التَــدَافُــعُ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

يقول الله تعالى:"وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ"ويقول جلّ جلاله:"وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً"وَقَالَ سَيِّدُنَا ورسولنا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم :"قد شَهِدتُ فِي دَار عَبدِ اللهِ ابنِ جَدعَان حِلفاً(تَحَالَفت قُريشٌ فيما بينها على نُصرةِ المظلومِ ضِدَ الظالمِ)لَو دُعِيتُ إليه فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ"التَدافُعُ والتَحَالُفاتُ بينَ النَّاسِ سُنّةٌ مِنْ سُنَنِ اللهِ في كونِهِ..مِنْ أجلِ التَعَاونِ والتَضَامُنِ لدحر الظلم وإقامةِ العَدلِ..وقَهرِ البغي والعدوان وَصرفِ الفسادِ عَنِ المُجتَمَعاتِ والأرضِ لقوله تعالى:"وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"فَمَنْ نأى بِنفسِهِ عَنْ سنة حركة التدافع طَالِباً السْلامَةَ والنَّجَاةَ..دَاستهُ سَنابِكُ خُيولِ فُرسَانِها وحَاقَ به ما كان يخافُ مِنْهُ وَيُحَاذِرُ..لِذا قَالَ  إمام المتقين صلى الله عليه وسلم :"لَو دُعِيتُ إليهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ"ولَكِنْ ماهي قِيمُ وَمَعَاييرُ التدَافُعِ الآمِنُ الراشِدُ..؟لا يشترط في التدافع والتحاف تجانس الأديان والمعتقدات والانتماءات العرقية والقومية وغيرها..فقد دخلت قبيلة خزاعة في حلف رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ضد قريش وهي على شركها..ودخلت قبيلة بكر في حلف قريش..فقيم وأسس التدافع والتحالفات تقوم على كل ما يحفظ أمن الناس ومصالحهم وسيادتهم وسلامة وحدة أراضي أوطانهم والإسلام يشترط في أخلاقية أداء المتحالفين الأسس والقيمُ التي تحترمُ وتُجِّلُ قُدسيِّةَ حَياةِ الإنْسَانِ وَكرامتِهِ وَحُرِّيتِهِ وَمُمتَلَكاتِهِ..وَتَصُونُ سلامة البيئةَ بِشَقيِّها المَاديِّ والاجتِمَاعيِّ..وَتُقيمُ العَدلَ المُطْلقَ بَينَ النَّاسِ بِلا استِثنَاءٍ أو تَمييزٍ..لِقولِه تَعالى:"وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"والإسلام يقررالقيمُ التي تُتِيحُ لِلنِّاسِ كُلِّ النَّاسِ فُرصَ العَيشِ الكريمِ وتَحقيقِ طُمُوحَاتِهم لِقولِه تَعالى:"مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ"ولَكنْ ما هي أنماط التَدافُعِ التي يَدعو إليهَا الإسْلامُ ..؟الإسْلامُ لمْ يَفرض شَكْلاً أو نمطاً مُحَدداً لِلتَدَافُعِ..ولَكْنَّهُ قَدمَ نَماذجَ مِنْهَا:التَعاونُ لِقولِه تَعالى:"وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"وَمِنْهَا التَنَافُسُ لقوله تَعالى:"وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ"وَمِنها التَسابقُ بالخيرِ مَعَ اختِلافِ المنَاهِجِ والشرَائِعِ لقَولِه تَعالى:"لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ"ومنها المحافظة على سلامة وحرمة بيوت العبادة لمختلف أتباع الأديان سواء بسواء لقوله تعالى:"وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً".

وسوم: العدد 722