هل نحن على أبواب خيبة جديدة في اليونسكو؟

يأبى النظام العسكري الانقلابي إلا الركض في مضمار الفشل والخيبة، وتحميل الشعب المصري البائس مزيدا من الأعباء المادية والمعنوية نتيجة تصرفاته التي لا تخضع لاستراتيجية وتاكتيك، أو فكر ودراسة. ومن ذلك الدفع بسيدة معادية لتراثها وثقافتها لتكون رئيسا لهيئة اليونسكو الأممية في ظل ظروف غير مؤاتية حيث من المتوقع أن يلحقها فشل ذريع، وهزيمة ثقيلة على المستوى العربي والصعيد الدولي!

بالطبع يتكلف الترشيح ملايين الدورات تمثل عبئا على سلطة مدينة حتى رقبتها لطوب الأرض، وشعبها في أمس الحاجة لكل سنت من هذه التكلفة الباهظة التي تتضمن وفودا تذهب هنا وهناك وسفرا وإقامة ودعاية وغير ذلك من مقتضيات الترشيح والتعريف بالمرشح.

المعركة الانتخابية خاسرة مقدما للأسباب الآتية:

أولا– هناك أربعة من المرشحين للمنصب الأممي من العرب هم: حمد بن عبدالعزيز الكواري من قطر، وصالح الحسناوي من العراق، وفيرا خوري لاكويه من لبنان ومرشح يمني لا أعرف اسمه.

وهذا يعني تفتيت الأصوات المؤيدة للعرب مما يعني أنا أيا منهم لن يفوز باليونسكو.

ثانيا – كانت الضربة القاصمة التي أصابت المرشحين الأربعة ترشيح فرنسا– دولة المقر- وزيرة الثقافة أودري أوزولاي(يهودية من أصل مغربي) للمنصب الأممي المرموق قبيل إغلاق باب الترشيح بلحظات، وتبذل الحكومة الفرنسية جهودا حثيثة  لإنجاح مرشحتها.

وقد عدّ المرشحون العرب أن إقدام فرنسا على ترشيح السيدة أوزلاي في الساعة الأخيرة قبل إغلاق باب الترشيح طعنة لهم، لأن باريس؛ وهي حاضنة المقر، وعدت بعدم طرح أي مرشح منها، وألمحت إلى أن الرئاسة هذه المرة ستكون للعرب! وبالطبع لم تُلق الحكومات العربية أي اهتمام للخطوة الفرنسية الغادرة من قبل الرئيس الفرنسي السابق هولاند، كما لم يصدر أي احتجاج رسمي، والتزمت حكومات العربان بما فيها حكومة الانقلاب الصمت المطبق، وكأن الامر لا يعنيها وفق تعبير بعض المراقبين! في حين وصفت السيدة جويل جاربو مايلام عضو مجلس الشيوخ الفرنسي، ما قام به هولاند بترشيح السيدة أزولاي في الساعة الأخيرة بأنه إهانة للعرب والمنظمة معا، وشدّدت على أن هذا المنصب يجب أن يعود إلى أحد المرشحين العرب الأربعة. ولكن الأشاوس لا يعنيهم الأمر!

ثالثا– يقوم الكيان الصهيوني مع داعميه من يهود فرنسا والعالم بحملة شرسة ضد منظمة اليونسكو لإصدارها قرارا تاريخيا يؤكد عدم وجود أي علاقة لليهود بالقدس المحتلة، وأماكنها المقدسة، ولم يتم العثور على أدلة موثقة حول هذه العلاقة.

وكان العرب يعوّلون على تولي رئيس عربي للمنظمة لتعزيز مواقفها الداعمة للتراث والثقافة، وإعادة تعمير الآثار العربية والإسلامية والتاريخية المدمرة في تدمر السورية وشبام اليمينة، والعديد من المعابد والمدرجات الرومانية في جنوب ليبيا.

رابعا- مرشحة فرنسا أودري أزولاي هي وزيرة الثقافة والاتصالات، وجاءت لهزيمة «مشيرة خطاب»، حيث لا يتجاوز عمرها 45 عاماً، وبذلك تكون الأصغر سنا بين جميع المرشحين، بجانب أنها يهودية الديانة، ومن أصول مغربية، وهي ابنة اندريه أزولاي، مستشار العاهل المغربي، ولكنها تحمل الجنسية الفرنسية. ومن المرجح أن تصوّت المغرب لصالحها.

