حظيرة الثقافة: مخبر وتقرير وعبده مشتاق!

ظللت على مدي ربع قرن أو يزيد- وما زلت- أدعو إلى إلغاء ما يسمى بوزارة الثقافة، لأنها تهدر أموال الشعب "الفقير أوى" على مجموعة من الناس تبلغ الألوف لا يقدمون شيئا للبلاد، لا يخدمون الثقافة ولا يفيدون المعرفة بشيء ذي بال. مليارات الجنيهات تهدر سنويا ولا يفيد منها الناس كثيرا ولا قليلا. المستفيد الأول والأخير هم مجموعة الحظيرة التي تحصل على مرتبات ومكافآت وبدلات، ولا يزدهر نشاط من النشاطات. النشر قاصر على الصعاليك وأحلاس المقاهي وخصوم الدين. وتوضع لهؤلاء أرقام فلكية مكافأة على كتاباتهم الرديئة التي تعود غالبا إلى المخازن لتكون غذاء للفئران والديدان، وريما يعجن بعضها ليصنع منه ورق التغليف والتجليد. التفرغ قاصر على أشباه الموهوبين والعاطلين وأصحاب الحظوة في حراسة الحظيرة. السينما هبطت إلى قاع سحيق. مركز الترجمة كان يبشر بخير، ولكنه صار ينقل أسوأ ما في الحضارة الغربية دون كلمة تعليق أو تحليل، بل إن كثيرا من المترجمات لم يسلم من أخطاء النحو والصرف، فضلا عن الركاكة والضعف التعبيري. بيوت الثقافة وقصورها والسناري والسحيمي وغيرها تصرف مكافآت كبيرة للمهيمنين عليها والمحظوظين، وعدد من يحضرونها لا يزيدون عن أصابع اليدين بما فيهم الموظفون.

دار الكتب والوثائق وما يسمى المجلس الأعلى والجوائز، تمارس نشاطات شبه سرية قاصرة على أهل الحظيرة وتمنح عطاياها غالبا لغير ذي الموهبة أو الإنتاج غير المتميز، أما هيئة قصور الثقافة الإدارة؛ فحدث ولا حرج. واسأل عمارة العرائس التي تغص بالعاملين والعاملات وبعضهم لا يجد مكانا يجلس فيه، ماذا يعملون، وماذا ينتجون؟ وما هي طبيعة خدمتهم للوطن غير سلاسل من الكتب يمكن أن يشتغل عليها خمسة أفراد فقط؟ وللأسف فمضمون هذه الكتب لا يساوى ثمن الحبر الذي طبعت به لأنها غالبا لون واحد وفكر واحد له صفة واحدة أو مترادفاتها: التخريب والتدمير والتجريف!

لقد اغتنى ماديا العديد ممن عملوا في وظائف الثقافة وساروا على نهج الحظيرة المرسوم بمشايعة الاستبداد وكتابة التقارير عن الأحرار والإبلاغ عن كل قلم ثائر وإقصائه واستئصاله وحرمانه من النشر والتفرغ والجوائز والمشاركة في الأنشطة التي صارت كلأ مشاعا للحظيرة وروادها وحدهم، ولكي لا يكون الكلام مرسلا، نقدم للقارئ نموذجا للممارسات التي تضحك الثكالى من بعض الحظائريين وهم يقدمون بلا خجل ولا حياء بلاغات المخبرين التي يكتبها عبده مشتاق، وأمثاله كثيرون.. لإيذاء الآخرين أو إزاحتهم من الطريق، أو الإعلان عن الاستعداد لتقديم الخدمات للنظام العسكري الفاشي من أجل وظيفة هنا أو هناك..    

تحت عنوان: "القصة الكاملة لتكريم إرهابى في قصور الثقافة بـإسنا" نشر موقع اليوم السابع الأمني في 23 يونيو 2017 بلاغا من أحمد مجاهد، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب السابق، والمستشار الثقافي الآن(؟؟) لوزير الإدارة المحلية، تحت عنوان "كارثة تستدعى التحقيق العاجل"، فحواه أن "إقليم جنوب الصعيد الثقافي يكرم عضو الجماعة "الإرهابية" على مجمل أعماله "الإرهابية" ويقدم درع الهيئة شكراً وتقديراً. والسؤال هنا ما معنى الإرهاب؟ وما المقصود بالأعمال الإرهابية؟ وهل يمكن أن أسلك الشيوعي أو اليساري "أحمد مجاهد" ضمن الإرهابيين لأنه يؤمن بالنظرية الماركسية التي تحبّذ الصراع الدموي بين الطبقات، وتقرر حتمية انتصار الطبقة العاملة على الطبقة الرأسمالية بالمذابح والقتل؟

