطي معها.

لكن ما ستجله حماس باكرا، وضع منهجية للتداول على رأس هرمها السياسي في ظل العطاء العام وشباب زعيمها، الأمر الذي لم تستطعه المؤسسات الفلسطينية مجتمعة.

الشهور القادمة سنكون مع سلسلة تحليلات مهمة تساعد على بناء تصور عن أهم الحركات الفلسطينية والتي يتابع مخاض التوجهات فيها القريب والبعيد، مع التأكيد على صعوبة الكتابة في هذا الملف، لاعتبار أن المتابعين والمختصين، لا يملكون معلموت كثيرة سوى تلك التي يمكن التقاطها بعناء.

وسوم: العدد 706