السابع عشر من نيسان ذكرى استقلال لم يكتمل

في  الذكرى الثانية والسبعين لذكرى جلاء الفرنسيين عن سوريا التي احتفلنا بها لعدة عقود على انها يوم الحرية والتحرر من الاستعمار نجد أن الأنظمة التي توالت على الحكم بعد يوم الجلاء لم تكن مؤهلة لذلك الاستقلال .

فالثورة السورية التي كانت تطمح إلى استقلال البلاد وتأمين حياة المواطن انقلب عليها العسكر فوقعت الحكومات السياسية فيما بعد في مطبات سياسية مارستها باسلوب استبدادي قمعي .

وقد تعودنا جميعا الاحتفاء بالسابع عشر من نيسان في الوقت الذي لم يجعله النظام يوما وطنيا َ ، ولم يجعله عطلة رسمية  أبدا بالرغم من تضحيات السوريين من " العرب والكرد "  التي قدموها خلال الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين ، وكان نصيب عم والدي المرحوم حسين آغا رمضان واحدا من نصيب السوريين الذين ناضلوا من اجل التحرر الوطني حيث حكمت محاكم الاستعمار الفرنسي عليه غيابيا بالاعدام بتهمة إقلاق راحة الفرنسيين .

إن وصول الديكتاتوريات من خلال انقلابات عسكرية أجهضت مفاهيم الثورة الوطنية  ضد الاستعمار خاصة عندما تحول النظام إلى وسيلة للإثراء والغنى على حساب مصاريف الحكومة الضخمة التي رصدت لبناء الترسانة العسكرية وشراء الأسلحة بحجة محاربة اسرائيل ، فتحولت إلى صدور أبناء سوريا وبناتها .

ومنذ قيام ما أطق عليه اسم " الجمهورية العربية المتحدة"  الناتجة عن وحدة مصر وسورية البلدان و تسلم عبد الناصر الحكم في سوريا ومصر التغت مسألة الديمقراطية وحقوق الانسان . فقد قام عبد الناصر بتشكيل جهاز مخابراتي التذي كان يعرف بالتنظيم الطليعي ، كان يشبه فروع حزب البعث : شبيبة ونقابات فرض الخوف والقلق بين الناس وجعل الأخ يخاف من أخيه والرجل يخاف من زوجته .

و الغى البرلمان ، وأقر مرسوما يقضي بحل الأحزاب السياسية في البلاد مع فرض قيادة فئة وحيدة في الحكم هي الاتحاد القومي العربي الذي تحول إلى تيار عروبي يتصف بعبادة الفرد الذي مثله الرئيس عبد الناصر أصدق تمثيل وأصدر قرارا بحل الأحزاب السياسية في القطرين ولاحق القوى التي لم تقبل بالقرار ولم تحل نفسها مثل الحزب الشيوعي السوري والبارتي الديمقراطي الكردي*والقوميون السوريون إضافة إلى جماعة الاخوان المسلمين وتم زج اعضاءها في السجون والمعتقلات التي مارست الهمجية ايما تمثيل ، وإذابة  فرج الله الحلو " العضو في الحزب الشيوعي "بالأسيد هو أحد جرائم ذلك النظام ؟

ومن المؤسف أيضا أن تلك الحكومات وخاصة إثر انقلاب الثامن من آذار عام 1963 بدأت  في تزوير  المناهج الدراسية حسب رؤيتها العنصرية فحرفت التاريخ ولم تقرّ في مناهجها ولا في الدستور بحقوق الشعب الكردي الشريك الوطني في الجمهورية السورية بل فرضت تلك الحكومات عليه قوانين تقضي أن تغير في خاصته القومية  وبغية ذلك غيرت من مناهجها الدراسية بحيث حاولت وبكل السبل طمس وجوده القومي ، أصدرت تلك الحكومات بحقه قرارات ومراسيم مجحفة بغية إذابته قسريا في بوتقة القومية العربية ، ولاحقت افراد البارتي وزجت قيادته الوطنية في المعتقلات ، ثم وفي وصول حافظ الأسد إلى سدة الحكم عبر انقلابه العسكري الذي أطلق عليه اسم " الحركة التصحيحية" بدأت الحرب ضد القوى السياسية تأخذ ابعادا أخرى وأساليب جديدة ، ففتح المجال لمشاركة ممسوخة حيث دعى بعض الأحزاب الوطنية تحولت إلى أحزب تابعة للحكم اللاوطني تحت يافطة " الجبهة التقدمية الوطنية" ترافقت مع ضربة كبيرة لتلك القوى السياسية بحيث قامت أجهزة قمعه بتفسيخها فبدأت بالانقراض ، وانشق ّ كل حزب منها إلى ثلاثة احزاب أو أكثر ، وحرم الكرد من المساهمة فيها لأنه لم يعترف بوجود الكرد بل وحارب وجودهم بكل الامكانيات المتاحة .

  أصبح الوجود الكردي " قضية مبهمة " غير مفهومة لدى الشركاء العرب رغم فتح العلاقة بين الحركة الوطنية الكردية والقوى السياسية السورية على اختلاف مواقعها سواء أكانت داخل تلك الجبهة أم حارجها ، وكانت لنا في حزب الاتحاد الشعبي الكردي صلة مع غالبية القوى الوطنية السورية سواء التي كانت ضمن تلك الجبهة الممسوخة أو خارجها ، وكنت شخصيا أتواصل من موقعي السياسي مع تلك القوى وخاصة الثورية منها كرابطة العمل الشيوعي التي تحولت فيما بعد إلى حزب ، وحزب العمل الاشتراكي العربي ، والحزب الشيوعي العربي " الماركسي – اللينيني" والأحزاب المشاركة في جبهة الزور ماعدا حزب السلطة ، وأيضا القوى الثورية في منظمة التحرير الفلسطينية وقوى الثورة العالمية التي كانت لها مكاتب سياسية في دمشق كالثورة الأرتيرية والصومالية وثورة ظفار .. وغيرها سعيا لشرح حال السوريين عموما وحال الشعب الكردي خصوصا وطرح افكارنا للوصول إلى الديمقراطية وتوفير مستلزمات تقرير المصير للشعب الكردي في سوريا  .

لن نتوقف عن النضال خاصة وأن نظام الاستبداد آيل للانهيار ، آملين أن تنتصر ثورتنا السورية لنبني سوريا الجديدة التي لم تعد تقبل بصيغة الدولة التسلطية التي قامت على المركزية وسلطة الزعيم –القائد – أب السوريين  الأوحد  بل الدولة الديمقراطية – العلمانية التي تقرّ بالتعددية القومية والدينية ، هذه المفاهيم ينبغي أن تتجسد في العقد الاجتماعي الجديد المقبل والقوانين الكفيلة بحفظ الحقوق وممارستها في سوريا المستقبل .

علائم الانتصار تلوح في الأفق والنصر قادم لامحالة ، سيكون يوم انتصارنا هو يومنا الوطني الذي سنحتفل به متخلصين من عقدة التسلط والاستبداد .

لن يطول الانتظار .. النصر قادم .. وسترفرف عاليا راية سوريا كما أردناها ديمقراطية – علمانية - متعددة القوميات .

* البارتي هو الحزب الذي أسسه الأستاذ عثمان صبري في 14 يونيو عام 1956 وقد تعرض للانقسام عام 1965 في جناحين أطلق على أحدهما اسم البارتي اليساري الذي تحول  اسمه في المؤتمر الخامس عام 1980 إلى حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا .

وسوم: العدد 716