سأمشي في جنازاتكم جميعا؟!

كان المخلوع مبارك يقول بمزاح للصحفيّة الصغيرة التي لا تفقه من أمر مهنتها إلا الأضواء ومقتضياتها؛ وهي تسأله عن صحته:  سأمشي في جنازاتكم جميعا!

والمعنى أن صحته قوية وأن عمره سيطول بعد أن حصل على البراءة النهائية وعاد إلى فيلا القللي باشا. ولم يعد هناك مجال للبحث عمّن قتل قرابة ألف مصري بالرصاص الحي وفقأ عيون العشرات وأصاب وأعاق أكثر من خمسة آلاف آخرين. المسألة صارت بلا أهمية، فمن استشهد ذهب إلى ربه ومن أصيب يجلس في انتظار رحمة الله. النظام وجنوده حصلوا جميعا على البراءة وعادوا إلى مقاعدهم. وتكرر أمر القتل والإصابة بعد الانقلاب العسكري الدموي الفاشي، فقد قُتل قرابة عشرة آلاف شخص وفُقد عدد غير معروف وأصيب كثيرون بلا حصر، وغيبت السجون المظلمة أكثر من ستين ألفا، وحكم على المئات منهم بالإعدام أو المؤبدات أو المشدد، وبعضهم يحاكم بتهم الاعتصام والتظاهر والمطالبة بالحرية!

المخلوع كان يدخل على نقالة ليستدرّ عطف الناس، وتُنشر أخبار عن مرضه بل وفاته لتقول للناس: ماذا تريدون من رجل ميت أو شبه ميت؟ كما قدمت له وسائل الراحة والعلاج كما يفترض، ومن حوله أسرته وأحفاده، والخدمة على سنجة عشرة في جناح فخم بالمستشفى، ثم خرج قويا نشيطا يتناول الفول المدمس ويلعب الطاولة ويمزح مع زائريه ومحبيه!

الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي، لا يلقى رعاية من أي نوع، ولم تستطع أسرته أو محاموه أن يلتقوا به إلا مرة واحدة بعد أربع سنوات تقريبا منذ أسره واختطافه ووضعه في قفص زجاجي، وإصدار أحكام الإعدام والمؤبد ضده- يتم نقض بعضها- مع استمرار محاكماته من جانب من أحسن إليهم وأتي بهم لمساعدته ومنحهم المناصب الكبرى والرتب العليا، فضلا عن اعتقال أبنائه وأقاربه، والتشهير بهم من خلال الأبواق والأذرع الإعلامية - " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟".

هذه المفارقة دفعت قطاعات كبيرة من الناس إلى تساؤلات عديدة، وبعض الناس لفّهم اليأس والإحباط، فأعظم ثورة سلمية عرفتها مصر على مرّ التاريخ يتم التشهير بها، وإهانتها وإهانة الشعب بالتبعية، والثوار أُدخلوا السجون، والأشرار خرجوا منها، وصار دستور المجتمع هو النفاق والوصولية والوشاية في ظل الحكم العسكري البوليسي إلا من رحم الله.

إذا من الذي قتل المتظاهرين والمعتصمين؟

محامي المخلوع يؤكد أن: "الإخوان وحماس هم من قتلوا المتظاهرين!".

الأمنجي أحمد موسى يكرر الزعم بأن القاتل الحقيقي هو تنظيم الإخوان الإرهابي الذى أراد خطف مصر وهدم مؤسساتها وإسقاط الدولة!!  

 كاتب البيادة عمرو عبد السميع، بوق الحزب الوطني يدّعي بالقول: ظلمني الرئيس محمد حسني مبارك في موضوع شخصي، ومع ذلك رأيت أن الاتهامات التي وُجهت إليه لم تكن صحيحة بحال من الأحوال، ونظرت إلي الإيغال في إيذاء مشاعره وتزييف سيرته وطمس منجزه التاريخي...

النائب ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أعلن أن الدولة أصبحت لا تحتاج لإقرار قانون للعدالة الانتقالية بعد مرور أكثر من 6 سنوات على ثورة 25 يناير، فالدولة أصبحت مستقرة وتم استنفاذ جميع المحاكمات. وعودة الحديث عن "العدالة الانتقالية " هو فتنة ومن يستهدف إشعالها يريد دخول الشارع في جدال لا داعى منه. وزعم المذكور أن حركتي حماس و الإخوان (هما من دبرا قتل الشهداء) وهذا الأمر ليس محل جدال، معتبرًا أن المخلوع مبارك "رجل وطني" و له حق رفع قضية رد اعتبار بعد ثبوت براءته من تهم قتل المتظاهرين!