ثم هل كل من ينتمي إلى الإسلام يعدّ إرهابيا في نظر مخبري الحظيرة الثقافية ؟وهل يفترض في المثقف أن يكون على يمين النظام الحاكم؟

كتب "مجاهد" ما أشار إلى أنه نقله عن شخص يدعى " محمد عبده الشيخ" قائلا :  "لا تدفنوا رءوسكم في الرمال واعترفوا أن جماعة الإخوان الإرهابية منتشرة ومتوغلة في مفاصل الدولة كانتشار الأورام السرطانية الخطيرة وتلعب دوراً محورياً في تصدير الارتباك والفشل الإداري في معظم المصالح الحكومية الخدمية، لكن المصيبة الأكبر والطامة الكبرى أن يصل الأمر لأن تسيطر هذه الجماعة وفى العلن على مؤسساتنا الثقافية، وهو ما جعل المواطنين بمركز إسنا والمترددين على قصر ثقافة إسنا يضربون كفا بكف وهم يرون أعضاء هذه الجماعة الإرهابية يتم تكريمهم من خلال إقليم جنوب الصعيد الثقافي وفرع ثقافة الأقصر وهو ما حدث من خلال تكريم عضو جماعة الإخوان "الإرهابية" عادل أبو صبيرة- الهارب، حيث إنه مطلوب أمنيا وتقديم درع الهيئة له واستلم نجله الجائزة عنه بحضور زوجته وأخوته وبحضور عضو الجماعة الشاعر عبد الله الأمير".

ويبدو أن المخبرين الكذبة لا يعلمون أن هناك أكثر من ستين ألفا من هؤلاء الشرفاء في القاعات المظلمة، كما يظهر أنهم يتجاهلون أن الأجهزة الأمنية تسيطر على كل القصور والبيوت الثقافية، ولها في كل ندوة ومحاضرة ونشاط؛ عيون وآذان مثل هؤلاء المخبرين، وأنه لا يسمح لأحد من غير عملائها بالمشاركة أو الحضور أو الحصول على الجوائز إلا لأمر ما.. لذا فلا حاجة لها بمثل هذه التقارير العلنية في موقع الجريدة الأمنية!

يبعث أحمد مجاهد بتقريره الأمني إلى من يهمه الأمر من السيد الحاكم حتى أصغر طفل في هذا البلد ملخصه: الأيدي المرتعشة لا تبنى دولا قوية والخوف من المواجهة لا يعشش إلا في النفوس الضعيفة وإذا استمر الإخوان في مفاصل الدولة وخاصة في الثقافية منها فلن يكتب أي نجاح لأى حكومة"- ونسأله: أين الإخوان الآن؟

 ردّ شخص اسمه أسامة أمين بالقول: "أصلا فروع الوزارة وقصورها مخترقة في محافظات كثيرة، ويبدو ذلك مبدئيا في منع بعض الأنشطة بضراوة"- مثل ماذا؟

في بعض القرى يختلف الجيران لأمر ما، فينتقم بعضهم من بعض بتقديم بلاغات مشابهة للجهات الأمنية، ذلك أن الانقلاب العسكري الدموي الفاشي جعل المسلمين الذين انتخبهم الناس للنيابة والتشريع والرئاسة إرهابيين، وأن دمهم مستباح، وعليه فكل من يشار إليه أنه منهم فهو في محل الانتقام والعقاب مع أنه لم يسرق ولم يقتل ولم يختلس ولم يرتكب جرما مشهودا أو خفيا. ولكن الرغبة في الانتقام والوصول إلى هدف غير مشروع تدفع صاحبها الذي يتجرد من الأخلاق والضمير إلى ظلم أخيه وقهره وإذلاله.

لقد اغتنى أحمد مجاهد وأشباهه من أموال الشعب الكادح المظلوم. كان زميله المدرس في الجامعة يتقاضى ألفي جنيه في الشهر، بينما يتقاضى هو ستة عشر ألفا، بالإضافة إلى البدلات والحوافز والجلسات والأرباح والسكرتارية الفخمة واللمبة الحمراء على مكتبه. الرجل إذا يسعى لاستعادة هذه المكاسب بكل وسيلة: تقرير، بلاغ ، افتراء .. لا يهم فهو عبده مشتاق، بالإضافة إلى أنه صار اليوم في منصب غريب وعجيب "مستشارا ثقافيا" في وزارة لا تعرف معنى الثقافة مقابل مكافأة كبيرة!

لو ألغيت وزارة الثقافة لن تخسر مصر شيئا، بل ستوفر المليارات، وينبعث تلقائيا عشرات بل آلاف المثقفين الحقيقيين أو العضويين الذين يقفون إلى جانب الحرية والفن والمستقبل، لا الذين يبيعون أمهاتهم من أجل الشيكات الحرام!

الله مولانا. اللهم فرج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!

وسوم: العدد 729