مُوسى .. وَ فِرعونُ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

أسرفت بعضُ الهيئات الإسلاميَّة في الغلو واحتكار الحقيقة الدينية .. وبلغ بهم التطرفُ وتزكية الذات مبلغاً خطيراً .. وذاك أن جعلوا من أنفسهم و فهمهم وأدائهم ونهجهم الصيغة الحقيقة الوحيدة المطلقة .. التي تُجسِّدُ حقيقة الإسلام وصفاءه وكماله وتمامه .. وأن الآخرين - بشكل او بآخر- حالة مناقضة وفي أحسن الأحوال صيغة مشوهة للإسلام ..أمَّا هم .. فيمثلون بزعمهم حالة سيدنا موسى عليه السلام في مواجهة فرعون وأتباعه في كل زمان ومكان .. مثلما يُجسدون حالة سيدنا ورسولنا محمد  صلى الله عليه وسلم في مواجهة أبي جهل ومن معه وأمثالهم في سائر المجتمعات على امتداد القرون .. وابتدعوا مصطلح الجاهلية ليجعلوا منه سمة لمن يخالفهم ولا يتبع نهجهم ..فمن لا يتبع سبيلهم فهو من أتباع سبل الجاهلية وفسادها - وإن ادعى الإسلام وأقام شعائره - فذاك عندهم من المخادعة ومن ذر الرماد في العيون ..فهم فقط دون سواهم الذين يمثلون حقيقة الإسلام ..وهم بلا منازع المؤتمنون على قيمه وعقائده .. وهم الوحيدون المخلصون في تطبيقه وإقامة شريعته وقيمه .. وطرحوا شعاراً ظاهره الرحمة "الإسلام هو الحل" وباطنه شيء آخر قوامه : اتباع الأهواء وتحقيق طموحاتهم الحزبية وغاياتها وخصوصياتها المقيتة ..لا أحدٌ من المسلمين يُنكر ويعترض من حيث الاعتقاد والمبدأ ..أن الإسلام بقيمه الربَّانيَّة الساميَّة الجليلة مصدرٌ راسخٌ في حل مشكلات البشريَّة والمساهمة في نهضة الأمم .. وأنَّ الإسلام يبقى المرجعية الراشدةٌ في تحقيق الأفضل لأمن الشعوب ومصالحهم  وكرامتهم واستقرار مجتمعاتهم .. وذلك من خلال التكامل والتعاون والتنافس مع كل شرعة سديدة ربَّانيَّة كانت أم بشريَّة .. فالناس شركاء في تقرير مصائر مجتمعاتهم وتحقيق طموحات أجيالهم ..على أساس من التعاون على البر والتقوى وعلى أساس كل ما يحقق مصالح الجميع دون تمييز أو تفاضل لقوله تعالى:" لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ" أجل فلا يصح لأحد أن يحتكر أمانة النهوض بمسؤوليات مصالح مجتمع من المجتمعات .. ولا يصح أن يُنصّب نفسه الإمام والمسؤول الأوفى والأجدر لإدارة ورعاية  شؤون النَّاس متجاهلاً غيره من أبناء وطن ما ..أو شعب ما .. أو ملة ما .. وميثاق دولة النبوة .. دولة الإسلام في المدينة المنورة ناطق بذلك .. وشاهد على ذلك إذ ينص : "المسلمون من قريش  .. والمسلمون من يثرب.. واليهود .. ومن تبعهم أمةٌ واحدةٌ مِنْ دونِ النَّاسِ".

وسوم: العدد 799