 أما النائب محمد أبو حامد، محفظ القرآن السابق وحبيب الكنيسة حاليا فقد قال: حكم براءة مبارك عنوان الحقيقة!

وهكذا تفرق دم الشهداء بين قبائل خدام العسكر والأمن! وعلى الشعب الذي خرج بالملايين الحقيقية أن يعتذر للرجل الذي خلعه ويوافق على تعويضه بعد تقديمه لمحاكمة معلوم سلفا أنها تفتقد الصياغة القانونية المُحكمة، وأن مبارك كان ينبغي أن يحاكم سياسيا على جرائم في حق الوطن لا تقل عن جرائم القتل التي تمت برعايته وعلمه وتحت عينيه، وبالتأكيد لم يكن مبارك في بنها وآلة القتل تعمل باقتدار، وبالضرورة فهو على يقين أن رجال حماس، والإخوان الذين ردوا هجمات موقعة الجمل، تحت مراقبة جيشه وأجهزة أمنه لا يستطيعون الحركة الطليقة، ولا يمكنهم أن يطلقوا رصاصة واحدة!

تمتد المفارقة بين الرئيسين؛ المخلوع والأسير، إلى الذمة المالية، فالأخير لا يملك إلا الستر، ومرتبه الذي كان يتقاضاه من الجامعة، وهو ضئيل أمام ما يتقاضاه موظف صغير يحمل دبلوم تجارة متوسط ويعمل بأحد البنوك، أما الأول فيمتلك أموالا ضخمة لم يتم حصرها حتى الآن. يقول دفاعه والسيجار الفخم في فمه: إنه لا يملك شيئا؟ ولكن جريدة مقربة من الانقلاب تفيد أن الأجهزة المعنية بالدولة تسلمت تقارير رقابية حول ثروته في الداخل، وتبلغ ما يقرب من 3 مليارات و600 مليون جنيه، عبارة عن أموال سائلة وعقارية وأسهم وسندات بالبورصة والبنوك والشركات. وأفادت مصادر، أن لجان فحص الثروة واجهت العديد من العقبات أثناء حصر أموال المخلوع في الداخل نتيجة قيامه باتباع نظام اقتصادي مركب في تسجيل ما يمتلكه من أموال يصعب على المحاسبين الماليين الوصول إليها.

المصادر ذاتها كما تقول الصحيفة؛ كشفت أن مبارك وأفراد نظامه يمتلكون في الخارج ما يقرب من المليار ونصف المليار دولار، من بينها نحو 650 مليون دولار لمبارك ونجليه بما يعادل 9 مليارات و750 مليون جنيه ( قبل التعويم)، عبارة عن أصول وعقارات في لندن وقبرص وأمريكا بجانب 410 ملايين دولار في سويسرا. ويسعى دفاع مبارك ورموز نظامه جاهدا لفك تجميد أموالهم في الخارج عن طريق محامين أجانب، واستخدام أحكام البراءات التي صدرت لصالحهم، وكان الاتحاد الأوروبي قد وافق على تجديد تجميد أموال مبارك ونجليه و14 آخرين، على أن تنتهي في 2020.

ويبقى الأخطر في المفارقة بين الرئيسين أن اليهود الغزاة أنفقوا المليارات للانقلاب على محمد مرسي، ولكن حاخاماتهم كانوا يدعون لمبارك بالبراءة والنجاة من الإعدام، لأنه كما نقل الحاخام موشيه مزوز عن الحاخام الهالك عوفاديا يوسف " لم يهدد أمن اليهود ولم يهدم مقابرهم في مصر، ولما تمت تبرئة مبارك هذا الأسبوع علم أن حكم البراءة جاء نتيجة دعوة الحاخام "عوفاديا"!

هل عرفتم – أطال الله أعماركم - لماذا سيمشي مبارك في جنازاتكم جميعا؟

الله مولانا، اللهم فرج كرب المظلومين، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!