والصُّلحُ خَيْر

 اعتنت شريعة الإسلام بالحفاظ على السَّلام الداخلي بين أتباعها؛ فيعتصمون بحبل الله المتين, ويتآلفون ويتعاونون على البرِّ والخير والتقوى , ويتعاونون على مقاومة الإثم والعدوان المشترك, وإزالة كل ما من شأنه تعكير العلاقات ونشأة الخلافات التي تُفضي في النهاية إلى ضعف شوكتهم, وتفرُّق جماعتهم , واسْتِئْساد عدوِّهم , الذي هو-غالبًا- مَن أَشْعلَ فتيلَها , وسكب زيت الكراهية الحارق على أُوارها .

 ولذلك كان الفضل العميم والأجر العظيم لمن يسعى في الإصلاح بين المتخاصمِين , وإزالة الشِّقاق بين المتنافِرِين , وإعادة الأمور إلى نِصَابها , وتكون الأمور سُلكَى لا مَخْلوجة , مستقيمةً لا مُعوجَّة ؛ فقد جعل القرآنُ الكريمُ الإصلاحَ قرين التقوى وشرط الإيمان ؛ فافتُتحت " الأنفالُ" بقول الله جلَّ وعلا :﴿... فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ, كما أَمَر في " الحجرات"([2]) , حتى أنه لم يُحل الكذب إلا في ثلاث: منها " الإصلاح", فقالr : " ليس الكذاب الذي يُصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا "([4]) .

 ولهذا نجده قد أنكر الهَجْر والخصومة والقطيعة ؛ لِمَا يعلم من نتائجها على الفرد والجماعة والأُمَّة بأسْرها ؛ فحذَّر أشدَّ تحذيرٍ , وتنبَّأ للمخاصِم بأسوأ مصيرٍ , فقال : " لا يدخل الجنة قاطع" ([6]) !!

 إن هَرِمَ بن سِنَان , والحارث بن عوف , وهشام بن عَمْرو, وغيرهم من ذوي المروءة والنخوة لا ينبغي أن يُفتقدوا في ليالي القطيعة المُظلمة , وبخاصة بين الأشقاء , وذوِي الدين الواحد , والقِبْلة الواحدة , واللسان الواحد, والعدوِّ الواحد , يجب على كل أحدٍ يريد خيرًا بالأمَّة -وبنفسه أولًا- أن يسعى للحفاظ على وحدة الأمة وتماسكها , ويبذل ما في وُسْعِه في الإصلاح بين الإخوة ؛ كي يحمي الذِّمار, ويذود عن الديار, ويزيل كلّ عقباتٍ تعوق تقدُّم الأُمَّة ونهضتها , ويئدوا الفتنة في مَهْدها ؛ من أجل صيانة بيضة الدين ، والوقوف سدًّا منيعًا أمام خطر الغلاة المارقين .

 يا قوم اعلموا أن الإصلاح والسِّلم الداخلي بين الأفراد بعضهم بعضًا, وبين مواطني الدولة الواحدة , وبين الدول الشقيقة على مستوى الشعوب والحكومات : لهو فريضةٌ شرعيّة, وضرورةٌ بشريّة , ومكرمةٌ إنسانية, وأمرٌ حتميٌّ , وهدفٌ استراتيجيُّ , يا ليت قومي يعلمون, أنَّ الصُّلح خير.

( [2] ) والحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه . صحيح مسلم (1009).

( [4] ) وهم بني عمرو بن عوف وكانت صلاة العصر. والحديث عن سهل بن سعد الساعدي. موطَّا مالك (537), تحقيق : بشار عواد معروف وغيره, ج1, ص 211, مؤسسة الرسالة , 1412ه.

( [6] ) ينظر حديث نقض الصحيفة , سيرة ابن هشام , ج 1, ص 374, تحقيق: مصطفى السقا وغيره, مطبعة الحلبي , مصر, ط2, 1375ه- 1955م.

وسوم: العدد 726