ما رأيكما في النسيان؟

د. محمد رشيد العويد

أيها الزوجان الغاليان، ما رأيكما في النسيان؟

هل هو خير لكما؟ أم هو شرٌ لكما؟

أجيبكما بأنه لكما خير في أمور، وهو لكما شرٌ في أخرى!

خير لكما في نسيان الماضي الحزين، ونسيان إساءة كل منكما إلى الآخر، ونسيان تقصيره تجاهه، ونسيان الكلمات التي آذته حين سمعها منه.

وهو شرٌ لكما حين ينسى أحدكما ما كان من خير أصابه من صاحبه، وذكرياته الجميلة معه، وكلماته الحلوة التي سمعها منه، والأيام السعيدة التي عاشها بصحبته، والمواقف التي كان فيها نبيلاً معه.

هذا ما ينبغي أن يكون عليه حالنا مع النسيان، فلو نجح الأزواج -الرجال والنساء- في نسيان كل ما هو سلبي، واستحضار كل ما هو إيجابي، لصارت الحياة الزوجية أهنأ، وأجمل، وأسعد.

وللأسف الشديد فإن العكس من ذلك هو السائد في الحياة الزوجية بين أكثر الأزواج الرجال والنساء؛ وهو نسيان الإيجابيات وتذكر السلبيات بل واستحضارها في معظم الأوقات.

ويخطر على بالنا سؤال:

ترى هل يستطيع العلماء محو الذكريات السلبية من العقول، وجعلها نسياً منسياً، وتثبيت الذكريات الإيجابية، وجعلها حاضرة في الذهن دائماً؟!

لقد تساءل باحثون في دراسة نشرتها (الديلي تلغراف): هل لديك ذكريات تودّ محوها نهائياًّ من ذاكرتك؟

ثم ماذا تفعل لو كان في إمكانك تغيير الذكريات الحزينة حتى لا تزعجك بعد اليوم؟

ثم ماذا لو كان بالإمكان تشكيل ذكريات جديدة تماماً لأحداث لم تقع قط؟!

تضيف الدراسة قائلة: إن هذه الأمور قد تبدو خيالاً علمياً، لكن علماء اكتشفوا كيفية تحقيق ذلك وأكثر منه. ولقد عرض فيلم وثائقي دراسة متطورة عن طبيعة الذاكرة وكيف يمكن تسخيرها لمصلحة الإنسان.

ويقول منتجو فيلم (قراصنة الذاكرة): إن الباحثين اكتشفوا أن الذاكرة شديدة الليونة، تُكتب فيها الذكريات وتُعاد كتابتها، ليس من صاحبها فقط، بل من آخرين أيضاً، وأن الآليات الدقيقة التي يمكن أن تُفسِّر ذكرياتنا، وتُسيطر عليها، باتت واضحة لدينا.

وتحدَّثت في الفيلم عالمة نفس مشهورة عن ابتكارها دواء يمكن استخدامه لإزالة التداعيات السلبية من بعض الذكريات، وأنها استطاعت بهذا الدواء علاج مرضى مصابين بالرُّهاب.

وإلى أن يصير هذا الدواء متاحاً ويُباع في الصيدليات؛ فإني أنصح الأزواج والزوجات بجلسة شفافية يبوح كل من الزوجين فيها إلى الآخر -برفق ولطف- بما يضايقه منه، وبما لا يرتاح إليه فيه من تصرّفات، وبما يؤذيه مما يسمعه منه من كلمات.

وأعود وأكرّر تذكيري لإخوتي وأخواتي الأزواج والزوجات: إذا كان الله سبحانه أوصى الأزواج بعدم نسيان الفضل بينهم بعد الطلاق فقال تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، فكيف به والزوجان يعيشان معاً ويواصلان حياتهما الزوجية التي جعل الله المودة والرحمة بين طرفيها؟!

وسوم: العدد 727