هلْ تشهدُ إدلب قيامةَ الفصائل

لقد مثَّل تحرير محافظة إدلب بحدودها الإدارية، في أواخر الشهر الثالث: 2015، لحظة فارقةً في تاريخ الثورة السورية؛ فقد انعقد آمالٌ كبيرة لدى السوريين، في جعلها حدثًا مفصليًّا نحو سورية الجديدة، و تهيّأت مؤسسات في مقدمتها الحكومة المؤقتة ، لمباشرة أعمالها انطلاقًا منها.

غير أنّ هذه الآمال العِراض قد تبخرت مع أول صيف يأتي عليهم، تحت لهيب تصريحات قادة جيش الفتح، و لاسيّما من الجماعات الجهادية " الشيخ المحيسني مثلاً " ، التي مرارًا ما صرّح شيوخها بأنّه لا شأن لهم بالخوض في خيارات السوريين، فيكفيهم شرفًا أنّهم تقاطروا على سورية لنصرة إخوانهم في الدين و العقيدة.

فلا الحكومةُ المؤقتة قد باشرت شؤون الناس، و لا الهيئة السياسيةُ للإتلاف الوطني لقوى الثورة قد سُمح لها أن تطأ أرضها، و لا مؤسساتُ المجتمع المدني المنبثقة عن أهل الأرض، قد مُكِّنت من القيام بدروها المنشود.

لقد أصبح وجود بعض كوادر الثورة خارج حدود الوطن لوثةً تنقص قدرهم، و تطيحُ بالمرء أيًّا كان تاريخه الثوري أو الوطني، و وصلت إليهم كثيرٌ من الرسائل، بأنّ إدلب محرمةٌ عليهم سنين طويلة، اللّهم إلاّ إذا أعلنوا توبتهم عن المشروع الوطني، و انخرطوا في المشاريع الآيديولوجية لتلك الفصائل.

لقد ذهبتْ الظنون إلى أنّ الأمر لربّما كان مبيّتًا، من بعض الأطراف الإقليمية و الدولية " الداعمة للثورة "، بجعل إدلب ثقبًا أسود، تدفنُ فيه الثورةُ بحلّتها الوطنية الجامعة؛ ليحلّ مكانها المشروع الفصائليّ، ذو الحلّة الإسلامية " الجهاديّة "، فيكون ثَمَّة مبررٌ لهم بالتخلي عن التزاماتهم تجاه السوريين، في العديد من المؤتمرات و المناسبات، التي لوحظ فيها معسولُ الكلام يسيلُ على الألسنة، و في أوراق الكلمات.

فغدا الحراك المجتمعيّ الذي انطلق في آذار: 2011م، عنوانًا كبيرًا يحوي في داخله مشاريع مؤجلة، لجماعات جهادية عابرة للحدود، تطلبُ ثأرها من أعدائها العالميين، منذُ أيام أفغانستان، و مرورًا بالعراق، ثم الصومال، لينتهي بها المطاف في أرض الشام، حيث يلتقي فسطاطُ الإيمان مع فسطاط الكفر.

و عندها يكون قد نجح النظامُ في وسمه الثورةَ في مهدها الأول، بأنها مجاميعُ مندسّة، ذات مشارب أصولية، مصنفة على قوائم الإرهاب الدولي، و وجد الغرب ذريعة له في التراجع عن منظومته القيميّة، التي تعالى بها كثيرًا على شعوب دول العالم الثالث، الذين رزحوا شطر عمرهم تحت ثقل المطرقة و المنجل.

لقد صُرِفتْ أنظارُ تلك الفصائل إلى خطورة ما يُبيَّت لهم، و إلى التداعيات الأليمة التي تنتظرُ سعيهم لجعل إدلب " كابل " سورية، و إلى الأخطار المحدقة بهم في حال استمرائهم إزهاق الأرواح، فالدماء دينٌ في أعناق مُسيليها، و لن يشفع لهم حسنُ النوايا، و نُبل المقصد، و سلامةُ المعتقد، و صحةُ الفكرة.

هذا فضلاً عن فشل مشروعهم الذي يحملونه من بلدٍ إلى آخر، و شعبٍ لآخر، فلقد أضحت في رابعة النهار، لقد جعلوا السوريين ينفضون أيديهم منهم، و يرغبون عن المشروع الإسلامي عمومًا، و يجنحون إلى الهُدن مهما يكن الطرف الضامن لها؛ حتى إنهم أصيبوا بالهلع و الذعر، عندما عاودت طائرات الاستطلاع طلعاتها عقب شهر رمضان، و ذهبت بهم الظنون بعد جولة أستانا الخامسة، و غموض الموقف من استمرار الهدنة بعدها.

و يرى كثيرٌ من المراقبين أنّ الحالة الفصائلية قد أتت على كثير من المكتسبات، التي تحقّقت للسوريين على يد كتائب الجيش الحر، أو هيئة الأركان، و حتى السياسية منها على يد المجلس الوطني، و وريثه الائتلاف، فضلاً على المجالس المحلية غير المؤطرة.

إنّه في ظلّ ما تشهده عموم قرى و بلدات و مناطق محافظة إدلب، من احتقان و تهييج، و رغبة في التغلّب لفرض الأمر الواقع، تحت ذريعة إفشال مخططات الرعاة الإقليميين و الدوليين، فإنّ الناس باتت على قناعة بذهاب الفصائل نحو الانتحار، و أنّ قيامتهم باتت تُرى عيانًا، و عندها ستكون ذاكرة السوريين غير نسيّة. 

وسوم: العدد 729