كان الاستماع إلى المرشحين التسعة لمنصب المدير العام لليونسكو خلال الجلسة الحادية بعد المائتين للمجلس التنفيذي، يومي الأربعاء 26 إبريل والخميس 27 إبريل 2017 مؤشرا على صورة عامة عن المرشحين وممهدا لاختيار الشخص الذي سيرشحه المجلس التنفيذي عن طريق الاقتراع السري في تصويت يجري تنظيمه في أثناء الجلسة الثانية بعد المائتين للمجلس، أكتوبر المقبل، يعلن بعدها رئيس المجلس التنفيذي مهمة إعلام المؤتمر العام في دورته التاسعة والثلاثين، التي ستعقد شهر نوفمبر باسم المرشح، الذي اختاره المجلس.

من الصعب التعويل على الحكومات العربية في العمل من أجل رئاسة اليونسكو، بدليل أنهم تقدموا بأربعة مرشحين لن ينجح منهم أحد بصورة شبه مؤكدة، مالم تحدث معجزة، في عصر ليست فيه معجزات!

لو أنهم اتفقوا على مرشح واحد وقاموا جميعا بدعمه لكان هناك أمل في الوصول إلى المنصب المرموق، ولكنهم للأسف الشديد لا يتفقون إلا في الحرب على شعوبهم وتزييف الحقائق أمامها والانقلاب على إرادتها بالدبابة. وكانت هناك بعض السوابق التي تؤكد ذلك، فقد كانت محاولة عام 1999، عندما ترشّح للمنصب مدير مكتبة الإسكندرية، إسماعيل سراج الدين، والسعودي غازي القصيبي، وقد خسرا أمام الياباني كوشيرو ماتسورا، وللأسف لم تتفق الدولتان على مرشح واحد كان يمكن أن ينجح ويحقق حلم العرب في الوصول إلى رئاسة المنظمة في ذلك الوقت.

وكانت هناك محاولة أخرى في عام 2009، حيث ترشح للمنصب وزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني، والدبلوماسي الجزائري محمد بجاوي. ومع كل الجهود التي بذلها النظام المصري وأوشكت أن تثمر؛ فقد خسر المرشح المصري في الجولة الثانية بفارق ضئيل واستطاعت إيرينا بوكوفا، المديرة الحالية للمنظمة.  

وأتصور لو أن المرشحة المصرية مشيرة خطاب جلست على كرسي المنظمة، فهي  لن تحقق إنجازا يذكر للأمة العربية والإسلامية لأنها ستكون أسيرة الرؤية الغربية والصهيونية للحفاظ على  منصبها، فتاريخها العملي لا يؤهلها للعمل المثمر المعتمد على المواجهة والانحياز لتاريخ الأمة ومستقبلها, فقد كانت وزيرة لتحديد النسل( كانوا يسمون وزارتها الأسرة والسكّان)؛ وتولت الأمانة العامة للمجلس القومي للطفولة والأمومة، ولجنة برامج الطفل بمجلس اتحاد الإذاعة والتليفزيون. كما شغلت منصب خبير ونائب لجنة حقوق الطفل، بإحدى لجان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، ومع ذلك فهي معادية للتصور الإسلامي؛ وقد صرحت في مؤتمر "الأمن الديمقراطي في زمن التطرف والعنف" بمكتبة الإسكندرية المنعقد في يناير 2017، ذات يوم بأن العديد من المناهج في المدارس تدرس فكرة الخوف من الآخر، مثلما يمثل تجديد الخطاب الدينى تحديا لفكرة الخوف من الماضي، وانفصاله عن الواقع الحالي، خاصة فيما يتعلق بإساءة وتشويه صورة المرأة. وعبرت السيدة مشيرة في تصريحاتها عن تعاطف واضح مع الحكومات الاستبدادية وانحيازصارخ لها!

وفي كل الأحوال فإن الخيبة التي يمكن أن تمنى بها مصر في اليونسكو للمرة الثالثة يجب أن تنبه العقلاء حيثما كانوا للعمل من أجل تجنيب البلاد هزيمة ثقيلة ليست في حاجة إليها، وإهدار أموال يحتاج الشعب المصري كل سنت منها.

الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!

وسوم: العدد 722