في الذكرى السادسة لانطلاقة ثورة شعب سوريا العظيم

فاجأت ثورة "الربيع العربي"المشروع الأمريكي الذي يقوم على مبدأ الفوضى

الخلّاقة القاضي بتفتيت الدولة الوطنية التي كوّنتها سياسة الاستعمار

الغربي الرأسمالي إثر اتفاقية سايكس بيكو1917 ، كما فاجأت هذه الثورة

الأنظمة الفاسدة القهرية الخؤونة، ورثة الاستعمار الغربي ودمية أمريكا

والصهيونية راهنًا، فاجأتهم في شوارع وميادين العواصم والمدن والقرى

بفعاليات  شبابية مسيّسة، ولكن من خارج الأحزاب التقليدية المتماوتة.

 لقد استفاد هؤلاء الشباب من تقنيات الثورات العلمية المنتصرة لا سيما في

الاتصال والتواصل التي انتشرت في أوساطهم، إذ ينحدر معظمهم من الفئات

الوسيطة المتسمة بقدر من التحضّر في سلوك أبنائها وتطلعاتهم ومطالعاتهم

على أحوال العالم المعاصر، هؤلاء الشباب المعتدّون بوطنيتهم هوية أمتهم

الثقافية المبنية على الإسلام، المعادون للاستعمار، والمصرّون على ضرورة

التغيير البنيوي في مجتمعاتهم براهنيتها المتخلفة والقهرية، تغييرًا يحمل

روح إسلامية واثبة باتجاه التحضّر.

لقد نزل هؤلاء الشباب تساندهم النساء إلى الشوارع بدوافع سياسية

واقتصادية واجتماعية لمواجهة أنظمة شمولية فاسدة قهريّة ومن حولها قوى

سياسية تدعي التقدمية والعلمانية ومنها تدعي الإسلامية، هذه الدول التي

تعاني من إشكالات تتعلق بالطائفية والفساد والجهل والقهر والفقر والعدمية

جعلتها أقرب إلى أن تكون جثثًا تحتاج من يواريها التراب.

لقد هدمت فعاليات ثورة"الربيع العربي" أبنيّة مجتمعيّة، وكشفت عن زيف

الحياة السياسية العربية ممثلة بتياراتها الأساسيّة(الإسلامية والقومية

والاشتراكية والليبرالية)

لم تنته  ثورة الربيع العربي، وإن كانت قد همدت جذوتها، مؤقتًا، في

البلدان التي انطلقت منها كتونس2010 وفي مصر وليبيا واليمن إضافة إلى

العراق، إضافة إلى التي حافظت على طابعها السلمي في المغرب ولبنان

والأردن وسلطنة عمان والبحرين، وصولًا إلى دفع فعالياتها إلى العسكرة

بمواجهة عنف السلطة والشبيحة والطائفيين في سوريا المؤدّي إلى الصراع

العصبوي الطائفي...، والمفسح مجالًا لتدخلات خارجية، وإسقاط الدولة

والمجتمع وسط تغلغلٍ لجماعات تكفيرية وطائفية في ساحات الصراع العبثية،

أقول وإن كانت قد خفّ لهيبها إلاّ أنّ شباب سوريا لا يزالون يخوضون غمار

ثورتهم بكل نبل وشجاعة، حتّى بدت بطولاتهم ملهمة للكثير من الشباب

العالمي الذي يعاني من القهر والفقر والظلم والفساد، والدلالة هو تأجّجها

منذ بدء الحركات الاحتجاجية السلمية التي جنحت إلى مواجهة الشبيحة وأجهزة

الأمن في الميادين والشوارع وصولًا لدفاعهم بأسلحتهم البدائية، وبإرادتهم

الفذّة عن الأرض والعرض، كما يحصل في غوطة دمشق الشرقية، وفي شرقي مدينة

دمشق مثالًا وليس حصرًا، فشعلة الثورة لا تزال خفّاقة فوق أرض سوريا

الحبيبة يأبى رافعيها أن يخفضونها أمام تغوّل السلطة الفاسدة ووجهها

الآخر من التكفيريين، ومن ورائهما قوى الفساد العالمي في إيران وروسيا

برعاية إسرائيليةّ وتوكيل أمريكي.

بشكل متتالٍ لبّى بعض أفراد الأحزاب السياسية المتنوعة دعوة الشباب

المتجاوزين مواقفهم، إلى أن شرعت تلك الأحزاب بركوب أمواج حراك الشباب،

فصاغت شعاراته ليتعثّر بخطاه، واتسعت الفجوات بين الأهداف وإمكانية

تحقيقها. وإذا كانت الأحزاب تتحمل مسؤولية ما ظهر من خلل في الحَرَاك

فأخرجها من دائرة الفعل لمصلحة شباب غير منظمين وعفويين، فإنّ تواطؤ بعض

قيادات اليسار واليمين على السواء مع الولايات المتحدة، والسعودية وقطر

وتركيا، وإذا شئتم إسرائيل، أعادوا إنتاج النظام القديم في مؤسساتهم،

حتّى استُبْدِلُوا بالعسكر لتأدية ذات المهمة الموكلة للأنظمة من قبلهم.

وكانت النتيجة توحّش السلطة السورية وتغولها في القضاء على حراك الثورة،

مما أفسح المجال لدخول التنظيمات التكفيرية (السنّة) والأحزاب الطائفية

(الشيعة) إلى دائرة الصراع.

 انكفأ جموع المتظاهرين عن حراكهم مؤقتًا، بعد ان قتل مئات الألوف معظمهم

على أيدي سلطة النظام البعثي، وهجّر وجرح واعتقل وغُيّب الملايين منهم،

وكذا الأمر في العراق واليمن وليبيا وبدرجات أقل في باقي البلدان

العربية.

لاتزال مفاعيل الثورة السورية قائمة، وإذا كان يطفو على سطح أحداثها

صراعات بين المستبدين والتكفيريين، فإنّ أبواب الثورة التي جاءت ردٌّا

على تاريخ القهر والتخلّف والتجزئة والفساد، وتعبيرًا عن رفض المشروع

الأمريكي التفكيكي (الفوضى الخلّاقة) للوطن العربي لاتزال مشرعة على

الرغم من كل هذا الخراب والموت والتهجير. ولعلّ استئناف الكفاح بالوسائل

السلمية التي ابتدعها شباب الثورة، وخلق حالة تنظيمية لحراكهم، وكسب

المزيد من المؤيدين، وتجنّب معاداة الجيش والمؤسسات الراسخة في الدولة

القطرية، إضافة إلى الاشتغال على رؤى فكرية برنامجية سياسية مرتكزة على

الجدل مع التجربة ذاتها ومع التاريخ من خلال الاستعانة بالفكر العربي

التنويري هي سبلٌ راسخةٌ بغية الخروج من النفق المظلم الذي دخلت فيه

القوى السياسية التي تعلن تأييدها للثورة السورية نتيجة تواطؤ سلطة

النظام مع معارضة صنّعت على مقاسه، ولكنّ الثورة التي لم تكن إلاّ

استجابة لنداء حركة التاريخ، لابدّ أن تنتصر.

وسوم: العدد 712