تيارات فكرية منحرفة تستغل مختلف وسائل الإعلام للإجهاز على القيم الإسلامية تحت شعار حرية التعبير

تراهن التيارات  الفكرية  المنحرفة والهدامة  عندنا بالرغم من ضآلة حجمها في مجتمع يدين بالإسلام على الضجة الإعلامية . ومعلوم أن الأمة تدرك عن وعي أن الآلة الإعلامية في عالم اليوم تصنع من الأوهام حقائق زائفة سرعان ما تتبخر كسراب بقيعة . ومع أن الناس يتعاطون الأخبار التي تروجها وسائل الإعلام المختلفة ، فإنهم لا يعدمون الحس الذكي للتمييز بين الغث والسمين منها . ولا تكاد الحيل الإعلامية تنطلي على الرأي العام ،الشيء الذي يعكس وعيا كبيرا لدى الأمة . ويكفي أن نتابع التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي حين ينشر أحدهم من التيارات المنحرفة والهدامة مقالا لنقيس درجة وعي الأمة ، وهي تعليقات تشبه إلى حد ما  أسلوب استطلاع الآراء . وما يستنتج من تلك التعليقات حين يتعلق الأمر بمقال يتجاسر على مشاعر الأمة الدينية هو وجود مناعة دينية حقيقية . وأعتقد أن أصحاب التيارات المنحرفة عن قيمنا الإسلامية يصابون بالانتكاس وخيبة الأمل أمام ردة فعل المعلقين على ما ينشرونه ، ومع ذلك يواصلون محاولاتهم اليائسة ، ويسجلون حضورهم الإعلامي من أجل التغطية على غيابهم على أرض الواقع . ويسيىء هؤلاء استخدام مفهوم الحرية ، وهو مفهوم يحتاج إلى أن يسلط عليه الضوء بدقة دفعا لكل سوء فهم أو سوء استخدام له . ومعلوم أن مفهوم الحرية يخضع لما تجمع عليه الأمة وتجتمع عليه . فإذا كانت أمتنا قد أجمعت واجتمعت على الانتماء الإسلامي ، فإن مفهوم الحرية يخضع لهذه الإرادة ، وكل خروج عنها باسم الحرية يكون مردودا على أصحابه . وكما أن مفهوم الحرية في المجتمعات الغربية العلمانية يخضع لإرادة الأمم المجمعة  والمجتمعة على العلمانية ، فكذلك الشأن بالنسبة لأمتنا . ولنضرب مثالا على خضوع مفهوم الحرية لما تجمع عليه الأمم من قناعات فكرية أو عقدية ،فالمجتمع الفرنسي العلماني على سبيل المثال لا الحصر يقنن مفهوم الحرية بالنسبة للجاليات المسلمة التي تعيش في فرنسا إذ ليس من حق المرأة المسلمة ممارسة حريتها في ارتداء اللباس الذي يناسب  قناعتها الدينية لأن ذلك يعتبر مساسا بالقيم العلمانية على حد زعم أصحابها . ولا يسمح للجاليات المسلمة أن تمارس حريتها في رفع شعاراتها الدينية كالأذان على سبيل المثال . ومن خلال هذا المثال الذي توجد أمثلة مشابهة  له في مجتمعات غربية علمانية أخرى ندرك أن مفهوم الحرية  كالماء يأخذ شكل الإناء الذي يوجد فيه . وإذا كانت المجتمعات الغربية العلمانية ترى أن حرية من يعيش في مجتمعاتها من جاليات مسلمة محكومة بالتوجه العلماني السائد فيها ، فإن التيارات العلمانية الموجودة في مجتمعنا المسلم لا تقبل بتقييد حريتها وخضوعها للتوجه الإسلامي السائد بل تطالب بحرية السباحة  ضد التيار . ولا ترى تلك التيارات فيما تدعو إليه وتطالب به ما يناقض قيم مجتمعنا المسلم . فالمطالبة بحرية ممارسة المثلية ، وممارسة التحول الجنسي ، وممارسة الرضائية  والإجهاض ، وممارسة الردة والتحول الديني أو العقدي ...إلى غير ذلك من الممارسات الخارجة عن ضوابط الشريعة الإسلامية داخل مجتمع أجمعت فيه الأمة  واجتمعت على الانتماء الإسلامي ، وجعلت ذلك على رأس دستورها المقترع عليه هو ابتذال لمفهوم الحرية . وإذا كانت المجتمعات الغربية العلمانية منسجمة مع نفسها فيما يخص إخضاع حياة مواطنيها للقيم العلمانية وعدم السماح  بخضوعهم لقيم أخرى ، فإن مجتمعنا المسلم يعرف اضطرابا وتضاربا وصراعا بين قيمه الإسلامية وقيم وافدة مناقضة لقيمه ، لهذا تنشط التيارات المنحرفة  عن القيم الإسلامية عندنا إعلاميا ، وتراهن على خلق التطبيع مع قيمها . ولا تقف تلك التيارات عند حد الدعاية لقيمها  بل تشن حربا على القيم الإسلامية ، وتحاول استئصالها لتحل محلها قيمها . ومقابل ما تقوم به التيارات المنحرفة عندنا لا تسمح المجتمعات الغربية العلمانية بشن حرب على قيمها بل تشن هي حربا على  قيم الجاليات المسلمة . ولا شك أن ما تقوم به التيارات المنحرفة عندنا وما تقوم به العلمانيات الغربية  من استفزاز ضد القيم الإسلامية هو الذي ولد التطرف والعنف والإرهاب لأن لكل فعل ردة فعل . فالمواطن المسلم حين يجد نفسه  مقيد الحرية في المجتمعات الغربية العلمانية ، وفي المقابل يلاحظ أن التيارات العلمانية في مجتمعه حرة تعبر وتتصرف بكل حرية يشعر بغبن وظلم ويكون رد الفعل لديه على قد ما يشعر به من استفزاز . ولهذا لا بد من تصحيح هذا الوضع المختل ، ولا بد من اعتراف المجتمعات الغربية العلمانية أنها مسؤولة مسؤولية مباشرة عن ظاهرة العنف والإرهاب والتطرف لأنها تفرض قيمها ولا تقبل قيم غيرها بل تستأجر من يسوق قيمها في مجتمعنا المسلم من أجل الإجهاز على قيمنا الإسلامية . وأخيرا نذكر مرة أخرى بأن التيارات المنحرفة عن قيمنا لها وجود إعلامي  وهمي  ، وهي تراهن على ذلك لتحقيق حلمها في وجود حقيقي هو ضرب من المستحيل  .

وسوم: العدد 719