حماس: انتخابات تثير الاحتلال وتفتح نقاشا واسعا على كافة المستويات

تتابع كافة الجهات الأمنية والسياسية المؤثرة، الحراك الانتخابي لدى حركة حماس، وترقب من خلال المعطيات موازين القوى الداخلية وما ستنتجه حركة الانتخابات، كما يرقب المحبين للحركة وخصومها النتائج، إذ تبحث الأطراف عن ضالتها في بناء لم يعد لذاته، خاصة في ظل تأثيره وتأثره في الحالة الإقليمية والمحلية.

هذا الواقع المفروض على حماس يضع الحركة أمام ثقل الاختيار لبنيتها وأذرعها السياسية والعسكرية، كي تحافظ على حبل النار الذي تسير عليه: متوازنا، متماسكا، ومقاربا للسلامة برغم حرارة المشهد، و احتراق المنطقة من حول.

حبل النار الذي عليه حماس والحالة الفلسطينية بشكل عام، يعج بمتناقضات مهمة، تتعلق بالملف السوري، الايراني، العلاقة مع رباعية العرب والتي سيعاد تشكيلها من جديد على مت يبدو، الأنظمة الرسمية، حالة الضفة وواقعها، حصار غزة، تبعات الحصار، العلاقة مع السلطة، مستقبل الانقسام، الأفق السياسي، وغيرها من ملفات، ليست أقل من ترتيب واقع حماس الداخلي.

المتابع للحركات الثورية ومنها فتح، مرت كلها، في مساحة ما بين قيادة الجيل الثوري، ثم ترهلت الحالة، فلم يعد في الجسد التنظيمي شخصيات يجمع عليها، لانشغالها بتفاصيل السياسة، التي تصيب العامل فيها بلوثات الواقع.

في حديثنا اليوم عن نتائج انتخابات قطاع غزة، كان واضحا بروز نجم القيادي العسكري والأمني يحيى السنوار، وتغيرات طالت نحو النصف من قيادة الحركة.

هذا الشكل من التغيير، سيكون مهما، كون الساحة باتت ممهدة لقيادة السيد اسماعيل هنية للمكتب السياسي، وصعود نائب له من الأقاليم الأخرى، الأمر الذي ستجمع فيه غزة لأول مرة مراكز القوة مجتمعه، الأمر الذي يفتح النقاش داخل أروقة الحركة عن التوازن وأهميته في خلق تنوع في مؤسسة القرار.

هذا التخوف تقول قيادة الحركة المتفاعلة مع الانتخابات فيها، بأن تقسيمة البنية داخل الحركة تفرض عملا مؤسسيا، قوامه توزيع مجلس شورى الحركة والذي يضم في بنيته(15 من الضفة الغربية، 15 من غزة، و15 الخارج، والذي يناط به الموازنات، والمواقف السياسية، وقرار المواجهة وشكل عمل الحركة وتوجهاتها).

الشورى أيضا هي التي تعكس تكوينة المكتب الإداري، والبالغه نحو 15 شخصا والتي تتوزع فيها أيضا الأوزان داخل بنية الحركة.

لكن من خلال المتابعة لتاريخ عمل الحركات الوطنية، يفرض أحيانا اقليم الثقل حضورا، برغم تندي نسبة تمثيله، خاصة إذا كان من يمثله، شخصيات صاحبة حضور ويسند بالقوة.

الحديث عن حماس، يعتبر ملغما، كون المعطيات وشكل الحراك فيها، ليس بالعلني، ومثلنا كمتابعين، يحاول الدمج بين الانطباع والمعلومة الفارة، والتي تؤكد كلها، وجوب اليقظة في البناء التنظيمي عبر معايير تضمن خمسة من المتغيرات المهمة:

أولا: المحافظة على بناء يضمن مؤسسة القرار لا قرار المشكل للمؤسسة وموازين القوة فيها.

ثانيا: الحفاظ على قوة مؤسسة قادرة على توازن بين المؤسسات العاملة السياسي منها العسكري.

ثالثا: ترسيخ الحضور المتوازي لأقاليم القرار مع تمثيل متوازن بين أركانه.

