همس العيون

د. محمد السقا عيد

استشاري طب وجراحة العيون

عضو الجمعية الرمدية المصرية

[email protected]

ماذا تعرف عن سحر العيون ؟؟ وهل للعيون لغة عالمية ؟؟ هل العين حقاً مرآة الضمير؟؟ ما هى أحب العيون ؟ وما معنى الإشارة بالعين ؟ ... إلى غير ذلك من الأسئلة والاستفسارات الكثير والكثير الذى يدل على أن عجائب وغرائب العيون أكثر من أن تحصى أو تُعد ، ومهما تحدثنا عنها فلن نستطيع أن نسبر أغوارها

كل ما نستطيع فعله فى هذا البحر الزاخر المتلاطم الأمواج أن نصطحبك معنا عزيزي القارئ – فى جولة سريعة بين عالم الأدب والفن والشعر ، لنرى سوياً ما كتبه المبدعون من الأدباء والفنانين وما أفرزته قرائح الشعراء والمحبين ... الحديث إذن حديث همس وشجون...

يقول الأستاذ أحمد أمين فى كتابه "فيض الخاطر" الجزء الثانى :

لعل أجمل الأحياء : الإنسان ، ولعل أجمل ما فى الإنسان عيناه ... فإذا كان لكل شئ خلاصة فخلاصة الإنسان فى عينيه ، فهى مستودع سره ، وهى النافذة التى يطل منها غيره على ما فى أعماق نفسه ، وهى الترجمان الذى يعبر أصدق تعبير عما يجول فى نفسه من عواطف .. تعد وتوعد ، وترغب وترهب وترسل مرة شواظاً من نار ومرة شآبيب من عطف وحنان ، تقسو وترحم ... وتنعم وتؤلم وتصل وتصد وتقبل وتنفر وتعجب وتحتقر ، وهى فى كل هذه المواقف تتخذ لها وضعاً يناسبه وشكلاً يوائمه ؟، تتلون ولا تلون الحرباء وتتشكل ولا تشكل الحسناء فى الأزياء ... هى للمرأة أقوى سلاح وفى روايات الحب أمهر لاعب وفى مرسح الغزل أشهر ممثل ... وفى ميدان الأدب أبرز صائل وجائل.

وتعتبر العين أدق وأهش وأرق عضو فى جسم الإنسان حساسية ورفاهة. فهى عنصر النظر والإبصار ، تقوم بعمل غاية فى الدقة وغاية فى التعقيد. حبانا الله عز وجل إياها لنرى بها عظيم فضله فى خلقه ، وتتعرف بواسطتها على كثير من آلائه وروعة إبداع صنعه ... فبالعين نرى العالم الخارجى ونرقبه وبها نتلذذ بجمال ومتع الدنيا البراقة، فهى النافذة التى تطل منها على العالم الخارجى المحيط ونتلقى منه المدركات والمرئيات.(1)

وكلمة العين لها معان كثيرة ... فبالإضافة لكونها عضو الإبصار والذى يحرس، فالعين تعنى نبع المياة ، والإنسان العظيم فى قومه عين من الأعيان ، والذى يحرس مكاناً يسمى عيناً ... والجاموس كذلك يطلق عليه عيناً ، كما يطلق الأطباء عليها اسم الجوهرة ... وتعنى علامة كل هذه المعاني بالعين أهميتها وضرورتها.

فمن خلال عيوننا يتضح تعبير الرضا أو النفور ... الحب أم البغض ... السعادة أم الشقاء ... الدعوة أم الصد.

وقبل اكتمال لغة الكلام لا شك أن لغة العيون كانت سائدة ، فالعين قادرة على الإفصاح عما يعجز عنه العقل وقادرة على أن تفيض بالدموع حزناً أو تشكياً ... امتناناً أو مراوغة ، فعندما يعجز الإنسان أن يعبر عن مشاعره باللسان فإنه يعبر عنها بالعيون.