رابعا: التنويع العام في المؤسسة وهيئاتها وشخوصها، وتخصصاتهم، وميولهم بما يحقق التوازنات في هذه المرحلة الخطرة.

خامسا: تصدير شخصيات محصنة من العلاقات المفتوحة مع الاقليم، لضمان صفاء التاوجهات السياسة الخاصة بالحركة.

سادسا: تقييم التجارب الماضية وتصحيح المسار في حال الشائبة والخطأ واستبعاد حضور الضعيف لأنه مهلكه.

البناء المتين هو الذي ينجح في اسناد الملفات لأصحابها، بحسب الاختصاص، سياسي نظيف اليد قوي الحضور، وعسكري وطني متجرد من ذاته قوي صلب المواجهة.

إذ لا يجوز للسياسي قيادة العسكري في فيزياء العمل، ولا يجوز للعسكري قيادة السياسي بأدات العسكر.

من يخالف سنن الكون، سيغلب في المعادلة الأول على الآخر وبالعكس، وحينها سيهلك والأول وسيضعف الآخر.

ووفق هذا الإطار على أطراف العمل، فهم أدوارهم، وعلى المؤسسة بناء ذاتها على هذا المنهج، كون التجربة الوطنية عانت جميعها من هذا التداخل، وحين تكرار التجارب يصبح من العدمية غض الطرف عن المتوقع من النتائج.

التوازنات التي تحدثنا عنها، هي التي أطلقت، ردود الفعل على تولي السيد السنوار رئاسة الحركة في غزة، والتي يمكن تلخيصها بحسب المنطقة والجهة الصادرة عنها على النحو الآتي:

أولا: بنية حماس : سواد مهم من جيل الشباب و ومثلهم من الأسرى المحررين، وجدوا في توليفة (هنية القادم، السنوار رئيس غزة، والبنية المتوقعة) جسم قوي تحتاجه المرحلة ويحتاجه بناء غزة الغالب على قوته منهج العسكر.

الجيل المتوسط ومعه أصاحب المتابعة، اعتبروا أن شخص السنوار على الرغم من الخير الذي عليه، سيأخذ غزة إلى منهج عرف عنه، برغم كل الايجابيات العالية التي عليها الشخص.

من يعرف السنوار عن قرب، يعرف همة الرجل، وقدرته على تحقيق الأهداف، لكن لأول مرة يختبر الرجل في حجم ملف ثقيل بوزن غزة، وبذلك يصعب الحكم هنا ، إلا بعد تجربة، فيها شخصيات ومؤسسة قوية.

ثانيا: الاحتلال : من الواضح أن ردرود أفعال الاحتلال حكمت على شكل إدارة الحركة في غزة من خلال تاريخ السنوار العسكري، وبذلك تتخوف من نتائج ذلك وتعتبر أن التغيير ليس جوهريا على هذا الصعيد، لأن الرجل كان في الأصل من البنية التنظيمة المعادية والتي تتأهب للحرب، لكنها ترى بوجود السنوار دافعا لتحسين علاقات مع مؤسسات يدور حولها جدل داخل أروقة الحركة.

ثالثا: السلطة الفلسطينية: السلطة لا ينطبق في حكمها على حماس سوى المثل القائل(كارهك لو كنت قمر وبيتك في الجنة)، لذلك المنهج والخطاب والرؤيا ستظل على ذاتها، وسيحضر إلى جانب الزهار في ملفات التصعيد الاعلامي اسم السنوار.

الغرب والأنطمة الرسمية: ليس هناك تغيير في منهج التعاطي مع حماس، فالعلاقة تقوم على تصنيف ثابت، للحركة لن يؤثر فيه ما يجري وما سيجري داخل الحركة، مع أهمية الحكمة في قراءة تغييرات الاقليم ومنها حراك الوالايات المتحدة في الملفات الشرق أوسطية خلال المرحلة القادمة.

الحركة الوطنية بجمعها يجب أن يذهب لحالة تقييم في بنيته، ورؤيته، وسياسته وقياداته، كون المرحلة القادمة لا يمكن معها المضي بذات المناهج القائمة اليوم.

وسوم: العدد 707