وتعطلت لغة الكلام وخاطبت                       عيني فى لغة الهوى عينك

وتستطيع العين أن تجمع كل طاقة القلب فى نظرة واحدة ، وكيف لا ؟ أليست هى صورة مصغرة لما يدور بداخل الإنسان ؟؟

كذلك يمكن للعين أن تحمل المرارة فى نظرة وأن تحمل أسمى الأيام فى نظرة ويمكن للعين أن تتكلم بدون ألفاظ ينطق بها اللسان وأن تقول فى لمحة واحدة ما يظل اللسان يرويه فى ساعات أو فى أيام ... إن الإنسان يتلخص كله ويتركز فى العين.(2)

العيون تتكلم ولكن بلا صوت ... فتوحي ما توحي من هدى وضلال. والعيون تلهب الحواس وتغزو القلوب وتوقد الحب ، قد تترقرق فيها دمعة تذهل الناظرين ، تلجم ألسنتهم وتتركهم حيارى ، لا يدرون ما وراءها من خوالج ومآرب وما تخفيه من شعور وعواطف.

العين كانت - ولا تزال - مصدر الجمال ... والنبع الذى يستقى منه
الشعراء … بل الوحي الذى يستلهمون منه ... وهى خلاصة الإنسان ومستودع أسراره … لكنها تفضح الأسرار فى المواقف الحرجة ولا تتحفظ فى إعلانها على الرغم من الحذر والانتباه وهى فى حركاتها وأوضاعها فى ميدان الغرام أفضح وأفصح ، تفضح ما فى الأعماق من لوعة وجيشان ... وتُفصح عما فى القلوب من لهفة وخفقان.

والعيون معجزة الله على أرضه ... فحركاتها حافلة بالمعاني الرائعات : تدل على الحب إذا اتسعت ... وعلى الكره إذا انكمشت. فيها الجاذبية والقوة ... وفيها الحقد والحسد ... وفيها المكر والدهاء ...

وهى كتاب لا يقرؤه إلا المجربون من ذوى البصائر النافذة ، تكشف الأسرار وتلعن ما فى الأعماق من أماني وآمال.

وفى العيون ما يُحفِّز ويثِّبط وما يدفع وينِّشط وفيها ما يبعث على العمل ويدعو إلى الأمل ... وفيها ما يضعف العزائم ويودى بالمواهب ... وهى تشعر وتفكر كما تتمتع وتتحرك فتعنى عن الكلام من رضا أو استسلام أو من غضب وعصيان.

لماذا تبدو عيون المرأة حلوة ؟

أشار الأستاذ / يوسف القويرى فى كتابة "خيوط رفيعة" هذا التساؤل وأخذ يبحث عن السبب فى ذلك فتعال معي عزيزي القارئ – لنبحث معه عن السبب ولنجيب معه على هذا التساؤل : لماذا تبدو عيون المرآة حلوة ؟

هل لأنها أنثى فقط ؟ أليست عيون الذكر – من الناحية الطبيعية متشابهة ؟ بل هى لا تختلف عن عيون الأثنى ؟

قد يقال : إن عيون المرأة أوسع وهذا صحيح فهى تشع نضارة ... وجمالاً ... وإثارة وهناك رجال عيونهم واسعة ولكنها جافة منطفئة باردة لا جمال فيها ولا تألق ولا نضارة ، إذن فاتساع العين أو ضيقها ليس مقياس للجمال ؟ ماذا إذن ! ما هو السبب ؟

يبدو أن السبب هو البكاء ، فالمرأة تبكى كثيراً لأي سبب وأحياناً بدون سبب على الإطلاق ، ومن الجهة المقابلة فالرجل نادراً ما يبكى وحتى فى أوقات الحزن أو اللوعة فإنه يحتجز دموعه ويقاومها بتأثير الفكرة المضحكة التى تعتبر البكاء نشاطاً نسائياً.

إلا أن هذا الكلام ليس مقنعاً ، فهذا الجمال لا يتولد مثلاً فى عينين قبيحتين مهما بكت صاحبتهما.

إنما تكون عيون الأنثي جميلة بقدر ما تكون معبرة ... فالأهمية كلها تكمن ذلك البريق الفطري الذى لا يمكن صناعته ... أو افتعاله ! لأنه همس الوجدان والروح.

 فقد أجمع الشعراء على أن الجمال الحسي إنما يكون فى جمال العين  ، وجمال العين إنما يكون فى صفائها وشفافيتها ... فى صفاء مائها .. فى لحظها ... فى صلتها بالأعضاء المجاورة ... وفى تأثرها بصفات عقل صاحبها والأخلاق الجميلة التى اكتسبها.

               

(1) المجلة العربية (السعودية) عدد ربيع الأول 1411هـ  أكتوبر 1990م

(2) تأملات فى الإنسان - رجاء النقاش